< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(35)

قوله: (ولو شكّ بين الثلاث والأربع بنى على الأربع، واحتاط كالأول، وقال ابنه: يتخيَّر بين البناء على الأقلِّ -ولا شيء عليه- والأكثر، فيحتاط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً، ولم يذكرِ الحَسَنُ في هاتين المسألتين سوى ركعتين من جلوس، لِرواية حسين بن أبي العلاء عن الصَّادق (عليه السَّلام))

المعروف بين الأعلام أنَّ مَنْ أحرز الرَّكعتين، وشكَّ بين الثلاث والأربع في أيِّ حال كان -ولو في حال القراءة، أو قبل إكمال السَّجدتين، أو بعدهما- بنى على الأربع، وتشهَّد وسلَّم.

وفي الجواهر: (على المشهور شهرةً كادت تكون إجماعاً، بل هي كذلك، إذ لا يقدح فيه ما حُكي من الخلاف فيه على تقدير تحقُّقه، ولذا حكاه عليه في الخلاف والانتصار والغنية، وعن ظاهر الأمالي والسَّرائر والمعتبر والرَّوض...).

وفي المدارك: (لا خلاف في جواز البناء على الأربع في هذه الصُّورة والاحتياط، والمشهور أنَّ ذلك على سبيل الوجوب، وقال ابن بابويه، وابن الجنيد: يتخيَّر الشَّاكّ بين الثلاث والأربع بين البناء على الأقلِّ ولا احتياط، أو الأكثر مع الاحتياط، والمعتمد الأوَّل).

وقال صاحب الحدائق رحمه الله -بعد حكاية ذلك عن ابن بابويه وابن الجنيد-: (وأنت خبير بما في هذا النقل عن ابن بابويه رحمه الله في هذا المقام، فإنَّه على قياس ما قدَّمناه من النقولات المختلفة والحكايات المعتلَّة، حيث إنَّه لا وجود لشيء في ذلك في كتابه بالمرَّة، بل الموجود فيه إنَّما هو ما صرَّح به الأصحاب -لى أن قال:- وبالجملة، فإنَّ هذه النقولات في هذه المقامات محلّ عجب عجاب سيَّما مع متابعة الخلف للسَّلف في هذا الباب، والفقيه بمنظر منهم مطبقين على درسه وشرحه ومراجعته، فكيف اتَّفق لهم هذا الأمر الغريب، ولم يتنبه أحد منهم الى هذا العجب العجيب؟ وأما نقل ذلك عن ابن الجنيد فإنَّ كلامه لا يحضرني، ولا أعلم صحته، ولا بطلانه).

أقول: قدِ استُدلَّ للمشهور بجملة من الأدلَّة:

منها: الإجماع المدَّعى، بل نَقْله مستفيض.

والإنصاف: أنَّ المسألة متسالم عليها، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه، إذ لم يُعرَف مخالِف صريح في هذه المسألة، وقد عرفت ما في الحكاية عن ابن بابويه وابن الجنيد (رحمهما الله).

ومنها: عموم ما دلَّ على البناء على الأكثر، كموثَّقة عمَّار وروايته المتقدِّمتَيْن(1)، وغيرهما من الرِّوايات الآمرة بالبناء على الأكثر.

ومنها: الرِّوايات الواردة في خصوص المقام، كصحيحة عبد الرَّحمان بن سيَّابة وأبي العبَّاس جميعاً، عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْرِ ثَلَاثاً صَلَّيْتَ أَوْ أَرْبَعاً -إلى أن قال:- وَإِنِ اعْتَدَلَ وَهْمُكَ، فَانْصَرِفْ، وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَنْتَ جَالِسٌ)(2).

ولا يضرُّ في صحَّتها كون عبد الرَّحمان بن سيَّابة غير موثَّق؛ لأنَّ أبان الواقع في السَّند رواها عن عبد الرَّحمان بن سيَّابة وأبي العبَّاس البقباق جميعاً، وأبو العبَّاس ثقة.

وكحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام -في حديث- (قال: إِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي ثَلَاثاً صَلَّيْتَ أَمْ أَرْبَعاً، وَلَمْ يَذْهَبْ وَهْمُكَ إِلى شَيْ‌ءٍ، فَسَلِّمْ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَنْتَ‌ جَالِسٌ تَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْكِتَابِ؛ وَإِنْ ذَهَبَ وَهْمُكَ إِلَى الثَّلَاثِ، فَقُمْ، فَصَلِّ الرَّكْعَةَ الرَّابِعَةَ، وَلَا تَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ؛ فَإِنْ ذَهَبَ وَهْمُكَ إِلَى الْأَرْبَعِ، فَتَشَهَّدْ وَسَلِّمْ ، ثُمَّ اسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ)(3).

وكحسنة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ: قَالَ: إِنِ اسْتَوى وَهْمُهُ فِي الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ، سَلَّمَ، وَصَلّى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَهُوَ جَالِسٌ، يَقصر فِي التَّشَهُّدِ)(4).

وكمرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ فِيمَنْ لَا يَدْرِي أَثَلَاثاً صَلّى أَمْ أَرْبَعاً، وَوَهْمُهُ فِي ذلِكَ سَوَاءٌ، قَالَ: فَقَالَ: إِذَا اعْتَدَلَ الْوَهْمُ فِي الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ صَلّى رَكْعَةً وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِنْ شَاءَ صَلّى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَهُوَ جَالِسٌ...)(5)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وبعليِّ بن حديد.

ثمَّ إنَّه قد ورد في خصوص المقام روايتان، قد يستظهر منهما البناء على الأقلِّ:

الأولى: حسنة زرارة عن أحدهما عليه السلام، وقد روها صاحب الوسائل مقطَّعةً، ذكر صَدْرها في باب الحادي عشر من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة، وذكر الذَّيْل في باب العاشر من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة.

وتمامها هكذا: عَنْ أَحَدِهِمَا عليهما ‌السلام ، (قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَنْ لَمْ يَدْرِ فِي أَرْبَعٍ هُوَ، أَمْ فِي ثِنْتَيْنِ وَقَدْ أَحْرَزَ الثِّنْتَيْنِ؟ قَالَ: يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَهُوَ قَائِمٌ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيَتَشَهَّدُ، وَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ؛ وَإِذَا لَمْ يَدْرِ فِي ثَلَاثٍ هُوَ، أَوْ فِي أَرْبَعٍ وَقَدْ أَحْرَزَ الثَّلَاثَ، قَامَ فَأَضَافَ إِلَيْهَا أُخْرى، وَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ، وَلَايَنْقُضُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ، وَلَا يُدْخِلُ الشَّكَّ فِي الْيَقِينِ ، وَلَايَخْلِطُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، وَلكِنَّهُ يَنْقُضُ الشَّكَّ بِالْيَقِينِ، وَيُتِمُّ عَلَى الْيَقِين، فَيَبْنِي عَلَيْهِ، وَلَايَعْتَدُّ بِالشَّكِّ فِي حَالٍ مِنَ الْحَالَاتِ)(6)، حيث إنَّها ظاهرة في إرادة البناء على الأقلِّ مبنيّاً على قاعدة عدم نقض اليقين بالشَّكِّ، أي الاستصحاب، كما هو مذهب العامَّة.

وهذه الرِّواية رويبت بطريقين:

أمَّا الطريق الأول: فضعيف بمحمَّد بن إسماعيل، والظَّاهر أنَّه النيشابوري المجهول، وتوثيق بعض المتأخِّرين له لا ينفع، كما نبَّهنا على ذلك في مبحث علم الرِّجال.

وأمَّا الطريق الثاني: فهو حسن.

والخلاصة: أنَّ الرِّواية حسنة.

وقد ذكرنا هذه الحسنة في مبحث الاستصحاب في علم الأصول بالتفصيل.

وقد تأمل الشَّيخ الأنصاري رحمه الله في دلالتها على الاستصحاب في علم الأصول بالتفصيل؛

وقد تأمَّل الشَّيخ الأنصاري رحمه الله في دلالتها على الاستصحاب.

وحاصل ما ذكره رحمه الله: هو أنَّ المراد من الرَّكعة في قوله عليه السلام قام فأضاف إليها أخرى: إمَّا الرَّكعة الموصولة بالرَّكعات الثلاث؛ وإمَّا المفصولة عنها بتكبير وتسليم.

فعلى الأوَّل: ينطبق قوله عليه السلام: (ولا ينقضِ اليقين بالشَّكِّ) على الاستصحاب ويكون المعنى: أنَّ اليقين بعدم فِعْل الرَّكعة الرَّابعة لا يُنقَض بالشَّك في فِعْلها، بل يبني على عدمها، ويأتي بها متَّصلة بالرَّكعات السَّابقة.

ولكنه يخالف ما استقرَّ عليه مذهب الإماميَّة من البناء على الأكثر، وإتيان ركعة أخرى منفصلة عنها بتكبير وتسليم.

بل يخالف أيضاً صدر الحسنة: (قُلْتُ لَهُ: مَنْ لَمْ يَدْرِ فِي أَرْبَعٍ هُوَ، أَمْ فِي ثِنْتَيْنِ وَقَدْ أَحْرَزَ الثِّنْتَيْنِ؟ قَالَ: يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَهُوَ قَائِمٌ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)، حيث يظهر منها بقرينة تعيين فاتحة الكتاب أنَّه أراد ركعتين مفصلتين، أعني صلاة الاحتياط، وإلَّا كان مخيَّراً بين الفاتحة والتسبيحات، بل لعلَّ الأفضل الإتيان بالتسبيحات .

وعلى الثاني: أي إذا أراد من الرَّكعة الرَّكعة المفصولة بتكبير وتسليم، فهي وإن كانت موافقةً لمذهب الإمامية، إلَّا أنَّها لا تنطبق على الاستصحاب، إذ يكون المراد من اليقين في قوله عليه السلام: (ولا ينقضِ اليقين بالشَّكِّ)، هو اليقين بتحصيل البراءة من البناء على الأكثر، والإتيان بركعة الاحتياط مفصولة.

وقد جرى اصطلاح الأئمَّة عليهم السلام على تسمية الوظيفة المقرَّرة في الشَّكّ في عدد الرَّكعات من البناء على الأكثر، والإتيان بالرَّكعة المشكوكة مفصولةً بالبناء على اليقين، فإنَّه قد ورد التعبير بذلك في عدَّةٍ من الرِّوايات.

وعلى هذا لا تنطبق الرِّواية على الاستصحاب، ولا يصحّ الاستدلال بها، بل لو سُلِّم ظهور الرِّواية في كون المراد من الرَّكعة هي الرَّكعة المتَّصلة على طبق مفاد الاستصحاب، إلَّا أنَّه لا يمكن الأخذ بظاهرها؛ لأنَّ ذلك يخالف مذهب الإماميَّة فلا بدَّ إمَّا من الحَمْل على الرَّكعة المنفصولة؛ وإمَّا الحَمْل على التقيَّة، وهي خلاف الأصل، فإنَّ أصالة الجهة فيها إنَّما هي في تطبيق الاستصحاب على المورد، فيحمل قوله عليه السلام: (ولا ينقضِ اليقين بالشَّكِّ)، على بيان الحكم الواقعي، ولكن تطبيق العمل بالاستصحاب على المورد كان للتقيَّة، فالتقيَّة تكون في التطبيق فقط.

ولكنَّ هذا أيضاً خلاف الظَّاهر، مضافاً إلى أنَّه ينافي ما في صدر الرِّواية من الظُّهور في لزوم الفَصْل في الشَّكّ بين الإثنتين والأربع، فيكون هذا على خلاف مذهب العامَّة.

وعليه، فيتعيَّن حَمْل اليقين في الحسنة على اليقين بالبراءة، والإتيان بالوظيفة المقرَّرة في الشَّريعة للشَّكّ في عدد الرَّكعات، هذا حاصل ما ذكره رحمه الله مع توضيح منا.

وقد أجبنا عن هذا الكلام بالتفصيل، وتكلَّمنا عن هذه الحسنة كثيراً، وبعد أَخْذٍ ورد قلنا: إنَّه يصحُّ الاستدلال بهذه الحسنة على حجيَّة الاستصحاب، بلا حاجة للحَمْل على التقيَّة؛ لأنَّ الاستصحاب لا يقتضي الإتيان بالرَّكعة موصولةً، فراجع ما ذكرناه بالتفصيل؛ لأنَّ إعادته هنا توجب التطويل.

والخلاصة: أنَّ هذه الحسنة لا تنافي ما تقدَّم.

____________

(1) الوسائل باب8 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1و3.

(2)و(3)و(4)و(5) الوسائل باب10 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1و5و6و2.

(6) صدرها في باب الحادي عشر من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح3، وذيلها في الباب العاشر منه ح3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo