< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(34)

ومثل موثَّقة إسحاق بن عمار رواية العلاء المروية في قرب الإسناد (قال: قلتُ لأبي عبدالله (عليه السَّلام): رجل صلَّى ركعتين وشكَّ في الثالثة؟ قال: يبني على اليقين، فإذا فرغ تشهّد، وقام قائماً فصلّى ركعة بفاتحة القرآن)(1)، فإنَّ صدرها، وإن كان ظاهراً في كون المراد باليقين هو البناء على الأقلِّ، إلَّا أنَّ ذيلها -وهو الأمر بصلاة ركعة قائماً بعد الفراغ من الصَّلاة- يكون قرينةً على كون البناء على اليقين بمعنى البناء على الأكثر؛ ضرورة عدم وجوب ركعة بعد الصَّلاة تعبُّداً على تقدير البناء على الأقلِّ.

وبالجملة، فإنَّه لو أريد باليقين البناء على الأقلِّ لم يكن وجه لصلاة الرِّكعة.

مضافاً لكون الرِّواية ضعيفة السَّند بمحمَّد بن خالد الطَّيالسي، فإنَّه غير موثَّقة.

ووجوده في كامل الزيارات لا ينفع؛ لِعدم كونه من المشايخ المباشرين.

ثمَّ إنَّه لو فرضنا كون موثَّقة إسحاق دالَّة على البناء على الأقلِّ، وكذا رواية العلاء، إلَّا أنَّهما تحملان على التقيَّة، كما لا يخفى.

وأما القول المحكي عن والد الصَّدوق رحمه الله -من التخيير، وإيجاب التشهُّد لدى اختيار الأقلِّ مع كلِّ ركعة- فبناءً على صحَّة النسبة فلا مستند له سوى ما في الفِقه الرَّضوي، وقد عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ كتاب الفِقه الرَّضوي هو فتاوي لابن بابويه رحمه الله، إلَّا ما كان بعنوان رُوي فتكون روايةً مرسلةً.

وأمَّا ما نسب إلى الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله -من القول بالبطلان في المقنع- فمع قطع النظر عن صحة النسبة، فقد يستدلُّ له بصحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ‌ رَجُلٍ لَمْ يَدْرِ رَكْعَتَيْنِ، صَلَّى أَمْ ثَلَاثاً؟ قَالَ: يُعِيدُ، قُلْتُ: أَلَيْسَ يُقَالُ: لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ فَقِيهٌ، فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ)(2)، وقد حملها جملة من الأعلام على الشَّكّ قبل إكمال السَّجدتين الذي يكون فيه الشَّك شكّاً في وجود الإثنين، ويكون مُبطِلاً للصَّلاة، كما عفت.

وعلى فرض عدم إمكان حملها على الشَّكّ قبل إكمال السجدتين، فلا بدَّ حينئذٍ من ردِّ علمها إلى أهلها، وهم (عليهم السَّلام) أدرى بها.

وذلك لمخالفتها للرِّوايات التي لا يبعد تواترها الدَّالة على عدم بطلان الصَّلاة بالشَّكّ في الأخيرتين، بل يجب البناء فيهما على الأكثر.

أضف إلى ذلك: أنَّ جميع الرِّوايات الدَّالة على عدم بطلان الصَّلاة بالشَّكّ في الأخيرتين لا تدلُّ على حَصْر الشَّكّ بين الثلاث والأربع، بينما صحيحة عبيد بن زرارة دالَّة على حَصْره بين الثلاث والأربع فقط، حيث قال عليه السلام : (إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ)!

والخلاصة في نهاية المطاف: أنَّ ما ذهب إليه معظم الأعلام -إنْ لم نقل كلُّهم من وجوب البناء على الأكثر مع صلاة الاحتياط- هو الصَّحيح الذي لا مفرَّ منه.

الأمر الثاني: المعروف بين الأعلام أنَّه يحتاط -بعد إتمام الصَّلاة- بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس مخيَّراً بينهما .

وفي الجواهر: (على المشهور نقلاً مستفيضاً وتحصيلاً، شهرةً كادت تبلغ الإجماع، بل حكى عليه ذلك في الخلاف وعن الانتصار والغنية، كما عن كشف الرموز هو فتوى الأصحاب لا أعرف فيه مخالفاً، بل في ظاهر النافع وعن صريح السرائر نسبته إلى الرِّواية).

وفي المقابل، حُكي عن الكاتب والمفيد والقاضي (رحمهم الله) تعيُّن الرَّكعة من قيام، كما أنَّ المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى حكى عن الجعفي وابن أبي عقيل أنَّهما لم يذكرا التخيير، بل اقتصرا على الرَّكعتين من جلوس.

قال فيها: (تنبيه:لم يذكر الجعفي وابن أبي عقيل التخيير، بل ذكرا الرَّكعتين من جلوس هنا، وفي الشَّكِّ بين الثلاث والأربع).

أقول: قدِ استدل لتعيُّن الرَّكعة من قيام ببعض الرِّوايات:

منها: حسنة رزارة المتقدِّمة(3).

وفيها: أنَّها مجملة، كما ذكرنا سابقاً.

ومنها: رواية العلاء المتقدِّمة.

وفيها: أنَّها، وإن كانت صريحة في ذلك، حيث قال فيها: (فإذا فرغ تشهّد، وقام قائماً فصلّى ركعة بفاتحة القرآن)(4)، إلَّا أنَّها ضعيفة كما عرفت بعدم وثاقة محمَّد خالد الطَّيالسي.

ومنها: موثَّقة عمار المتقدِّمة حيث ورد فيها: (فَإِذَا سَلَّمْتَ فَأَتِمَّ مَا ظَنَنْتَ أَنَّكَ قَدْ نَقَصْتَ)(5)، فإنَّها ظاهرة في تعيُّن القيام، وإن لم تكن صريحة؛ لأنَّ ما ظُنَّ نقصه إنَّما هو الرَّكعة من قيام، فإتمامها يكون كذلك، وهي مطلقة من حيث الشَّكّ بين الاثنتين والثلاث، وبين الثلاث والأربع، وهكذا.

ومنها: روايته الأخرى، وهي وإن كانت صريحة في القيام، حيث ورد فيها: (فَإِذَا فَرَغْتَ وَسَلَّمْتَ فَقُمْ فَصَلِّ مَا ظَنَنْتَ أَنَّكَ نَقَصْتَ)(6)، إلَّا أنَّها ضعيفة بجهالة موسى بن عيسى، وبموسى بن عمر، فإنَّه مشترك.

ثمَّ لا يخفى أنَّ الاستدلال بها على مسألتنا هذه إنَّما هو بالإطلاق، لأنَّها تشمل موارد الشَّكّ جميعاً.

وأمَّا القول بالتخيير، فقدِ استُدل له بعدم القول بالفَصْل بين هذه المسألة وبين المسألة الآتية، وهي الشَّكّ بين الثلاث والأربع، حيث إنَّه من المتَّفق عليه في تلك المسألة هو التخيير بين الرَّكعة من قيام والرَّكعتين من جلوس، فكذا هنا؛ لعدم القول بالفصل؛ إذ ظاهر كلمات الأعلام اتحاد الحكم في المسألتين.

والإنصاف: أنَّه إذا كان هناك تسالم بينهم على اتحاد الحكم في المسألتين، كما لا يبعد، إذ لم ينقل الخلاف صريحاً عن أحد من المتقدِّمين، وإلَّا فيتعيَّن القول: بالرَّكعة من قيام.

ومهما يكن، فإنَّ الأحوط وجوباً هو الاحتياط بركعة من قيام.

وأمَّا ما حُكي عن الجعفي وابن أبي عقيل (رحمهما الله) من تعيُّن الرَّكعتين من جلوس في هذه المسألة فلا مستند له أصلاً، والله العالم.

____________

(1) الوسائل باب9 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2.

(2) الوسائل باب9 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح3.

(3)و(4) الوسائل باب9 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1و2.

(5)و(6) الوسائل باب8 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1و3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo