< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/08/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(33)

والتقريب فيه: أنَّ من عادته في هذا الكتاب الإفتاء بمتون الأخبار.

ولهذا نقل جملة من الأصحاب القول بذلك عنه في الكتاب المذكور.

أقول: وإن كان من عادته الإفتاء في كتاب المقنع بمتون الأخبار إلَّا أنَّه من البعيد جدًّا أن يلتزم بذلك، لاسيَّما أنَّه وقد ذكر الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في كتاب الأمالي أنَّ البناء على الثلاث من دين الإماميَّة، كما أنَّ ظاهر كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه ذلك.

وبالجملة، فإنَّ كونه من عادته الإفتاء بمتون الأخبار في كتاب المقنع ليس بأظهر من قوله في مقدمة من لا يحضره الفقيه (وَلَمْ أَقْصِدْ فِيهِ قَصْدَ الْمُصَنِّفِينَ فِي إِيرَادِ جَمِيعِ مَا رَوَوْهُ، بَلْ قَصَدْتُ إِلَى إِيرَادِ مَا أُفْتِي بِهِ، وَأَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ وَأَعْتَقِدُ فِيهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ رَبِّي...)، ومع ذلك فهناك ما يقرب من سبعة موارد ذكر رواياتها في الفقيه ولم يلتزم بمضمونها، ولم يفتِ على طبقها، والله العالم.

ومنها: ما حكي عن والد الصَّدوق (رحمه الله) من أنَّه قال: (وإنْ ذهب وهمُك إلى الثالثة فأضف إليها رابعةً، فإذا سلَّمت صلَّيت ركعةً بالحمد وحدها، وإنْ ذهب وهمُك إلى الأقلِّ فابنِ عليه، وتشهد في كلِّ ركعة، ثمَّ اسجد سجدتين بعد التسليم، فإنِ اعتدل وهمُك فأنت بالخيار: إنْ شئت بنيت على الأقلِّ، وتشهدت في كلِّ ركعة؛ وإنْ شئت بنيت على الأكثر، وعملت على ما وصفناه).

ولا يخفى ما في هذه النسبة أيضاً من الوهن؛ إذ كيف ينسب إليه ذلك، وقد قال الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الأمالي: (إنَّ البناء على الثلاث من دين الإماميَّة)، وهل يخفى عليه مذهب والده مع أنَّه من رؤساء الإماميَّة، لا سيما عنده؟!

ومهما يكن، فما ذهب إليه معظم الأعلام من البناء على الثلاث هو الصَّحيح.

وقد يستدل لهم ببعض الأدلَّة:

منها: الإجماع المدَّعى من بعض الأعلام.

أقول: لا يبعد حصول التسالم بينهم؛ إذ من نسِب إليه الخلاف قد عرفت ما فيه .

ومنها: الأخبار، وقد حُكي عن الحسن بن أبي عقيل (رحمه الله) دعوى تواتر الأخبار به.

ولكن قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (وأمَّا الشَّكّ بين الاثنتين و الثلاث فأجراه معظم الأصحاب مجرى الشَّكّ بين الثلاث والأربع، ولم نقف فيه على رواية صريحة، نقل فيه ابن أبي عقيل تواتر الاخبار).

أقول: قدِ استدلَّ بجملة من الرِّوايات:

منها: موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( أنَّه قَالَ لَهُ: يَا عَمَّارُ! أَجْمَعُ لَكَ السَّهْوَ كُلَّهُ فِي كَلِمَتَيْنِ: مَتَى مَا شَكَكْتَ فَخُذْ بِالْأَكْثَرِ، فَإِذَا سَلَّمْتَ فَأَتِمَّ مَا ظَنَنْتَ أَنَّكَ قَدْ نَقَصْتَ‌)(1).

ومنها: رواية عمَّار الثانية (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنَ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ شَيْئاً إِذَا فَعَلْتَهُ، ثُمَّ ذَكَرْتَ أَنَّكَ أَتْمَمْتَ أَوْ نَقَصْتَ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْ‌ءٌ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: إِذَا سَهَوْتَ فَابْنِ عَلَى الْأَكْثَرِ، فَإِذَا فَرَغْتَ وَسَلَّمْتَ فَقُمْ فَصَلِّ مَا ظَنَنْتَ أَنَّكَ نَقَصْتَ، فَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَتْمَمْتَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ شَيْ‌ءٌ، وَإِنْ ذَكَرْتَ أَنَّكَ كُنْتَ نَقَصْتَ كَانَ مَا صَلَّيْتَ تَمَامَ مَا نَقَصْتَ)(2)، وهي ضعيفة بجهالة موسى بن عمر، فإنَّه مشترك، وبجهالة موسى بن عيسى.

ثمَّ إنَّ موثَّقة عمَّار، وكذا روايته، وإن كانتا مطلقتَيْن، بحيث تشملان الأوليَيْن، إلَّا أنَّه لا بدَّ من تقييدهما بما عدا الأوليَيْن، جمعاً بينهما وبين الرِّوايات الكثيرة المتقدِّمة الدَّالة على أنَّه لا سهو في الأوليَيْن، وإنَّما السَّهو في الأخيرتَيْن، كما أنَّه لا بدَّ من تخصيصهما بالفريضة الرُّباعيَّة، دون الثلاثيَّة والثنائيَّة، لِما عرفت.

وأمَّا حسنة زرارة المتقدِّمة عن أحدهما (عليه السلام) -في حديث- (قَالَ: قُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ لَا يَدْرِي أَوَاحِدَةً صَلَّى أَمِ اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: يُعِيدُ، قُلْتُ: رَجُلٌ لَمْ يَدْرِ اثْنَتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلَاثاً؟ قَالَ: إِنْ دَخَلَهُ الشَّكُّ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الثَّالِثَةِ مَضَى فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ صَلَّى الْأُخْرَى، وَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ، ويُسَلِّمُ)(3)، فقد ذكرنا سابقاً عند الكلام عن تحقُّق الرَّكعتين بإكمال السَّجدتين أو بالرَّفع من السَّجدة الثانية- أنَّها مجملة؛ لأنَّ قوله (عليه السلام) (إنْ دخل الشَّكّ بعد دخوله في الثانية ...)، إنْ أُرِيد به الثالثة المحتمل فهو حاصل؛ بمقتضى فرض الترديد بين الثِّنتين والثلاث المذكور في السُّؤال، فيكون حكمه البطلان إذا كان قبل الإكمال، فكيف حكم (عليه السلام) بالصحة؟!

وإنْ أُريد بها الثالثة اليقينيَّة، أي الدُّخول في ركعة أخرى معها يقطع بتحقُّق الثلاث، فينقلب الشَّكُّ حينئذٍ إلى الثلاث والأربع، ويخرج عمَّا افترضه السَّائل من الشَّكّ بين الثِّنتين والثلاث.

أضف إلى ذلك: أنَّ حُكْم الشَّكّ بين الثلاث والأربع هو البناء على الأكثر، والإتيان بركعة مفصولة لا موصولة، كما هو ظاهر الحسنة.

والخلاصة: أنَّ هذه الحسنة مجملة، لا يصحّ الاستدلال بها، والله العالم.

وأمَّا القول بالبناء على الأقلِّ -على فرض وجود القول به- فقد يستدلُّ له بموثَّقة إسحاق بن عمار (قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: إذا شككت فابنِ على اليقين، قال: قلت: هذا أصل، قال: نعم)(4)، حيث إنَّ المتبادر منها هو البناء على الأقلِّ.

وفيه: أنَّ من المحتمل أنْ يكون المراد منها هو البناء على كون المشكوك متيقناً، أي إلغاء الشَّكّ والبناء على الأكثر؛ لأنَّ اليقين بصحَّة الصَّلاة يحصل بالبناء على الأكثر، بل لا يحصل بالأقلِّ؛ لما فيه من احتمال زيادة الرَّكعة المبطلة للصَّلاة سهواً وعمداً، بخلاف الأوَّل؛ إذ ليس فيه سوى كون التسليم في غير محلِّه الذي هو غير قادح؛ لجريانه مجرى السَّهو.

_______________

(1)و(2) الوسائل باب8 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1و3.

(3) الوسائل باب9 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

(4) الوسائل باب8 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo