< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(32)

الصُّورة الرابعة: فيما إذا لم يدرِ كم صلَّى، ولا إشكال بين الأعلام في وجوب الإعادة عليه من رأس.

ويدل عليه: ما تقدَّم من الأدلَّة السَّابقة على البطلان في الصُّورة الأولى؛ إذ هي من بعض أفرادها في الواقع ؛ لأنَّه لم يدرِ أيضاً واحدةً صلى أو ثنتين.

ويدلُّ عليه -مضافاً لما تقدم-: جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة صفوان عن أبي الحسن عليه السلام (قَالَ: إِنْ كُنْتَ لَاتَدْرِي كَمْ صَلَّيْتَ ، وَلَمْ يَقَعْ وَهْمُكَ عَلى شَيْ‌ءٍ ، فَأَعِدِ الصَّلَاةَ)(1)، خرج من تحت إطلاقها الشُّكوك الصَّحيحة، ويبقى الباقي.

ومنها: حسنة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ: إِذَا شَكَكْتَ، فَلَمْ تَدْرِ أَفِي ثَلَاثٍ أَنْتَ، أَمْ فِي اثْنَتَيْنِ، أَمْ فِي وَاحِدَةٍ، أَمْ فِي أَرْبَعٍ، فَأَعِدْ، وَلَا تَمْضِ عَلَى الشَّكِّ)(2).

ومنها: حسنة زرارة وأبي بصير جميعاً (قَالَا:

قُلْنَا لَهُ : الرَّجُلُ يَشُكُّ كَثِيراً فِي صَلَاتِهِ حَتّى لَايَدْرِيَ كَمْ صَلّى، وَلَامَا بَقِيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: يُعِيدُ)(3).

ومنها: رواية علي بن النُّعمان الرَّازي عن أبي عبد الله عليه السلام -في حديث- (إِنَّمَا يُعِيدُ مَنْ لَا يَدْرِي مَا صَلَّى)(4)، وهي ضعيفة بعدم وثاقة عليّ بن النُّعمان الرَّازي.

ومنها: صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَقُومُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَدْرِي صَلَّى شَيْئاً أَمْ لَا؟ قَالَ: يَسْتَقْبِلُ)(5)، وهي وإن كانت ضعيفة في كتاب الإسناد بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل إلَّا أنَّها صحيحة بطريق الشَّيخ في التهذيب.

وحُكي عن عليِّ بن بابويه، أنَّه قال: (فإنْ شككت فلم تدرِ واحدةً صلَّيت أم اثنتين، أم ثلاثاً أم أربعاً، صلَّيت ركعةً من قيام وركعتين من جلوس).

وقد يستدلُّ له: بصحيحة عليِّ بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنِ الرَّجُلِ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أَمْ ثَلَاثاً؟ قَالَ: يَبْنِي عَلَى الْجَزْمِ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَيَتَشَهَّدُ فِيْهِمَا خَفِيفاً)(6)، بحمل (الجزم) على إرادة البناء على الأكثر، وصلاة الاحتياط.

ولكنَّ الظَّاهر من الصَّحيحة هو البناء على الأقلِّ، وسجود السَّهو، كما هو مذهب العامَّة.

وتأوَّلها الشَّيخ رحمه الله في الاستبصار، بأنَّ المراد بـ (الجزم) استئناف الصَّلاة، وحَمَل الأمر بالسُّجود على الاستحباب.

وفيه: ما لا يخفى؛ إذ لا وجه للجمع بين إعادة الصَّلاة وسجدتي السَّهو وجوباً، ولا استحباباً، ونحو صحيحة ابن يقطين حسنة سهل بن اليسع عن الرِّضا عليه السلام في ذلك: (أَنَّهُ قَالَ:‌ يَبْنِي عَلَى يَقِينِهِ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَيَتَشَهَّدُ تَشَهُّداً خَفِيفاً)(7).

والإنصاف: أنَّ هاتين الرِّوايتين تُحْملان على التقيَّة؛ لموافقتهما لمذهب العامَّة.

وقد يجاب عنهما أيضاً: بما تقدَّم في الشَّكّ في الأولتَيْن.

والخلاصة: أنَّ هذه الصُّورة من الواضحات.

 

قوله: (ولو شكّ في الرُّباعيَّة بين الاثنتين والثلاث بنى على الثلاث، وأتمَّها واحتاط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً، وقال عليِّ بن بابويه: إنْ توهم الأكثر بنى عليه، واحتاط بركعة بعد التسليم، وإن توهَّم الأقلَّ بنى عليه، وتشهَّد في كلِّ ركعة، وسجد للسَّهو وإنِ اعتدل تخيَّر بين الأمرَيْن).

يقع الكلام في أمرَيْن:

الأوَّل: فيما إذا شكَّ بين الاثنتين والثلاث في الرُّباعية بعد إحراز الثنتين.

الثاني: بعد البناء على الأكثر وإتمام الصَّلاة، فهل الاحتياط يكون بركعة من قيام، أو هو مخيَّر بين الرَّكعة من قيام أو ركعتين من جلوس؟

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّه يبني على الثلاث، ويتمّ، ثمَّ يأتي بصلاة الاحتياط.

وفي المدارك: (هذا هو المشهور بين الأصحاب ...)، وفي الجواهر: (على المشهور نقلاً وتحصيلاً، شهرةً كادت تكون إجماعاً، بل هي كذلك في الخلاف والانتصار والغنية، وعن ظاهر السَّرائر ومجمع البرهان، بل عن الصَّدوق في الأمالي أنَّه من دين الإماميَّة، كما عن الحسن دعوى تواتر الأخبار به...).

وفي الحدائق : (فالأشهر الأظهر أنَّه يبني على الثلاث، ويتمّ، ثمَّ يأتي بصلاة الاحتياط...).

أقول: وفي مقابل قول المشهور بعض الأقوال نسبت إلى بعض الأعلام:

منها: البناء على الأقلِّ، نُقِل ذلك عن السَّيد المرتضى رحمه الله في المسائل الناصريَّة، حيث قال: مَنْ شكَّ في الأولتَيْن استأنف، ومَنْ شكَّ في الأخيرتين بنى على اليقين، وفي الانتصار وافق المشهور.

أقول: يظهر من كلمات السَّيد المرتضى رحمه الله عدم المخالفة للمشهور في المسائل الناصريَّة أيضاً، حيث قال فيها بعد قول الناصر -وهو جدُّه-: (مَنْ شكَّ في الأُوليَيْن استأنف، ومَنْ شكَّ في الأخيرتَيْن بنى على اليقين)، ما نصُّه: (هذا مذهبنا، والصَّحيح عندنا وباقي الفقهاء يخالفوننا -إلى أن قال:- والدَّليل على صحَّة ما ذهبنا إليه الإجماع...).

وعليه، فمراده من البناء على اليقين، أي البناء على الأكثر، كما هو المشهور؛ لأنَّ اليقين بصحَّة الصَّلاة يحصل بالبناء على الأكثر، بل لا يحصل اليقين بالبناء على الأقلِّ لما فيه من احتمال زيادة الرَّكعة المبطلة للصَّلاة سهواً وعمداً، بخلاف البناء على الأكثر؛ إذ ليس فيه سوى كون التسليم في غير محلِّه الذي هو غير قادح؛ لجريانه مجرى السَّهو.

وممَّا يؤكِّد أنَّ مراده ما ذكرناه: قوله: (وباقي الفقهاء يخالفوننا في ذلك)، إذِ المنقول عنهم البناء على الأقلِّ، فلو كان مراده باليقين ذلك لم يتَّجه نَقْل الخلاف عنهم.

والخلاصة: أنَّ السَّيِّد المرتضى رحمه الله غير مخالف للمشهور في المسائل الناصريَّة.

ومنها: ما حُكِي عن الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله من تجويزه البناء على الأقلِّ، ولكنَّ صاحب الحدائق رحمه الله نفى عنه هذه النسبة، وأنَّه لم يصرِّح بما يخالف المشهور.

ومنها: ما نُسِب إلى الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله أيضاً في كتاب المقنع من القول بالإبطال، حتَّى عرضه له هذا الشَّكّ ، حيث قال: (وسئل الصّادق (عليه‌السَّلام) عمّن لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال: يعيد الصّلاة، قيل: وأين ما روي عن رسول اللّه |(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): الفقيه لا يعيد الصّلاة؟! قال: إنّما ذلك في الثلاث والأربع).

___________________

(1)و(2)و(3)و(5) الوسائل باب15 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1و2و3و4و5.

(6) الوسائل باب15 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح6.

(7) الوسائل باب13 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo