< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(31)

ثمَّ إنَّه، قدِ استُدلّ للقول المشهور: بأنَّ إكمال الرَّكعتين يكون برفع الرَّأس من السَّجدة الثانية بحسنة زرارة عن أحدهما عليه السلام -في حديث - (قَالَ: قُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ لَا يَدْرِي أَوَاحِدَةً صَلَّى أَمِ اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: يُعِيدُ، قُلْتُ: رَجُلٌ لَمْ يَدْرِ اثْنَتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلَاثاً؟ قَالَ: إِنْ دَخَلَهُ الشَّكُّ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الثَّالِثَةِ مَضَى فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ صَلَّى الْأُخْرَى، وَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ، وَيُسَلِّمُ)(1)، فإنَّ مفهومهما إنْ دخل الشَّكّ قبل دخوله في الثالثة لم يمضِ، فتكون ظاهرةً في توقِّف الصّحَّة على الدُّخول في الثالثة فضلاً عن الفراغ من الأوليَيْن.

ولكن لمَّا كان الدُّخول في الحقيقيّ في الثالثة المتحقِّق بالقيام غير مراد قطعاً، كان المراد من الدُّخول في الثالثة الدُّخول المجازي، أي الدُّخول في المقدِّمات التي منها رفع الرَّأس من السَّجدة الثانية.

وعليه، فيكون المراد من الدُّخول في الثالثة كناية عن رفع الرَّأس.

وعليه، فيكون المفهوم أنَّه قبل رفع الرَّأس يكون الشَّكّ مبطلاً للصَّلاة.

لا يقال: إنَّ الشَّرط هنا لا مفهوم له؛ لأنَّ القضية مسوقة لتحقُّق الموضوع، كما عن السَّيد الخوئي رحمه الله، حيث ذكر أنَّ انتفاء الحكم لدى انتفاء الشَّكّ من السَّالبة بانتفاء الموضوع، فهو نظير قول: إنْ ركب الأمر فخذ ركابه...).

وفيه: أنَّ الشَّرط ليس مسوقاً لتحقُّق الموضوع؛ إذ الشَّرط هو بعد دخوله في الثالثة، والموضوع هو دخول الشَّكّ، أي إنَّ الشَّكّ إن كان بعد الدُّخول في الثالثة مضى في صلاته، وإن كان قبل دخوله بها لم يمضِ.

نعم، الذي يرد على الحسنة: هو ما ذكره رحمه الله من أنَّها غير خالية عن شائبة الإجمال؛ لأنَّ قوله عليه السلام: (إنْ دخل الشَّكّ بعد دخوله في الثالثة)، إنْ أُرِيد به الثالثة المحتملة فهو حاصل بمقتضى فرض الترديد بين الثِّنتَيْن والثلاث المذكور في السُّؤال، فيكون حكمه البطلان إذا كان قبل الإكمال، فكيف حكم عليه السلام بالصّحَّة؟!

وإنْ أريد بها الثالثة اليقينية -أي الدُّخول في ركعة أخرى- يقطع معها بتحقُّق الثلاث، فينقلب الشَّكّ حينئذٍ إلى الثلاث والأربع، ويخرج عمَّا افترضه السَّائل من الشَّكّ بين الثنتين والثلاث.

أضف إلى ذلك: أنَّ حكم الشَّكّ بين الثلاث والأربع هو البناء على الأكثر، والإتيان بركعة مفصولة لا موصولة، كما هو ظاهر الحسنة.

والخلاصة: أنَّ الحسنة مجملة لا يصحُّ الاستدلال بها، والله العالم.

القول الثاني: هو أنَّ إكمال السَّجدتين يتحقَّق بإتمام الذِّكر الواجب من السَّجدة الثانية، ذهب إليه الشَّهيد الثاني رحمه الله في جملة من كتبه.

ربما نسب إلى الماتن رحمه الله في الذِّكرى، ولكن عبارته ليس صريحةً في ذلك.

ومال إليه أيضاً المحقِّق الثاني رحمه الله في فوائد الشَّرائع، وذهب إليه أيضاً السيد الحكيم، والسيد الخوئي (عليهم الرَّحمة جميعاً)؛ وهو الإنصاف، وقدِ اتَّضح دليله بما ذكرناه في الردِّ على القول المشهور.

القول الثالث: كفاية الدُّخول في الرُّكوع، وبذلك يتحقَّق إكمال الرِّكعتين، وحكاه المصنِّف في الذِّكرى عن بعض الأعلام، حيث قال: (وربَّما اكتفى بعضهم بالرُّكوع لِصدق مسمَّى الرَّكعة)، وحكاه في المصابيح عن السَّيد ابن طاووس رحمه الله في البشرى، والمحقِّق رحمه الله في الفتاوى البغداديَّة.

وقد يستدلُّ لذلك: بأنَّ الركعة واحدة الرُّكوع، ولحصول معظم الأجزاء بالرُّكوع، فيجتزئ به تنزيلاً للأكثر منزلة الجميع.

وقد يستدلُّ أيضاً: بما ورد في صلاة الآيات أنَّها عشر ركعات، والمراد عشر ركوعات.

وفيه: أنَّ كون الرِّكعة واحدةَ الرُّكوع لا يمنع من كونها حقيقةً متشرعيَّةً فيما يشمل السَّجدتين.

وحصول معظم الأجزاء به لا يكفي في الاجتزاء به عن الرَّكعة؛ إذ لا يوجد ما يدلُّ على تنزيل الأكثر منزلة الجميع، والإطلاق في صلاة الآيات، أعمّ من الحقيقة.

أضف إلى ذلك: أنَّه لا مجال للشَّكّ في أنَّه لم يقصد من الرَّكعة في صحيحة زرارة المتقدِّمة الواردة في أنَّ الصَّلاة التي فرضها الله تعالى في أصل الشرَّع عشر ركعات ليس فيهنَّ وهم، خصوص الرُّكوع، بل مجموع الرَّكعة، وهكذا المتبادر من الرِّوايات الواردة في باب الشُّكوك، فإنَّ المتبادر عرفاً من إطلاق الرَّكعة هو مجموع الأفعال مع السَّجدتين والذِّكر الواجب.

القول الرَّابع: الاكتفاء بوضع الجبهة في السَّجدة الثانية، وإن لم يتشاغل بالذِّكر، كما مال إليه المصنِّف في ظاهر الذِّكرى، لكمال الرَّكعة بمسمَّى هذه السَّجدة؛ إذِ الذِّكر ليس من مقوِّمات ماهية السُّجود.

وفيه: أنَّ الرَّكعة المعتبرة شرعاً إنَّما تتمُّ بالذِّكر الواجب الذي هو معتبر في السُّجود، وعدم بطلان لأصالة بالإخلال به سهواً لا يوجب تمامية الرَّكعة بدونه، وإلَّا لحصل بمسمَّى السَّجدة الأُولى؛ لِعدم بطلان الصَّلاة بنسيان السَّجدة الواحدة، كما هو المشهور بين الأعلام.

القول الخامس: ما حكي عن مجمع الفائدة والبرهان من الاكتفاء بمسمَّى السَّجدة الأولى؛ لِعدم بطلان الصَّلاة بنسيان السَّجدة الواحدة؛ وقد ظهر ضعفه بما تقدَّم في القول الرابع.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ القول الثاني -وهو أنَّ إكمال الرَّكعتين يتحقَّق بإكمال الذِّكر في السَّجدة الثانية، وإن لم يرفع رأسه منها- هو الصَّحيح، والله العالم.

________________

(1) الوسائل باب9 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo