< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(30)

وعليه، فالمسألة ممَّا وقع عليها التسالم بين جميع الأعلام، وكفى به دليلاً.

ومع ذلك، يدلُّ على ما ذهب إليه الأعلام جملة من الرِّوايات المستفيضة جدًّا:

منها: رواية الفضل بن عبد الملك أبو العبَّاس البقباق (قَالَ: قَالَ لِي: ‌إِذَا لَمْ تَحْفَظِ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ فَأَعِدْ صَلَاتَكَ‌).

وقد عبَّر عنها بعض الأعلام بالصَّحيحة، ولكنَّها مضمرة، ولم تطمئنَّ النَّفس أنَّ الضَّمير راجع إلى المعصوم عليه السلام.

ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ:إِذَا سَهَوْتَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ فَأَعِدْهُمَا حَتَّى تُثْبِتَهُمَا)(1).

ومنها: موثَّقة سماعة (قَالَ: قَالَ: إِذَا سَهَا الرَّجُلُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ‌ الْأَوَّلَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَمْ ثِنْتَيْنِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ)(2)، ومضمرات سماعة مقبولة، كما عرفت سابقًا.

ومنها: صحيحة رفاعة (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ لَا يَدْرِي أَرَكْعَةً صَلَّى أَمْ ثِنْتَيْنِ؟ قَالَ: يُعِيدُ)(3).

ومنها: حسنة الحسن بن عليٍّ الوشَّاء ( قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام:‌ الْإِعَادَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ، وَالسَّهْوُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ)(4).

ومنها: رواية عنبسة بن مصعب (قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: ‌إِذَا شَكَكْتَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ فَأَعِدْ)(5)، وهي ضعيفة بعدم وثاقة عنبسة بن مصعب، ووجوده في كامل الزِّيارات لا يفيد؛ لِعدم كونه من مشايخه المباشرين.

ومنها: حسنة زرارة عن أحدهما عليه السلام ( قَالَ: قُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ لَا يَدْرِي أَوَاحِدَةً صَلَّى أَمْ ثِنْتَيْنِ؟ قَالَ: يُعِيدُ...)(6)؛ وكذا غيرها.

وقد وردت في مقابل هذه الرِّوايات جملة من الرِّوايات دالَّة على البناء على الأقلِّ، وعدم بطلان الصَّلاة بالشَّك في عدد الأولتَيْن:

منها: حسنة الحسين بن أبي العلاء (قال: سألت أبا عبد الله ’ عن الرَّجُلِ لَا يَدْرِي رَكْعَتَيْنِ صَلَّى أَمْ وَاحِدَةً؟ قَالَ: يُتِمُّ عَلَى صَلَاتِهِ)(7).

ومنها: موثَّقة عبد الله بن أبي يعفور (قال: سألت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الرَّجُلِ لَا يَدْرِي أَ رَكْعَتَيْنِ صَلَّى أَمْ وَاحِدَةً؟ فَقَالَ: يُتِمُّ بِرَكْعَةٍ)(8).

ومنها: رواية عبد الرَّحمان بن الحجَّاج عن أبي إبراهيم عليه السلام (قَالَ: فِي الرَّجُلِ لَا يَدْرِي رَكْعَةً صَلَّى أَمِ اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: يَبْنِي عَلَى الرَّكْعَةِ)(9)، وهي ضعيفة لِعدم وثاقة السّندي بن الربيع.

ورواها الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في المقنع، إلَّا أنَّها ضعيفة بالإرسال.

ويجاب عن هذه الرِّوايات،

أوَّلاً: بأنَّها موافقة للعامَّة، فإنَّهم تسالموا على البناء على الأقلِّ في باب الشَّكّ في الرَّكعات مطلقاً، استناداً إلى الاستصحاب.

وثانياً: أنَّها مخالفة للسُّنة القطعيَّة، والخبر المخالِف للسُّنة القطعيَّة ليس بحجَّة.

وثالثاً: أنَّ جميع الأعلام أعرضوا عنها، وإعراض كلِّ المتقدِّمِين يوجب الوهن في الرِّواية.

بقي شيء في المقام، وهو أنَّ الشَّكّ قبل إكمال الرَّكعتين الأولتين مبطل، كما تقدَّم، إلَّا أنَّه اختلف الأعلام فيما يحصل به إكمال الركعتين كي يكون الشَّكّ الواقع بعد ذلك معتبراً.

والمتحصِّل من ملاحظة كلمات الأعلام أنَّ هناك خمسة وجوه، أو أقوال:

الأوَّل: ما هو المعروف بين الأعلام، من أنَّ إكمال الرَّكعتين يتحقَّق برفع الرَّأس من السَّجدة الأخيرة.

وقد يقال: إنَّ هذا المعروف في عرف المتشرِّعة أيضاً، إذِ المفهوم من إطلاقاتهم أنَّ الرَّكعة مجموع الأفعال إلى الرَّفع.

ولذا لو دعا أو أطال الذِّكر في السَّجدة الثانية من أيِّ ركعة، صدق عرفاً أنَّه دعا، وأطال في تلك الرَّكعة.

وقد يستدلُّ أيضاً: بأنَّ الأصل بقاء الرَّكعة حتَّى يثبت الانتقال منها والخروج عنها، ولم يثبت إلَّا بالرفع، فيكون الشَّكّ قبله مبطلاً.

وقدِ استُدلَّ أيضاً: بعموم الأمر بإعادة الصَّلاة بالشَّكِّ بين الثِّنتين والثلاث والأربع، بل بمطلق الشَّكّ المتعلِّق بالثِّنتين، خرج منه الشَّكّ بعد الرَّفع فيبقى غيرها.

وقد يستدل أيضاً: بأنَّ أجزاء الصَّلاة تختلف باعتبار الانتهاء والكمال، فالأقوال منها -كالقراءة والذِّكر والدُّعاء- تنتهى بنفسها، ولا يتوقَّف إكمالها على الدُّخول في غيرها، بخلاف الأفعال، فإنَّ الإكمال فيها لا يحصل إلَّا بالانتقال إلى فعل آخر، فالقائم قائم مالم يركع، والرَّاكع راكع ما لم يرفع، وكذا السَّاجد فإنَّ السُّجود فعل واحد ممتدّ لا يتحقَّق الفراغ منه إلَّا بالرَّفع.

نعم، يمتاز الرَّفع عن سائر الأفعال بعدم توقِّف إكماله على الدُّخول في غيره، لكونه من الأفعال المنقضية غير الباقية، فجاز من هذا الوجه دخوله في الرَّكعة انتهائها به.

والجواب عن كلِّ هذه الأمور: أنَّه لا إشكال في صدق مسمَّى الرَّكعة في عرف المتشرِّعة بإكمال الذِّكر الواجب؛ لأنَّ الرَّفع ليس جزءاً من السُّجود، ولا دَخْل له فيه، وإنَّما هو واجب مستقلّ أو مقدِّمة لواجب آخر، كالتشهُّد والقراءة.

ولا ينافي ما ذكرنا صدق تمام مسمَّى الرَّكعة بالرَّافع أيضاً؛ لاحتمال كون الرَّفع من مشخِّصات الفرد، لا المسمَّى من حيث التَّسمية.

وإنْ شئت فقل: إنَّه قبل رفع الرَّأس، وإن كان هو في الرَّكعة، ولم يخرج عنها، ولكن لا ينافي ذلك صدق تحقُّقها بإكمال الذِّكر الواجب.

وما دلَّ على بطلان الشَّكّ في الأولتين لا يشمل ما نحن فيه؛ لأنَّ المراد من البطلان في الشَّكّ فيهما هو الشَّكّ في وجودهما، في مقابل عدمهما، بحيث يحتمل عدمهما.

وهذا المعنى من الشَّكّ غير متحقِّق هنا لإحراز وجود الركعتين بتمام أجزائهما، وقد عرفت أنَّ رفع الرَّأس ليس جزءاً من السُّجود.

والخلاصة: أنَّه يظهر من الرِّوايات أنَّ المناط في الصّحَّة إحراز الأولتين وحفظهما، وهذا المعنى متحقِّق بإكمال الذِّكر الواجب في السَّجدة الثانية من الرَّكعة الثانية.

وعليه، فلو أطال الدُّعاء أو الذِّكر بعد الذِّكر الواجب، فإنَّه وإن لم يخرج من الرَّكعة إلَّا أنَّ مسمَّى الرَّكعة قد تحقَّق، كما عرفت.

_______________

(1)و(2)و(3)و(4)و(5)و(6) الوسائل باب1 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح15و17و12و10و14و6.

(7)و(8)و(9) الوسائل باب1 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح20و22و23.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo