< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(29)

ومنها: حسنة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قَالَ: قَالَ: إِذَا شَكَكْتَ فَلَمْ تَدْرِ أَفِي ثَلَاثٍ أَنْتَ، أَمْ فِي اثْنَتَيْنِ، أَمْ فِي وَاحِدَةٍ، أَمْ فِي أَرْبَعٍ؟ فَأَعِدْ، وَلَا تَمْضِ عَلَى الشَّكِّ)(1).

ويؤيِّد ما ذكرنا من عدم البطلان بمجرد حدوث الشَّكّ: هو حصول العسر والحرج غالباً فيما إذا اشترطنا حصول اليقين، أو الظَّنّ من أوَّل الصَّلاة إلى آخرها من دون حصول شكَّ أصلاً، وأنَّه لا بدَّ من الالتفات الذِّهن في جميع الوقت.

ثمَّ إنَّه بعد ما عرفت من عدم البطلان بمجرد حصول الشَّكّ، فهل يجب التروِّي -أي التأمُّل فيما في خزانة فِكْره لعلَّه يترجَّح له أحد الطَّرفَيْن- أم لا يجب أصلاً.

ذهب بعض الأعلام إلى الوجوب كالشَّهيد الثاني (رحمه الله) في المسالك، والأكثر على عدمه، وهو الأقوى، وذلك لإطلاق أدلَّة الإعادة؛ إذ لم تُقيَّد بالتروِّي، بل حاله حال باقي أفراد الشَّكّ في الرَّكعات والأفعال الذي لم يذكر أحد فيه وجوب التروِّي.

وأيضاً حاله حال الشَّكّ المأخوذ في موضوع الأصول العمليَّة، فإنَّه لا يراد به إلَّا مسمَّاه، فمتى حصل الشَّكّ فهو جاهل بالفعل حقيقةً، فيجري عليه، وإن لم يتروَّ.

ثمَّ إنَّه على القول بوجوب التروِّي، فهل يجب إلى أنْ يتحقَّق الفَصْل الطَّويل المخلُّ بالموالاة؟

والإنصاف: أنَّه لا يجب بهذا المقدار؛ لإطلاق الأدلَّة.

وعليه، فيتروَّى بمقدار يكتفي به النَّاس في مثل ذلك، وهو مسمَّاه.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ التروِّي غير واجب، وإن كان هو أحوط.

الصُّورة الثانية: المعروف بين الأعلام أنَّ الشَّكّ في عدد الرَّكعات في المغرب مُبطِل لها.

وفي الجواهر: (على المشهور شهرةً كادت تكون إجماعاً بل حكاه على المشهور شهرةً كادت تكون إجماعاً، بل حكاه عليه جماعة نصّاً وظاهراً، بل عن الأمالي أنَّه من دين الإماميَّة، وبذلك يظهر ما في نسبة الخلاف اليه أو إلى والده مع أنَّ المنقول عنه في المقنع أنَّه قال: إذا شككت في المغرب أعدت...).

أقول: صرَّح صاحب الحدائق (رحمه الله)، وغيره، بأنَّ ما نُقِل عن الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) من المخالفة، في غير محلِّه أصلاً.

ومهما يكن، سواء صحَّت النسبة، أم لم تصحَّ، فإنَّ جميع الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، ذهبوا إلى البطلان في الشَّكّ في عدد ركعات المغرب.

وقد ذكرنا جملةً من الرِّوايات عند الكلام عن الشَّكّ في عدد الثنائيَّة، كصحيحة حفص بن البختري، وغير واحد، كلُّهم عن أبي عبد الله (عليه السلام).

وحسنة محمَّد بن مسلم، وصحيحة العلاء، وموثَّقة سماعة، ومرسلة يونس.

وتدلُّ عليه أيضاً: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ السَّهْوِ فِي الْمَغْرِبِ، قَالَ: يُعِيدُ حَتَّى يَحْفَظَ، إِنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلَ الشَّفْعِ)(2)، والشَّفع: الزَّوج، أي ليست هي مثل الأربع ركعات.

ومنها: ما في الخصال عن عليٍّ (عليه السلام) -في حديث الأربعمائة- (قال: لا يكون السَّهو في خمسٍ: في الوَتْر، والجُمعة، والرَّكعتَيْن الأوَّلتَيْن من كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ، وفي الصُّبح، وفي المَغْرب)(3).

وقد عرفت أنَّ حديث الأربعمائة ضعيف بالقاسم بن يحيى، وجدِّه الحسن بن راشد، فإنَّهما غير موثَّقَيْن.

ومنها: رواية عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد عن محمَّد بن خالد الطَّيالسي عن العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سألته عن الرَّجل صلَّى الفجر، فلا يدري صلَّى ركعةً أو ركعتين، فقال: يعيد، فقال له بعض أصحابنا -وأنا حاضر-: والمغرب؟ فقال: والمغرب، فقلت له أنا: والوتر؟ قال: نعم والوتر والجمعة)(4)، وهي ضعيفة بعدم وثاقة محمَّد بن خالد الطَّيالسي.

وأمَّا ما في موثَّقة عمَّار السَّاباطي (قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): رَجُلٌ شَكَّ فِي الْمَغْرِبِ، فَلَمْ يَدْرِ رَكْعَتَيْنِ صَلَّى، أَمْ ثَلَاثَةً؟ قَالَ: يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ، فَيُضِيفُ إِلَيْهَا رَكْعَةً، ثُمَّ قَالَ: هَذَا وَاللَّهِ مِمَّا لَا يُقْضَى أَبَداً)(5)، وكذا موثَّقته الأخرى(6) التي ذكرناها في الصُّورة الأولى، فقد أجبنا عنهما هناك، فراجع، ولسنا بحاجة للإعادة.

ثمَّ إنَّه بقي شيء، وهو أنَّه يظهر من حديث الأربعمائة، ورواية قرب الإسناد، وصحيحة العلاء المتقدِّمة(7) في الصُّورة الأولى، أنَّ الشَّكّ في الوتر يوجب البطلان، مع أنَّ المعروف بين الأعلام قاطبةً هو التخيير في النافلة بين البناء على الأقل والأكثر، إذا لم يستلزم البناء على الأكثر الفساد، وإلَّا بني على الأقلِّ.

وقد يقال: لا بأس بتخصيص عموم الحكم في النافلة بهذه الرِّوايات، أي: لا بطلان في الشَّكّ في النافلة إلَّا في الوتر.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا يُوجِب البطلان حتَّى في الوتر، للتسالم بين الأعلام، وبجملة من الرِّوايات الدَّالة على عدم البطلان في السَّهو في النافلة.

وأمَّا الرِّوايات الثلاث المتقدِّمة، فرواية قرب الإسناد ضعيفة، وكذا حديث الأربعمائة، كما عرفت، وتبقى صحيحة العلاء، فيؤوَّل الوتر فيها بما يناسب المقام، أو يردُّ علم ذلك إلى أهله، والله العالم.

الصُّورة الثالثة: فيما إذا شكَّ في الرَّكعتين الأوَّلتين من الرُّباعية، أو شكَّ بين الإثنتين والثلاث قبل إكمال الرَّكعتين.

المعروف بين الأعلام أنَّه يُعِيد، وفي الجواهر -فيما إذا كان الشَّكّ في الأوَّلتين-: (على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، شهرةً كادت تكون إجماعاً، بل حكاه عليه في الانتصار والخلاف والغنية والسَّرائر، وعن الناصرية، وإرشاد الجعفريَّة، ومن رواه عن البشرى، بل حكي أيضاً عن ظاهر التذكرة والمعتبر، بل لم أعرف أحداً نسب الخلاف فيه إلى أحد منَّا قبل المنتهى، فحكى الإجماع‌ عليه، ممَّنْ عدا أبي جعفر محمَّد بن بابوَيْه، فخيَّر بين الإعادة والبناء على الأقلّ...).

وفي الحدائق أنكر هذه النسبة، وادَّعى موافقة الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) للمشهور.

وعليه، فالمسألة ممَّا وقع عليها التسالم بين جميع الأعلام، وكفى به دليلاً.

ومع ذلك، يدلُّ على ما ذهب إليه الأعلام جملة من الرِّوايات المستفيضة جدًّا:

منها: رواية الفضل بن عبد الملك أبو العبَّاس البقباق (قَالَ: قَالَ لِي: ‌إِذَا لَمْ تَحْفَظِ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ فَأَعِدْ صَلَاتَكَ‌)(8).

________________

(1) الوسائل باب15 من أبواب الخلل في الصَّلاة ح2.

(2)و(3) الوسائل باب2 من أبواب الخلل في الصَّلاة ح4و14.

(4) الوسائل باب2 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح15.

(5)و(6) الوسائل باب2 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح11و12.

(7) الوسائل باب2 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح7.

(8) الوسائل باب1 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح13.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo