< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(28)

ويفهم أيضاً من إطلاق السَّهو في الجمعة في الموثَّقة المتقدِّمة: (والجمعة أيضاً إذا سها فيها الإمام)، عدم اختصاص السَّهو بالشَّكّ بين الواحدة والإثنتين، بل يشمل مطلق الشَّكّ المتعلَّق بعدد الرَّكعات، ولو بين كونها اثنتين أو ثلاثاً، فما زاد.

اللَّهمَّ إلَّا أن يقال: إنَّ ذِكْر الغداة في الموثَّقة، والمصرَّح فيها بالشَّك بين الواحدة والاثنتين، يصلح للقرينيَّة، فيمنع من إطلاق السَّهو في الجمعة للزِّيادة والنقيصة. ولكن لو تمَّ هذا الإشكال فيمكن التمسُّك للشمول للزِّيادة والنقصان بصحيحة العلاء المتقدِّمة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألته عن الرَّجل يشك في الفجر ؟ قال: يعيد...)، فإنَّه يطلق من حيث الزِّيادة والنقيصة.

وكذا حسنة حفص المتقدِّمة (وإذا شككت في الفجر فأعد)، فإنَّه مطلق.

ومثلها: مرسلة يونس المتقدِّمة، وكذا غيرها من الرِّوايات التي لم نذكرها، وأُطلِق فيه الشَّكّ في الفجر.

وأمَّا ما في موثَّقة عمار السَّاباطي (قَالَ:سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَدْرِ صَلَّى الْفَجْرَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةً، قَالَ: يَتَشَهَّدُ وَيَنْصَرِفُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً، فَإِنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ هَذِهِ تَطَوُّعاً، وَ إِنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَةً كَانَتْ هَذِهِ تَمَامَ الصَّلَاةِ، قُلْتُ: فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، فَلَمْ يَدْرِ اثْنَتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلَاثَةً؟ قَالَ: يَتَشَهَّدُ وَيَنْصَرِفُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً، فَإِنْ كَانَ صَلَّى ثَلَاثاً كَانَتْ هَذِهِ تَطَوُّعاً، وَإِنْ كَانَ صَلَّى اثْنَتَيْنِ كَانَتْ هَذِهِ تَمَامَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا وَاللَّهِ مِمَّا لَا يُقْضَى أَبَداً)(1)، حيث يظهر منها البناء على الأكثر، والإتيان بركعة مفصولة، فتكون معارضةً للرِّوايات المتقدِّمة الدَّالَّة على البطلان بالشَّكِّ في الثنائيَّة والثلاثيَّة.

وأجاب الشَّيخ في التهذيب عن هذه الموثَّقة وموثقة أخرى له واردة في المغرب: بأنَّه يحتمل أن يكون المراد مَنْ شكَّ ثمَّ غلب على ظنِّه الأكثر، وتكون إضافة الرَّكعة على وجه الاستحباب.

وأجاب في الاستبصار: بأنَّهما شاذَّان مخالفان للأخبار كلِّها، فإنَّ الطَّائفة قدِ اجتمعت على ترك العمل بهما، ثمَّ احتمل حَمْلها على نافلتي الفجر والمغرب.

ويرد عليه، أنَّ هذا الحمل بعيد جدًّا، أُنظر إلى قوله عليه السلام : (فَإِنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ هَذِهِ تَطَوُّعاً، وَ إِنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَةً كَانَتْ هَذِهِ تَمَامَ الصَّلَاةِ)، فإنَّ هذا يدلُّ بوضوح على أنَّ المراد بها الفريضة، لا النافلة.

وقال الشَّيخ المجلسي رحمه الله في البحار بعد نقل رواية عمار: (وبالجملة، فيشكل التعويل على هذا الخبر الذي هو روايه عمَّار، الذي قلَّما يكون خبر من أخباره خالياً من تشويش واضطراب في اللفظ أو المعنى، وتَرْك الأخبار الكثيرة الصَّحيحة الدَّالة على البطلان؛ وإلَّا كان يمكن القول: بالتخيير...).

وقال صاحب الوافي رحمه الله: (ولو كان الرَّاوي غير عمَّار لحكمنا بذلك، إلَّا أنَّ عمَّاراً ممَّنْ لا يوثَّق بأخباره...).

وذكر صاحب الحدائق رحمه الله (أنَّ الحَمْل على التقيَّة غير بعيد -ثمَّ قال:- واستقربه في الوسائل، قال: لموافقتهما لجميع العامَّة، وهو جيِّد...).

أقول: لا يوجد في الحمل على التقيَّة شيء من الجودة، إذ لم ينسب القول بمضمون الموثَّقة -وهو البناء على الأكثر- إلى أحد من العامَّة، فإنَّهم ذهبوا إلى البناء على الأقلِّ، كما هو المنسوب إليهم في جميع الصَّلوات التي شُكَّ في ركعاتها.

وأمَّا القول: بأنَّ عمَّاراً ممَّنْ لا يوثَق بأخباره، إذ قلَّما تخلو أخباره من تشويش واضطراب في اللفظ أو المعنى.

ففيه: من المبالغة ما لا يخفى، فإنَّ بعض أخباره، وإن كان الأمر فيه كذلك، إلَّا أنَّ الأمر لم يصل إلى مرتبة سقوط جميع أخبار عن الاعتبار.

وهذا نظير ما قاله صاحب الحدائق رحمه الله عن أخبار الشَّيخ في التهذيب، حيث قال صاحب الحدائق رحمه الله: (لا يخفى على مَنْ راجع التهذيب، وتدبَّر أخباره، ما وقع للشَّيخ (رحمه الله) من التحريف والتصحيف في الأخبار سنداً ومتناً، و قلَّما يخلو حديث من أحاديثه من علَّة، في سند أو متن...).

وقد قلنا سابقاً: إنَّ هذا الكلام فيه من المبالغة ما لا يخفى على أحد، وإنَّ بعض أخبار الشَّيخ، وإن كانت مشتملةً على بعض الأخطاء، إلَّا أنَّ ذلك لا يوجب سقوط جميع أخباره عن الاعتبار.

والإنصاف: أنْ يُجاب عن موثَّقة عمَّار، وعن موثَّقته الأخرى الواردة في المغرب، والتي سيأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى- في الصُّورة الثانية، هو أنَّ جميع الأعلام أعرضوا عنهما، وإعراض المشهور وإن لم يوجب الوهن، إلَّا أنَّ إعراض كلِّ المتقدِّمِين يُوجِب الوهن.

أضف إلى ذلك، أنَّ هاتين الموثَّقتَيْن مخالفتان للسّنة القطعيَّة -لما عرفت أنَّ الرِّوايات تواترت في الدَّلالة على البطلان- وقد ذكرنا في مبحث حجيَّة خبر الواحد: أنَّه يشترط في حجِّيته أنْ لا يكون مخالِفاً للسُّنَّة القطعيَّة.

وأمَّا ما نقله المصنِّف رحمه الله هنا، وفي الذِّكرى، عن علي بن بابويه، فلا يوجد له دليل إلَّا الفِقه الرَّضوي، حيث إنَّ عبارته عين عبارة الفِقه الرَّضوي.

وقد عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ كتاب الفِقه الرَّضوي لم يثبت كونه رواية عن الإمام عليه السلام، بلِ الظَّاهر أنَّه فتاوى لعلِّي بن بابويه، إلَّا ما كان بعنوان: رُوي، فتكون روايةً مرسلةً.

ثمَّ إنَّه بقي شيء في المقام، وهو هل أنَّ الصَّلاة تبطل بنفس الشَّكّ من حيث هو، فيكون الشَّكّ كالحدث قاطعاً للصَّلاة، أم لا؟

وعلى فرض القول: بعدم البطلان بمجرد حدوث الشَّكّ من حيث هو، فهل يجب التروِّي ، أم لا؟

وعلى فرض وجوبه، فهل يكفي مسمَّاه، أم لا بدَّ من التروِّي إلى أنْ يتحقَّق الفصل الطَّويل؟

إذا عرفت ذلك، فنقول: المعروف بين الأعلام هو عدم بطلان الصَّلاة بمجرد حدوث الشَّكّ، من حيث هو، وأنَّه ليس كالحدث قاطعاً للصَّلاة، خلافاً للبعض، حيث ذهب إلى البطلان بمجرد حدوث الشَّكّ، ويكون حاله كحال الحدث.

حُكِي ذلك عن الفاضل الشيرواني رحمه الله، وقد يستدلُ له ببعض الرِّوايات:

منها: صحيحة حفص بن البختري، وغير واحد كلّهم عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ: إِذَا شَكَكْتَ فِي الْمَغْرِبِ فَأَعِدْ، وَإِذَا شَكَكْتَ فِي الْفَجْرِ فَأَعِدْ)(2)، فإنَّ ظاهرها البطلان بمجرد حصول الشَّكّ.

ومنها: حسنة زرارة عن أحدهما عليه السلام (قَالَ: قُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ لَا يَدْرِي أَوَاحِدَةً صَلَّى أَمْ ثِنْتَيْنِ؟ قَالَ: يُعِيدُ...)(3)، وهي ظاهرة في البطلان بمجرد حصول الشَّكّ.

ولكن الإنصاف: هو ما ذهب إليه الأعلام من عدم البطلان بمجرد حدوث الشَّكّ.

ومن هنا، لم يجعل أحد من الأعلام حدوث الشَّكّ من المبطلات في الصَّلاة على كل حال، بل يفهم من الرِّوايات أنَّ الممنوع هو الاستمرار والمضيّ على الشَّكّ، باعتبار أنَّ المطلوب تحصيل اليقين، أو الظَّنّ بالرَّكعتين.

وبعبارة أخرى، أن يكون حافظاً لهما، وهذا ينافيه مجرد وقوع الشَّكّ، وإن زال بعد ذلك.

وبالجملة، هناك عدَّة من الرِّوايات يفهم منها أنَّ المطلوب هو تحصيل اليقين، أو الظَّنّ بالرَّكعتين، وأنَّ الممنوع هو الاستمرار، والمضيّ على الشَّكّ.

ومنها: حسنة محمَّد بن مسلم (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه ‌السَّلام) عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي، وَلَايَدْرِي وَاحِدَةً صَلّى، أَمْ ثِنْتَيْنِ؟ قَالَ: يَسْتَقْبِلُ حَتّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ)(4).

________________

(1) الوسائل باب2 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح12.

(2) الوسائل باب2 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح5.

(3) الوسائل باب1 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح6.

(4) الوسائل باب1 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح7.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo