< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(27)

ويرد عليهم أوَّلاً: أنَّ ترك الاستفصال إنَّما هو لأنَّ السُّؤال عن السَّجدة دون غيرها، فلا يدلُّ على عدم وجوب تدارك غيرها.

وثانياً: أنَّ القول: بأنَّ الواجب هو الفصل بين السَّجدتَيْن، وقد حصل القيام، ففي غير محله؛ إذ يظهر من الأدلَّة أنَّ الفَصْل إنَّما هو بالجلوس، لا بأيِّ شيءٍ كان.

وثالثاً: أنَّ قولكم: إنَّ التدارك متعذِّر لِفوات المحلّ، إنَّما يتمُّ لو ثبت أنَّ وجوب الجلوس مقيَّد بحال رفع الرأس من السَّجدة، ولم يثبت ذلك.

ولذا لا مانع من الالتزام بجواز القيام اختياراً قبل الجلوس، أو بعده لتناول شيء.

والخلاصة: أنَّ ما ذكره جماعة كثيرة من الأعلام من وجوب الجلوس، هو الأقوى، والله العالم.

وأمَّا لو شكَّ في الجلوس بنى على عدمه؛ للأصل، فيجب الإتيان به حينئذٍ، ولا تجري فيه قاعدة التجاوز، أي: قاعدة الشَّكّ في الشَّيء بعد تجاوز المحلِّ؛ لأنَّه بعد الرُّجوع إلى المحلّ لتلافي السَّجدة يرجع شكُّه إلى الشَّكّ فيه، وهو في محلِّه، ولا دليل على أنَّ المراد بالمحلِّ الذي يتحقَّق به التجاوز هو المحلُّ الذي يعرض فيه الشَّكّ فقط، بل يشمل بمقتضى الإطلاق المحلّ الذي يرجع إليه لتدارك خلل آخر معلوم.

قوله: ((درس 52)

لو شكّ في عدد الأوليين بطلت الصَّلاة، وقال عليّ بن بابويه: إذا شكّ بين الواحدة والإثنتين والثلاث والأربع صلَّى ركعةً من قيام وركعتين من جلوس، قال: وإن شكّ بين الواحدة والإثنتين أعاد، وإن شكّ فيها ثانياً، واعتدل وهمه، تخيَّر بين ركعة قائماً واثنتين جالساً، وكذا تبطل بالشَّك في المغرب، وقال ابنه: لو شكّ فيها بين الثلاث والأربع أتمَّها بركعة، وإن توهَّم الثلاث سلَّم، واحتاط بركعتين جالساً؛ لِرواية عمَّار، والقولان نادران)

تعرَّض المصنِّف رحمه الله للشُّكوك المبطلة، ولم يذكر جميع صورها، ونحن نقتصر على أربع صور، ويفهم الباقي من خلال الكلام عن هذه الصُّوَر الأربع، وما سنذكره في المسائل الآتية -إن شاء الله تعالى-:

الأُولى: فيما لو شكَّ المكلَّف في عدد الرَّكعات في الثنائيَّة.

الثانية: فيما لو شكَّ في عددها في المغرب.

الثالثة: فيما لو شكَّ في الأولتين من الرُّباعيَّة.

الرابعة: إذا لم يدرِ كم صلَّى.

أمَّا الصُّورة الأولى: فالمعروف بين الأعلام أنَّ من شكَّ في عدد الواجبة أعاد كالصُّبح، وصلاة السَّفر، وصلاة العيدَيْن إذا كانت فريضةً، والكسوف.

وفي المنتهى للعلَّامة رحمه الله: (ذهب إليه لعلماؤنا أجمع، إلَّا ابن بابويه...)، وحكى العلَّامة الطَّباطبائي رحمه الله في المصابيح الإجماع على البطلان في كلِّ شكٍّ تعلَّق بغير الرُّباعيَّة وصلاة الاحتياط من الفرائض، وعن الانتصار والغيبة الإجماع في الفجر والسَّفر.

وقال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (تبطل الصَّلاة بالشَّكِّ في عدد الأوليين إجماعاً، إلَّا من أبي جعفر ابن بابويه، فإنَّه قال: لو شكَّ بين الرَّكعة والرَّكعتين فله البناء على الرَّكعة...)

وفي الحدائق: (لا خلاف بين الأصحاب (رض) في أنَّه متى شك في عدد الثنائية، كالصبح وصلاة السفر وصلاة الجمعة والعيدين، إذا كانت واجبةً ، والسكوف، والمغرب، فإنه موجب لبطلانها ، ونقلوا الخلاف هنا عن ابن بابويه، قال في المنتهى: إنَّه قول علمائنا أجمع إلَّا ابن بابويه، فإنه جوز البناء على الأقل، والإعادة).

ثمَّ قال صاحب الحدائق رحمه الله: (قدِ اشتهر في كلام الأصحاب من العلَّامة ممَّن دونه نقل الخلاف عن ابن بابويه في مواضع الشُّكوك، كما ستمرّ بك -إن شاء الله تعالى- مع أنَّه لا أصل له، وهذا من أعجب العجائب عند ذوي الألباب؛ والسَّبب في ذلك هو تقليد المتأخِّر للمتقدِّم من غير مراجعة لكلام ابن بابويه قد اشتهر في كلام الأصحاب من العلامة ممن دونه نق لالخلاف عن ابن بابويه في مواضع الشكوك، كما ستمر بك -إن شاء والنظر فيه بعين الناقل والتحقيق، كما سيظهر لك-إن شاء الله تعالى- في ما نشرحه لك من البيان الرَّشيق، ومن جملتها هذا الموضع، فإنَّ كلامه فيه جارٍ على ما جرى عليه الأصحاب، ودلَّت عليه الأخبار في الباب، فإنه قال في كتاب الفقيه في باب أحكام السَّهو في الصَّلاة: ومَنْ شكَّ في المغرب فعليه الإعادة، ومَنْ شكَّ في الغداة فعليه الإعادة، ومَنْ شكَّ في الجمعة فعليه الإعادة، وقال في كتاب المقنع: وإذا شككت في الفجر فأعد، وإذا شككت في المغرب فأعِد...).

وفي الجواهر: (وكيف كان، فلم أعثر على مخالف في هذا الحكم، بل ولا من حُكي عنه ذلك، سوى ما نقله بعضهم عن ابن بابويه، من تجويز البناء على الأقلِّ، وستعرف ضعفه، على أنَّه غير ثابت...).

أقول: هنا تسالم على البطلان، بحيث لم يخالف أحد من الأعلام من المتقدِّمِين والمتأخِّرِين، وفي جميع الأعصار والأمصار.

وأمَّا نسبة الخلاف إلى ابن بابويه رحمه الله، فقد ضعَّفها صاحب الحدائق رحمه الله، وغيره من الأعلام، وهو كذلك، فإنَّ عبارته صريحة في موافقة المشهور.

ومع ذلك، فقد دلَّ على البطلان جملة من الرِّوايات المستفيضة، بل هي متواترة:

منها: حسنة محمد بن مسلم (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرَّجل يصلِّي، ولا يدري واحدةً صلَّى أم ثنتين؟ قال: يستقبل حتَّى يستيقن أنَّه قد أتمَّ، وفي الجمعة، وفي المغرب، وفي الصَّلاة في السفر)(1)

منها: حسنة حفص البختري، وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: إذا شككت في المغرب فأعد، وإذا شككت في الفجر فأعد)(2).

ومنها: صحيحة العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألته عن الرَّجل شكَّ في الفجر؟ قال: يعيد، قلتُ: المغرب؟ قال: نعم، والوتر والجمعة، من غير أن أسأله)(3).

ومنها: مرسلة يونس عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام (قال: ليس في المغربِ والفجرِ سَهْو)(4)، وهي ضعيفة بالإرسال.

ومنها: موثَّقة سماعة (قال: سألته عن السَّهو في صلاة الغداة، فقال: إذا لم تدرِ واحدةً صلَّيت أم ثنتين، فأعِد الصَّلاة من أوَّلها، والجمعة أيضاً إذا سها فيها الإمام، فعليه أن يعيد الصَّلاة؛ لأنَّها ركعتان، والمغرب إذا سها فيها، فلم يدرِ كم ركعة صلَّى فعليه أن يعيد الصَّلاة)(5)، ومضمرات سماعة مقبولة، كما ذكرنا في أكثر من مناسبة.

ومنها: حسنة زرارة عن أحدهما عليه السلام (رجل لا يدري واحدةً صلَّى أو ثنتين؟ قال: يعيد...)(6)، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ التعليل في موثَّقة سماعة (لأنَّها ركعتان)، يدلُّ على أنَّ كلَّ ثنائيَّة حكمها حكم صلاة الغداة في وجوب الإعادة إذا تعلَّق الشَّكّ بها.

فلا يقال: إنَّ الرِّوايات المتقدِّمة لم تتعرَّض لخصوص صلاة العيدَيْن والكسوفين!

____________

(1)و(2)و(3)و(4)و(5) الوسائل باب2 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2و1و7و3و8.

(6) الوسائل باب2 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح6.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo