< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(25)

قوله: (ولا يبطل الشَّكُّ في أفعال الأوليين على الأصح، ونقل الشَّيخ البطلان، وفي النِّهاية تبطل بالشَّكِّ في الرُّكوع منهما)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى: (لا تبطل الصَّلاة بالشَّكّ في الأفعال، ركناً كانت أو لا، في الأوليين أو في الأخيرتين، بل حكمه ما سلف من التلافي، أو عدم الالتفات على كل حال، وحكَم الشَّيخان بالبطلان إذا شكَّ في أفعال الأولتين، كما إذا شكَّ في عددهما، ونقله الشَّيخ عن بعض القدماء من علمائنا -إلى أن قال:- وتوسَّط صاحب التذكرة بالبطلان إنْ شكّ في ركن؛ لأنَّ الشَّكَّ فيه في الحقيقة شكّ في الرِّكعة، بخلاف ما إذا كان المشكوك فيه غير ركن فإنَّ نسيانه لا يبطل...).

وفي الجواهر -تعليقاً على قول المحقق في في الشرائع-: (وسواء كان في الأولتين من الرُّباعية، أو الأخيرتين، على الأظهر الأشهر، بل المشهور شهرةً كادت تكون إجماعاً؛ إذ لم يعرف الخلاف في ذلك، إلَّا عن الشَّيخَيْن وابن حمزة في الوسيلة والعلَّامة في التذكرة).

أقول: يدلُّ على ما ذهب إليه المشهور الأخبار الكثيرة المطلقة، بل في بعضها ظهور في خصوص الرِّكعتين الأولتين، بل بعضها صريح في ذلك، كصحيحة زرارة المتقدِّمة الدَّالَّة على أنَّ مَنْ شكَّ في التكبير، وقد قرأ، يمضي، ومَنْ شكَّ في القراءة وقد ركع، قال: يمضي...(1).

وبالجملة، فالرِّوايات الكثيرة الدَّالة على قاعدة التجاوز تشمل الرِّكعتين الأُولتين والأخيرتين، بل بعضها صريح في الأولتين، كصحيحة زرارة المتقدِّمة.

واحتجَّ القائلون بالإعادة -إذا تعلَّق الشَّكّ بكيفيَّة الأولتين- بجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة زرارة بن أعين (قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: كَانَ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ، وَفِيهِنَّ الْقِرَاءَةُ، وَلَيْسَ فِيهِنَّ وَهْمٌ -يَعْنِي: سَهْوٌ- فَزَادَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) سَبْعاً، وَفِيهِنَّ السَّهْوُ، وَلَيْسَ فِيهِنَّ الْقِرَاءَةُ، فَمَنْ شَكَّ فِي الْأَوَّلَتَيْنِ أَعَادَ حَتَّى يَحْفَظَ، وَيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ، وَمَنْ شَكَّ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ عَمِلَ بِالْوَهْمِ‌)(2).

ومنها: حسنة الحسن بن علي الوشا (قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه ‌السَّلام): الْإِعَادَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ، وَالسَّهْوُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ)(3).

ومنها: رواية عنبسة بن مصعب (قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: ‌إِذَا شَكَكْتَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ فَأَعِدْ)(4)، وهي ضعيفة بعدم وثاقة عنبسة بن مصعب، وكذا غيرها.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذه الرِّوايات لو لم تكن ظاهرةً في الشَّكّ في عدد الرَّكعات، فهي محمولة عليه، جمعاً بينها وبين غيرها من الرِّوايات الظَّاهرة في الشَّمول للأُولتين، بل قد عرفت أنَّ بعضها صريح في الأُولتين، كصحيحة زرارة.

وأمَّا قول العلامة رحمه الله أنَّ مرجع الشَّكّ في الركوع إلى الشَّكّ في الركعة فهو ممنوع أشد المنع.

وعلى تقدير تسليم ما ذكره ، إلَّا أنَّ هذا لا ينفع في مقابل صحيحة زرارة الصريحة في عدم البطلان في الأولتين، والله العالم.

قوله: (ولو نسي سجدةً قضاها بعد الصَّلاة، ويسجد للسَّهو، وإن كانت من الأوليين، وقال في التهذيب: تبطل الصَّلاة فيهما، ظاهر الحسن: البطلان، وإن كان في الأخيرتين؛ لِرواية المعلَّى بن خنيس، ولا تقضى السَّجدة المنسيَّة في أثناء الصَّلاة، خلافاً لعلِّي بن بابوَيْه، حيث قال: تُقضى السَّجدة من ركعةٍ في تاليتها)

ذكرنا هذه المسألة بالتفصيل مرتَيْن:

الأُولى: في مبحث السُّجود، عند قول المصنِّف رحمه الله: (ولا يبطل الإخلال بالواحدة سهواً، وإن كان في الأُولتين، على الأقوى)(5).

والثانية: في مبحث الخلل هنا، عند قول المصنِّف رحمه الله: (ويُقضي بعد التسليم التشهُّد والسَّجدة، والصَّلاة على النَّبيّ وآله عليهم السَّلام...)(6).

وأمَّا سجود السَّهو لنسيان السَّجدة، فذكرناه أيضاً في هذا المبحث مبحث الخلل في الأمر الرَّابع(7) من الأمور الخمسة، عند قولنا: (يقع الكلام في خمسة أمور)، تعليقاً على قول الماتن: (ويقضي بعد التسليم التشهُّد والسَّجدة والصَّلاة على النَّبيِّ وآله (عليهم السَّلام)...).

وكانت النتيجة أنَّ الأقوى: ما ذهب إليه أكثر المتأخِّرين، ومتأخِّري المتأخِّرِين، من القول بعدم الوجوب، وإن كان السَّجود أحوط استحباباً.

 

قوله: (ولا تبطل زيادة السَّجدة سهواً، خلافاً للحَسَن والحلبي)

المعروف بين الأعلام أنَّه لا تبطل الصَّلاة بزيادةِ سجدةٍ واحدةٍ سهواً.

ويدلُّ على ذلك: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى، فَذَكَرَ أَنَّهُ زَادَ سَجْدَةً، قَالَ: لَا يُعِيدُ صَلَاةً مِنْ سَجْدَةٍ، وَيُعِيدُهَا مِنْ رَكْعَةٍ)(8).

وصحيحة عُبيد بن زرارة أو موثَّقته (قَالَ:سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ شَكَّ، فَلَمْ يَدْرِ أَسَجَدَ ثِنْتَيْنِ أَمْ وَاحِدَةً، فَسَجَدَ أُخْرَى، ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ زَادَ سَجْدَةً، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ! لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ زِيَادَةُ سَجْدَةٍ، وَ قَالَ: لَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ مِنْ سَجْدَةٍ وَيُعِيدُهَا مِنْ رَكْعَةٍ)(9)، والمراد بأبي جعفر الموجود في الرِّوايتين: هو أبو جعفر الأشعري أحمد بن محمَّد بن عيسى.

هذا، وقد نسب المصنِّف رحمه الله البطلان إلى الحسن بن أبي عقيل والحلبي (رحمهما الله).

أقول: قال أبو الصَّلاح الحلبي رحمه الله في الكافي (وإنْ شكَّ -وهو جالس- فلم يدرِ أسجد أم لم يسجد؟ أسجد واحدة أم اثنتين؟ فَلْيسجد ما شكَّ فيه، فإنْ ذكر بعد ما سجد أنَّه قد كان سجد، فكان بما فعله مكمِّلاً سجدتين، فصلاته صحيحة، وإن كان زائداً عليها أعاد الصَّلاة...).

أقول: قد يستدلُّ للبطلان بصحيحة أبي بصير (قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ)(10)، حيث دلَّت بإطلاقها على البطلان في مطلق الزِّيادة، عمديَّةً كانت أم سهويَّةً، ركناً أم غير ركن.

ولكن لا يخفى عليك، أنَّ صحيحة منصور بن حازم، وكذا موثَّقة عبيد بن زرارة أو صحيحته، مقيِّدة لهذا الإطلاق، فتخرج زيادة السَّجدة السَّهويَّة من تحت هذا الإطلاق.

وقدِ استُدلَ للبطلان أيضاً بعموم صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، المتقدِّم في أكثر من مناسبة: (لا تُعاد الصَّلاة إلَّا من خمسة...)(11)، بناءً على شمول عقد المستثنى للزِّيادة والنقيصة، فيدلُّ على البطلان بالسُّجود الشَّامل للسَّجدة الواحدة.

وفيه: أنَّه مقيَّد بصحيحة منصور، وموثَّقة عُبيد، المتقدِّمتين.

____________

(1) الوسائل باب23 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

(2)و(3)و(4) الوسائل باب1 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1و10و14.

(5) مدارك الدروس المجلد الرابع من الصَّلاة ص375-380.

(6) صفحة 1396، من هذا الدفتر، الدفتر السابع من الصَّلاة إلى صفحة1399.

(7) صفحة 1396، من هذا الدفتر، الدفتر السابع من الصَّلاة.

(8)و(9) الوسائل باب14 من أبواب الركوع ح2و3.

(10) الوسائل باب19 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2.

(11) الوسائل باب10 من أبواب الركوع ح5.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo