< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(24)

في بعض الرِّوايات الظَّاهرة في عدم حجيَّة الظَّنّ في الرِّكعتَيْن الأخيرتَيْن، ووصل الكلام إلى موثَّقة أبي بصير، وقلنا: إنها مخالفة للتسالم، فيرد علمها إلى أهلها.

 

وحملها بعض الأعلام على أنَّ المراد من الوهم والرأي هو الشَّكّ المتساوي الطَّرفَيْن لا الظَّنّ، ولا بأس بذلك.

الأمر الثاني: المشهور بين الأعلام، لا سيَّما المتأخِّرون منهم، حجيَّة الظَّنّ بالنسبة إلى أعداد الأُولتَيْن، بل في كلِّ فريضة ثنائيَّة أو ثلاثيَّة، بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه إلَّا من ابن إدريس.

وبعض الأعلام نسب حجيَّة الظَّنّ بالنسبة إلى أعداد الأُولتَيْن، بل في كلِّ ثنائيَّة أو ثلاثيَّة، إلى الأصحاب، عدا ابن إدريس رحمه الله، بل في بعض حواشي الألفيَّة: (أنَّ أصحابنا مجمعون على اعتباره في عدد الصَّلاة وأفعالها)، كما عن الغنية الإجماع عليه، ووافق صاحب الحدائق رحمه الله ابن إدريس رحمه الله.

ومهما يكن، فقدِ استُدلّ للمشهور بالإجماع.

وفيه: أنَّه إجماع منقول بخبر الواحد، وهو يصلح للتأييد، كما عرفت.

اللَّهمَّ إلَّا أن يقال: إنَّ خلاف مَنْ خالف لا يعتدُّ بخلافه، فلا يضرُّ حينئذٍ بتسالم الأعلام.

والإنصاف: أنْ يستدلَّ للمقام بصحيحة صفوان المتقدِّمة عن أبي الحسن -عليه السلام- (قال: إن كنت لا تدري كم صلَّيت، ولم يقع وهمُك على شيءٍ فأعدْ الصَّلاة)(1)، فإنَّ الأمر بالإعادة غالباً يختصُّ بالأولتَيْن، فيدلُّ بالمفهوم على جواز العمل بالوهم -الذي هو الظنُّ هنا- فيهما، وفي الأخيرتين.

ويؤيد ما ذكرناه: النَّبوي المتقدِّم (إذا شكَّ أحدُكم في الصَّلاةِ فَلْينظر أَحْرى ذلك للصَّواب).

ويؤيده أيضاً: ما هو المعروف على ألسنة العوام والعلماء (المرء متعبِّد بظنِّه).

ويؤيِّده أيضاً: أنَّ الصَّلاة عبادة كثيرة الأفعال والتُّروك، فالمناسب لشرعها الاكتفاء بالظَّنّ مطلقاً، وإلَّا كانت معرضةً للفساد بكلِّ وهم، كلُّ ذلك مع ما في التكليف بالعلم من العُسْر والحرج، فإنَّه لا يكاد يوجد مَنْ تصدر عنه صلاة مع القطع اليقين.

وأمَّا صاحب الحدائق رحمه الله الذي وافق ابن إدريس رحمه الله فقدِ استدلَّ بالرِّوايات الكثيرة الدَّالَّة على وجوب حفظ الأُولتين، واليقين بهما، وسلامتهما عن السَّهو.

وفيه: أنَّ كلامه إنَّما يتمُّ إذا اعتبر اليقين الوارد في الرِّوايات بنحو الصِّفة الخاصَّة.

وأمَّا لو كان أَخْذ اليقين على نحو الطريقيَّة لإحراز الأُولتَيْن، كما هو الظَّاهر، فيكون صحيح صفوان حينئذٍ حاكماً على تلك الرِّوايات، لأنَّه يجعل الوهم يقيناً تبعداً.

وبالجملة، بعد أنْ كان المراد من الوهم -الذي هو الظَّنّ- هو العلم تعبُّداً تكون الصَّحيحة حاكمةً على تلك الأدلَّة.

والخلاصة: أنَّ الأقوى هو ما عليه المشهور من العلم بالظَّنّ بالرَّكعات مطلقاً، فرضاً أو نفلاً، مصحِّحاً أو مبطلاً، في الأولتين وغيرهما، والله العالم.

الأمر الثالث: المعروف بين الأعلام أنَّه لا فرق بين أن يتعلَّق الظَّنُّ بالرَّكعات والأفعال، بل عن المحقِّق الثاني رحمه الله أنَّه لا خلاف فيه.

وقدِ استُدلّ لذلك بالنَّبويَيْن المتقدِّمَيْن المنجبرَيْن بعمل المشهور.

وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة، من أنَّ عمل مشهور المتقدِّمِين غير جابر لضعف السَّند.

مضافاً إلى عدم إجزاء الصُّغرى، إذ لا يعلم استنادهم في عدم الفرق المذكور إلى النَّبويَيْن، ومجرد ذكرهما لا يلازم الاستناد إليهما، لاسيَّما مع وجود ما هو أهمُّ منهما.

وقدِ استدلَّ أيضاً ببعض الوجوه الضَّعيفة.

والإنصاف: أنْ يستدلَّ بالأولويَّة المستفادة منِ الاكتفاء بالظَّنّ في الرَّكعات، بل هي ليست إلَّا مجموع الأجزاء، فإذا كان الظَّنّ في المجموع كافياً ففي البعض بطريق أَولى.

والإنصاف: أنَّ هذا الدَّليل قويّ، وليس هو مبنيّاً على الاستحسان، بل هناك جزم بالأولويَّة.

ومن هنا، ترى أنَّه لا يوجد مخالِف من المتقدِّمِين والمتأخِّرِين ومتأخِّري المتأخِّرين.

نعم، خالف بعض الأعلام، ممَّنْ هو في عصرنا، أو قبل عصرنا بقليل.

ويؤيد ما ذكرناه: أنَّ الصَّلاة عمل كثير الأجزاء والشَّرائط، فلو لم يعتبر الشَّارع الظَّنّ فيها للزم منه الحرج.

وأيضاً لو وجب تحصيل العلم بأفعالها وأقوالها، وعدد ركعاتها، لاحتاج أغلب المكلَّفِين في غالب أحوالهم إلى التكرار، وإعادة الصَّلاة؛ لأنَّ عروض الظَّن للغالب غالبي، فيلزم أنْ يكون جلُّ النَّاس محكومِين بحكم كثيرِ الشَّكّ، ويجب عليهم ترتيب أثر الشَّكّ من بعض الصَّلاة، ونحوه، وكلاهما خلاف ما علم من مذاق الشَّارع، وسيرة المتشرِّعة، فينبغي العلم بالظَّنّ في هذا الباب.

______

(1) الوسائل باب15 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo