< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(22)

قوله: (ولو شكَّ في الفاتحة، وهو في السُّورة، أعادهما، وقال ابن إدريس: لا يلتفت، ونقله عن المفيد، ومن هذا لو شكَّ في آية سابقة، وهو في لاحقة، ولو شكَّ في السَّجدتين أو إحداهما، وقد قام، لم يلتفت، وأوجب في النِّهاية التدارك، ما لم يركع وكذا التشهُّد)

المعروف بين الأعلام جريان قاعدة التجاوز في المقام، وأنَّه لا يلتفت، كما عن الشَّيخ المفيد رحمه الله، وغيره من الأعلام، ولا فرق في شمول القاعدة للدُّخول في الجُزء المستقلّ، وغير المستقلّ، فلو شكَّ المصلِّي في آية بعد الدُّخول في آية أخرى، من الفاتحة أو السورة، لا يجب العود إلى تدارك المشكوك فيه، فضلاً عما لو شكَّ في أوَّل السُّورة، وهو في آخرها.

ومجرد عدم ذكر هذه الأمور وأمثالها في صحيحة زرارة وصحيحة إسماعيل بن جابر المتقدِّمتين -المستدلّ بهما لِقاعدة التجاوز- لا يقتضي المنع عن شمول القاعدة لأجزاء الأجزاء بعد صدق الشَّكّ في الشَّيء بعد التجاوز عن محلِّه بالدُّخول في غيره، في قوله عليه السلام في صحيحة إسماعيل بن جابر (كلُّ شيءٍ شُكَّ فيه ممَّا قد جاوزه، ودخل في غيره، فليمضِ عليه)، وكذا قوله عليه السلام في صحيحة زرارة (إذا خرجت من شيء، ثمَّ دخلت في غيره، فشكُّك ليس بشيء).

ويؤيِّد ما ذكرناه في قاعدة التجاوز عند الشَّكِّ في الفاتحة وهو في السُّورة، وكذا إذا شكَّ في السُّجود وقد قام منه، أو شكَّ في التشهُّد وهو قائم، أنَّه من المستبعد جدًّا، بل لعلَّه من الممتنع، تذكُّر المصلِّي ولو على جهة الظَّنِّ -وهو في آخر سورة طويلة- جميع ما تقدَّم، وأنَّه وقع منه من غير تغيير بإعراب أو تشديد أو نحوهما؛ لأنَّه متى شكَّ وهو في آخر السُّورة في حرف من حروف الفاتحة وجب عليه تلافي الحَمْد، وتلك السُّورة، أو غيرها.

كيف، والمصلِّي غالباً يسهو حال الصَّلاة، ويشتغل ذهنه بالأمور الدُّنيويَّة؟ على أنَّ ذلك بعيد عن عمل العلماء في كلِّ عصر.

والخلاصة: أنَّه قد ذكرنا قاعدة التجاوز في أكثر من مناسبة في الفِقه، لا سيَّما في باب الطَّهارة، وذكرناها بالتفصيل في علم الأصول.

ثمَّ إنَّ ما ذكرناه من جريان قاعدة التجاوز فيما إذا شكَّ في الفاتحة وهو في السُّورة، خالف فيه المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى، وصاحب المدارك رحمه الله، قال في الذِّكرى: (لو شكَّ في قراءة الفاتحة وهو في السورة، وجب قراءة الفاتحة، ثمَّ سورة -إمَّا التي كان فيها أو غيرها- لأنّ محلَّ القراءة باقٍ؛ وقال ابن إدريس: لا يلتفت، ونقله عن الشَّيخ المفيد في رسالته الى ولده، وإليه مال صاحب المعتبر؛ لِصدق الانتقال، فيدخل تحت عموم آخر الحديث، قلنا: نمنع صدق الانتقال؛ لمفهوم قوله في الحديث: «قلت: شك في القراءة و قد ركع» فإن مفهومه أنَّه لو لم يركع لم يمضِ).

وفيه: أنَّ هذا الكلام وهو (قلتُ: شكَّ في القراءة وقد ركع)، ورد في كلام السَّائل، لا في كلام الإمام عليه السلام، وإلَّا فإنَّ جواب الإمام عليه السلام يشمل هذا المورد، حيث قال عليه السلام في بيان إعطاء الضَّابطة لِقاعدة التجاوز (يا زرارة! إذا خرجتَ مِنْ شيءٍ، ثمَّ دخلتَ في غيرِه فشكُّكَ ليس بشيءٍ)، ومن المعلوم أنَّ السُّورة غير الفاتحة.

وممَّا ذكرنا يتَّضح لك ضعف ما عن الشَّيخ رحمه الله، والعلَّامة رحمه الله في نهايتهما، من أنَّه لو شكّ في السُّجود بعدما قام وجب عليه الرُّجوع، ما لم يركع، فإنَّه يرد عليهما.

مضافاً لِما تقدَّم من وقوع التصريح بخلافه في صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدِّمة عن الطلاق عليه السلام (إنْ شكّ في الرُّكوع بعدما سجد فَلْيمضِ، وإن شكَّ في السُّجود بعدما قام فَلْيمضِ...).

قوله: (والظَّان يتبع ظنَّه، وإن كان في الأوليين، ويظهر من ابن إدريس تخصيصه بالأخيرتين)

المعروف بين الأعلام أنَّ الشَّكّ إنَّما يعتبر مع تساوي الطَّرفين، وأمَّا مع الظَّنّ بأحدهما فإنَّه يبني على الظَّنّ، ويكون الظَّنّ كالعلم.

وفي الجواهر: (على المشهور نقلاً وتحصيلاً، بل عن ظاهر الخلاف أو صريحه الإجماع عليه، بل في المصابيح وعن الغنية والذِّكرى وغيرها الإجماع عليه، بل في الرِّياض صرَّح به، أي بالإجماع جماعة، بل لا خلاف معتدّ به أجده فيه فيما عدا الأولتين والثنائيَّة والثلاثيَّة، فمَنْ شكَّ مثلاً بين الاثنتين والأربع، وظنَّ الاثنتين أو الأربع، بنى عليه، أي: يجعل الواقع ما ظنَّه أقلّ أو أكثر، حتى لو كان زائداً على الأربع، بأنْ غلب على ظنِّه الخَمْس، فإنَّه يجري عليه حكم من زاد خامسةً).

وفي الذِّكْرَى: (لو غلب على ظنِّه أحدُ طرفي ما شكَّ فيه بنى عليه؛ لأنَّ تحصيل اليقين عُسْر في كثير من الأحوال فاكتفي بالظَّنّ؛ تحصيلاً لليسر، و دفعاً للحرج والعُسْر؛ وروى العامَّة عن النَّبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله): «إذا شكَّ أحدُكم في الصَّلاة، فَلْينظر أحرى ذلك الى الصَّواب، فليبنِ عليه»، وعن الصَّادق (عليه السَّلام) -بعدّة طرق-: «إذا وقع وهمك على الثلاث فابنِ عليه، وإنْ وقع وهمُك على الأربع فسلِّم وانصرف»، ولا فرق بين الشَّك في الأفعال والأعداد، ولا بين الأوليين والأخيرتين في ذلك، ويظهر من كلام ابن إدريس أنَّ غلبة الظَّنّ تعتبر فيما عدا الأُوليين، وإنَّ الأوليين تبطل الصَّلاة بالشَّك فيهما، وإن غلب الظَّنّ»، فإن أراده فهو بعيد، وخلاف فتوى الأصحاب، وتخصيص لِعموم الأدلَّة).

أقول: يقع الكلام في ثلاثة أمور:

الأوَّل: الظَّنّ بالنسبة إلى ما عدا الأولتين والثنائيَّة والثلاثيَّة.

الثاني: الظَّنّ بالنسبة إلى خصوص أعداد الأولتين، بل كلُّ فريضة ثنائيَّة أو ثلاثيَّة.

الثالث: الظَّنّ بالنسبة إلى الأفعال وجوداً وعدماً.

أمَّا الأمر الأوَّل: فقدِ استُدل لحجيَّة الظَّنّ فيه بالإجماع المنقول على نحو الاستفاضة، وفي الواقع هو تسالم بينهم، إذ لا يعتدُّ بخلاف مَنْ خالف، مع أنَّه لم ينقل الخلاف صريحاً عمَّنْ خالف.

وقدِ استدلَّ المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى بما عرفت عند نقل عبارته، وهو أن تحصيل اليقين عُسْر في كثير من الأحوال، فاكتفى بالظَّنّ تحصيلاً لليُسْر، ودفعاً للحرج والعُسْر.

وفيه: أنَّ هذا الأمر إنْ وصل إلى حدِّ الحرج والعُسْر المنفيين في الشَّريعة الإسلاميَّة، فلا إشكال حينئذٍ، وإلَّا فلا يخفى ما فيه.

وقدِ استُدلَّ أيضاً بالنَّبويّ (إذا شكّ أحدُكم في الصَّلاة فَلْينظر أحرى ذلك الصَّواب، وَلْيبنِ عليه)(1).

والنَّبوي الآخر: (إذا شكَّ أحدكم فليتحرَّ)(2).

والاستدلال إنَّما هو بعمومهما، ولكنَّهما ضعيفا السَّند جدًّا، كما لا يخفى.

___________

(1)و(2) صحيح مسلم ج1 ص 400-401، والسُّنن الكبرى وسُنَن البيهقي، وأبي داود.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo