< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(20)

ذكر سابقًا:

أقول: ما ذكره من رجوع الإمام إلى المتيقِّن منهم هو في محلِّه؛ لِعدم اعتبار الاتِّفاق في اليقين في جواز الرُّجوع.

وأمَّا ما تضمنته المرسلة المتقدِّمة، فهي أوَّلاً: ضعيفة السَّند، لا يعتدّ بها.

-----------------------

= وثانياً: أنَّ ما ذكره هذا البعض في توجيه الرِّواية صحيح ومتين، بل بعد الالتفات إلى نُدْرة الاطلاع، بل تعسُّره على حفظ جميع المأمومين، لا سيَّما مع كثرتهم، فلا إشكال حينئذٍ في عدم إرادة اعتبار اليقين من الجميع.

وأمَّا رجوع البعض الشَّاكّ إلى الإمام، فلا دليل عليه؛ إذ برجوع الإمام إلى حفظ بعض المأمومين لا يكون حافظاً، إذ رجوعه التعبُّدي لا يجعله متيقِّناً، ولا ظانّاً حتَّى يصحَّ الرُّجوع إليه.

نعم، لو حصل له اليقين أو الظَّنّ برجوعه إلى بعض المأمومين الحافظين، لصحّ حينئذٍ رجوع البعض الشَّاكّ إلى الإمام، والله العالم.

قوله: (ولا للسَّهو في السَّهو، كالشَّكّ في أثناء سجدتي السَّهو في عددهما، أو بعض أفعالهما، فيبني على فِعْل ما شكَّ فيه؛ أمَّا الشَّكّ في عدد الاحتياط أو أفعاله فظاهر المذهب عدم الالتفات ، ولو تلافي السَّجدة المنسيَّة فشكّ في أثنائها فكذلك، ولو سهى عن تسبيحها، أو عن بعض الأعضاء، لم يسجد لها سجدتي السَّهو)

المعروف بين الأعلام أنَّه لا سهو في السَّهو.

ولا يخفى أنَّ هذه العبارة فيها احتمالات كثيرة، وقبل الشُّروع في هذه الاحتمالات نقول: إنَّ الأصل في هذا الحكم ما ورد في بعض الرِّوايات المتقدِّمة:

منها: حسنة حفص بين البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: ليس على الإمامِ سَهْو، ولا على مَنْ خلف الإمام سَهْو، ولا على السَّهو سهو، ولا على الإعادة إعادة)(1).

ومنها: ما عن الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله عن إبراهيم بن هاشم في نوادره (أنَّه سُئِل أبو عبد الله عليه السلام عن إمامٍ يصلِّي بأربعِ نفرٍ -إلى أنْ قال:- ولا سَهْو في سَهْو...)(2)، وهي ضعيفة بالإرسال.

ونحوها رواية يونس عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام(3)، وهي ضعيفة أيضاً بالإرسال.

وقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّ المراد بالسَّهو في هذه الفقرة الشَّكّ، أي: لا أثر للشَّكّ فيما يوجبه الشَّكّ.

وبعبارة أخرى، لا أثر للشَّكّ في صلاة الاحتياط.

قال العلَّامة رحمه الله في المنتهى: (ومعنى قول الفقهاء «لا سَهْو في سَهْو»، أي: لا حكم للسَّهو في الاحتياط الذي يوجبه السَّهو، كمَنْ شكَّ بين الاثنتين والأربع، فإنَّه يصلِّي ركعتين احتياطاً، فلو سها فيهما، ولم يدرِ صلَّى واحدة أم ثنتين، لم يلتفت إلى ذلك؛ وقيل: إنَّ معناه أنَّ مَنْ سها، فلم يدرِ هل سهى أم لا؟ لا يعبأ به، ولا يجب عليه شيء، والأوَّل أقرب).

وقال المحقِّق رحمه الله في المعتبر: (لا حكم للسَّهْو في السَّهْو؛ لأنَّه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانياً، فلا يتخلَّص من ورطة السَّهو؛ ولأنَّ ذلك حرج فيسقط اعتباره؛ ولأنَّه شُرِع لإزالة حكم السَّهو، فلا يكون سبباً لزيادته).

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنَّه يمكن أن يكون المراد بالسَّهو في كلٍّ من الموضعين: معناه المتعارف الذي هو عبارة عن نسيان شيء.

ويمكن أنْ يُرَاد به: الشَّك في الموضعين، وأن يراد به: مطلق السَّهو الشَّامل لكلا المعنيين فيهما، وأنْ يُرَاد من السَّهو الأوَّل بعض هذه المعاني، ومن الآخر بعض آخر، وأيضاً يمكن أن يكون المراد بالسَّهو الثاني نفسه من دون حذف مضاف.

ويمكن أن يكون المراد مع حذف المضاف، أي موجَبه -بالفتح- أي: صلاة الاحتياط، وسجود السَّهو.

وكثير من هذه الصُّور، وإن كان غير مراد من عبارة (لا سهو في السَّهو)، إلَّا أنَّه لا بأس ببيان جميعها، ولو بحسب ما تقضيه القاعدة في بعض الصُّوَر، ولو بشكل مختصر:

الصُّورة الأُولى: الشَّكّ في موجِب الشَّكّ -كسر الجيم- أي: شكَّ في أنَّه هل شكَّ في الفعل أم لا؟

والمعروف بين الأعلام أنَّه لا يلتفت، سواء وقع الشَّكّ بعد الفراغ من الصَّلاة في الأعداد وغيرها؛ لأصالة عدمه، وعدم تحقُّق سبب الاحتياط؛ ولكونه في الحقيقة شكّاً بعد الفراغ.

أو وقع الشَّكّ في أثنائها بعد الدُّخول في الغير، كمَنْ شكَّ حال القيام في أنَّه هل كان شاكّاً في السُّجود سابقاً مثلاً، أم لا؟ إذِ العبرة بحاله حال القيام، فإن كان شاكّاً لم يلتفت لِدخوله في الغير، وإن كان ظانّاً تداركه، كما لو كان عالماً.

الصُّورة الثانية: الشَّكّ في السَّهو، بأنْ يراد من الأوَّل: الشَّكّ، ومن الثاني: النسيان، أي: الشَّك في أنَّه هل سها أم لا؟

وقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّه لا يلتفت.

والإنصاف: أنَّ الأمر كذلك، لو وقع بعد الفراغ، أو في الأثناء بعد تجاوز المحلّ الذي يتلافى فيه المشكوك به، كما إذا شكَّ حال القيام، أنَّه هل سها عن السَّجدة أو لا؟ فإنَّه لا يلتفت؛ لأنَّه في الحقيقة شك بعد الدُّخول في الغير.

أمَّا لو شكَّ كذلك، وكان المحلُّ باقياً، كما إذا شكَّ في أنَّه سها عن السَّجدة أم لا؟ وهو في التشهُّد مثلاً، فإنَّه يتدارك؛ لكونه شكّاً في الشَّيء قبل تجاوز محلِّه.

الصُّورة الثالثة: أن يراد بالسَّهو الشَّكّ في كلِّ منهما، لكن على تقدير مضاف في الثاني، أي موجَب الشَّكّ -بفتح الجيم- بمعنى: أنَّه شكّ في ما أوجبه الشَّكّ من صلاة احتياط أو سجود سهو.

والإنصاف: أنَّ هذه الصُّورة، والصُّورة الرَّابعة الآتيَّة، هما أظهر ما يقال في معنى (لا سهو في السهو).

____________

(1) الوسائل باب25 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

(2)و(3) الوسائل باب24 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح8، ذيل8.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo