< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(19)

ثمَّ إنَّه يحتمل أنَّ هذه الرِّواية غير الموجودة: هي نقل بالمعنى من رواية محمَّد بن سَهْل عن الرِّضا عليه السلام (قال: الإمامُ يحملُ أوهامَ مَنْ خلفه، إلَّا تكبيرة الافتتاح)(1).

وقدِ استدلَّ النَّراقي رحمه الله في مستنده بهذه الرِّواية على المدَّعى، فقال -بعد أنِ ادَّعى أنَّ الوهم يشمل الظَّنّ-: (ومعنى (يحمل أوهامهم) أنَّهم يتركون أوهامهم، ويرجعون إلى يقين الإمام، وإذا ثبت الحكم فيه ثبت في العكس أيضاً بالإجماع المركَّب).

وفيه أوَّلاً: أنَّ الرِّواية ضعيفة بعدم وثاقة محمَّد بن سهل بن اليسع الأشعري، وعدم كونه ممدوحاً.

وثانياً: أنَّ المراد منها هو أنَّه ضامن ما ينساه المأموم من الأجزاء، إلَّا الأركان.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ الظَّانّ لا يرجع إلى المتيقِّن، لأنَّ الظَّنّ حجَّة، وهو بظنِّه ممَّنْ يدري، لا ممَّنْ لا يدري، والله العالم.

الأمر الرَّابع: قد عرفت فيما سبق أنَّ الشَّاكّ يرجع إلى المتيقِّن، وأيضاً يرجع الشَّاكّ إلى الظَّانّ، وذكرنا أنَّ الأقوى عدم رجوع الظَّانّ إلى المتيقِّن.

وأمَّا عدم رجوع المتيقِّن إلى المتيقِّن بخلافه، وعدم رجوع الظَّانّ إلى الظَّانّ بخلافه، فهو واضح.

وأمَّا الشَّاكان، فإنِ اتَّحاد محلّ الشَّك، كما لو شكَّا بين الثلاث والأربع، فلا إشكال في لزومهما حكمه، ولا رجوع لأحدهما إلى الآخر، لأنَّه ترجيح بلا مرجح، فكلٌّ منهما يعمل بموجب الشَّكّ.

وأمَّا لوِ اختلفا في نوع الشَّكّ، فإن لم يكن بينهما رابطة -أي: قدر مشترك بينهما- كما لو شكَّ أحدهما بين الإثنتين والثلاث، والآخر بين الأربع والخمس، انفرد كلٌّ منهما بحكم شكِّه، باعتبار أنَّ كلًّا منهما قاطع بخطأ الآخر فلا يصحُّ رجوع إليه.

وأمَّا إن كان بينهما رابطة، كما لو شكَّ أحدهما بين الإثنتين والثلاث، والآخر بين الثلاث والأربع، فقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّهما يرجعان إلى الرَّابطة، وهي الثلاث في المثال المزبور، لأنَّ الشَّاكّ بين الإثنتين والثلاث شاكّ في الثالثة، وجازم بعدم الرَّابعة، كما أنَّ الشَّاكّ بين الثلاث والأربع شاكّ في الرَّابعة، وجازم بوجود الثالثة، فيرجع كلٌّ منهما في مورد شكِّه إلى جزم الآخر وحفظه، فيتعيَّن عليهما اختيار الثلاث، فيبنيان عليها، ويتمَّان الصَّلاة.

وقد يقال: بعدم الرُّجوع إلى الرَّابطة، ويجب أنْ ينفرد كلٌّ منهما بشكِّه؛ لخروج مثل هذه المسألة عن منصرف النصوص، فيشكل رفع اليد عن عمومات أدلَّة الشُّكوك.

قال صاحب الجواهر رحمه الله: (بل الظَّاهر من‌ قولهم (عليهم السَّلام): «إذا لم يسه الامام» و «إذا حفظ مَنْ خلفه» حفظ عدد الصَّلاة غير غافل عنها، لا أنَّه حافظ قدراً مشتركاً وإن كان ساهياً بالنسبة إلى شي‌ء آخر، بل بناء الامام على الثالثة في المثال لم يكن ليقين منه، ولا ليقين من المأموم، فكونها ثالثة غير محفوظ منهما...).

__________

(1) الوسائل باب24 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2.

 

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ دعوى الانصراف في غير محلِّه؛ لأنَّ الانصراف بدويّ، منشؤه نُدْرة الوجود، ومثله لا يضر بالإطلاق.

ويكون المقام نظير ما لو كان الإمام شاكّاً في الأفعال وحافظاً للرَّكعات، والمأموم بالعكس، فإنَه لا إشكال في رجوع كلٍّ منهما إلى الآخر، والله العالم.

الأمر الخامس: المعروف بين الأعلام أنَّه إذا كان الإمام شاكّاً، وكان المأمومون مختلفين في الاعتقاد، كما لو كان بعضهم معتقداً أنَّ ما بيدهم هي الرِّكعة الثالثة، والبعض الآخر معتقداً أنَّها الرَّابعة، فلا يجوز للإمام الرُّجوع إليهم، بل يعمل بموجب مقتضى شكِّه؛ لِعدم تمكُّنه من الرُّجوع إلى حفظ مَنْ خلفه بعد حصول المعارضة.

ومن المعلوم أنَّ دليل حجيَّة اعتقاد المأموم الحافظ بالإضافة إلى الإمام الشَّاكّ لا يمكن أن يشمل الفرقتين المختلفين؛ لامتناع التَّعبُّد بكلٍّ منهما؛ لأجل التناقض، ولا يمكن الرُّجوع إلى إحدى الفرقتين بعينها؛ لبطلان الترجيح، ولا إلى إحداهما غير المعينة؛ إذ لا وجود لها في الخارج.

وقد يقال: إنَّه لا يرجع إلى الفرقتين المختلفتَيْن؛ للتقييد بالاتِّفاق، كما في مرسلة إبراهيم بن هاشم، المرويَّة في الفقيه؛ وللتصريح أيضاً في ذَيْل المرسلة المنع عن الرُّجوع إذا اختلف المأمومون، حيث ورد فيها: (فإذا اختلف على الإمام مَنْ خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة، والأخذ بالجزم).

وفيه: ما لا يخفى؛ لأنَّ الرِّواية ضعيفة بالإرسال، فلا يصحّ الاعتماد عليها؛ هذا كلُّه إذا كان الإمام شاكّاً، والمأمومون مختلفين في الاعتقاد.

وأمَّا إذا كان الإمام شاكّاً، والمأمومون مختلفين، بأن كان بعضهم شاكّاً وبعضهم متيقناً، فالمعروف بين الأعلام رجوع الإمام إلى المتيقِّن منهم، ورجوع الشَّاك منهم إلى الإمام .

وفي الحدائق: (الأشهر الأظهر رجوع الإمام إلى الموقِن من المأمومين، ورجوع الشَّاكّ من المأمومين الى الإمام، إلَّا أنَّ مقتضى مرسلة يونس المتقدِّمة عدم رجوع الإمام إلى المأمومين معِ اختلافهم، وعدم متابعة المأموم للإمام، والحال كذلك، قال بعض مشايخنا المحقِّقين من متأخِّري المتأخِّرين: و يمكن حملها على أنَّ المراد بقوله (عليه السَّلام): «إذا حفظ عليه من خلفه بإيقان»، أعمّ من يقين الجميع بأمر واحد، ويقين البعض، مع عدم معارضة يقين آخرين، وحمل قوله «فإذا اختلف على الامام مَنْ خلفه» على الاختلاف في اليقين؛ وبالجملة يشكل التعويل على المرسلة المزبورة؛ لضعفها مع معارضة النصوص المعتبرة، وإن كان الاحتياط يقتضي العمل بما قلناه، ثمَّ اعادة الجميع لظاهر المرسلة، لا سيَّما على نِسَخ الفقيه من قوله (عليه السَّلام) «باتِّفاق منهم»).

أقول: ما ذكره من رجوع الإمام إلى المتيقِّن منهم هو في محلِّه؛ لِعدم اعتبار الاتِّفاق في اليقين في جواز الرُّجوع.

وأمَّا ما تضمنته المرسلة المتقدِّمة، فهي أوَّلاً: ضعيفة السَّند، لا يعتدّ بها.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo