< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(18)

الأمر الثالث: ذهب جماعة من الأعلام إلى أنَّ الظانّ يرجع إلى المتيقِّن، والشَّاكّ إلى الظانّ، منهم الشَّهيد الثاني رحمه الله في المسالك، حيث قال: (ثمَّ إنْ كان الحافظ عالِماً رجع إليه الآخر، وإن كان ظانّاً بخلافه، وإن كان الحافظ بانياً على ظنٍّ رجع الآخر إليه مع الشَّك خاصَّة).

أقول: هناك ثلاث صور:

الأُولى: رجوع الشَّاكّ إلى المتيقِّن منهما، وهذه الصُّورة هي القدر المتيقَّن من الرِّوايات، وهي المتَّفق عليها بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً، ولا معنى للإطالة في هذه الصُّورة.

الصُّورة الثانية: رجوع الشَّاكّ منهما إلى الظَّانّ.

والإنصاف: هو الرُّجوع إليه، وذلك لإطلاق حسنة حفص بن البختري المتقدِّمة، حيث ورد فيها (ليس على الإمام سهو، ولا على مَنْ خلف الإمام سهو).

والمراد من السَّهو -كما ذكرنا سابقاً-: هو خصوص الشَّكّ، فإنَّه لغةً، وإن كان بمعنى الغفلة والنسيان، قال في القاموس: (سها في الأمر -كدعا- سهواً وسُهُواً: نسيه، وغفل عنه، وذهب قلبه إلى غيره...).

إلَّا أنَّه أطلق كثيراً على الشاك، بل ذكرنا سابقاً أنَّ المراد من السَّهو في الرِّوايات الواردة في هذا المقام هو خصوص الشَّك.

وعليه، فالشَّكّ منهما يرجع إلى غير الشَّاكّ، ولا معنًى لرجوع الشَّاكّ في كلٍّ منهما إلى الآخر الشَّاكّ، وإذا كان الأمر كذلك فغير الشَّاك هو المتيقِّن والظَّانّ.

وقد حكم الإمام عليه السلام برجوع الشَّاكّ منهما إلى الآخر غير الشَّاكّ، وبالإطلاق يشمل رجوع الشَّاك إلى الظَّانّ؛ لِما عرفت أنَّ غير الشَّاكّ مطلق يشمل المتيقِّن والظَّانّ.

ومن المعلوم أنَّ الظَّنّ حجَّة في هذا الباب؛ لِما يستفاد من الرِّوايات، كصحيحة صفوان عن أبي الحسن عليه السلام (قال: إنْ كنتَ لا تدري كَمْ صلَّيتْ، ولم يقع وهمُك على شيءٍ، فأعِد الصَّلاة)(1).

والمراد من الوهم: هو الظَّنّ، ومقتضى مفهوم الشَّرط هو عدم وجوب الإعادة لدى وقوع الوهم على شيءٍ، وأنَّه يعمل على طبق الوهم، أي الظَّنّ.

هذا، وقد استشكل صاحب الجواهر رحمه الله في رجوع الشَّاكّ إلى الظَّانّ منهما، إلَّا إذا حصل من الرُّجوع إليه الظَّنّ.

ووجه الاستشكال: هو ورود قوله عليه السلام في المرسلة المتقدِّمة (ولا سَهْو على الإمام إذا حفظ مَنْ خلفه)، مجرى الغالب من كونه مورِثاً للظَّنّ، فيكون التعويل عليه، فإنْ لم يُفِد الظَّنّ يشكل الاعتماد عليه.

وذكر أيضاً رحمه الله أنَّ الظَّاهر من الحفظ الموجود في المرسلة، الذي قُيِّدتْ به باقي الأخبار المشتملة على نفي حكم السَّهو، العلم لا الظَّنّ.

ويرد عليه أوَّلاً: أنَّ المرسلة ضعيفة لا يعتمد عليها.

وثانياً -مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند-: أنَّ كون الغالب حصول الظَّنّ لا يوجب الانصراف؛ لأنَّ الغلبة الخارجيَّة ليستْ حجَّةً.

وثالثاً: أنَّ المراد من الحفظ هنا عدم الشَّكّ، فيدخل الظَّانّ.

ويؤيِّد ذلك: أنَّ إرادة اليقين والعلم من الحفظ هنا غير ميسِّرة؛ إذ كيف يعرف ذلك من الإمام أو المأموم، ولا يرى الإمام من المأموم وبالعكس سوى البناء على الفعل، المحتمل أن يكون منشؤه ظنّاً أو عِلْماً، فالأمر بالرُّجوع مع غلبة عدم معرفة الحال شاهد على ما ذكرنا.

والحاصل: أنَّ الأقوى هو رجوع الشَّاكّ إلى الظَّانّ.

الصُّورة الثالثة: هو رجوع الظَّانّ منهما إلى المتيقِّن.

والإنصاف: هو عدم الرُّجوع؛ لِما عرفت أنَّ الظَّنّ حجَّة في هذا المقام.

إن قلت: إنَّ مقتضى إطلاق حسنة حفص المتقدِّمة (ليس على الإمام سهو، ولا على مَنْ خلف الإمام سهو)، يشمل الظَّانّ؛ لِشمول السَّهو له.

وفيه -ما ذكرناه سابقاً-: أنَّ المراد من السَّهْو هو الشَّكّ فقط؛ لِما عرفت في البحث السَّابق.

أضف إلى ذلك: أنَّه يبعد عرفاً إطلاق اسم السَّاهي على الظَّانّ؛ لِعدم المناسبة.

وأمَّا إطلاقه على الشَّاكّ، فقد عرفت أنَّه كثير وسائغ في الرِّوايات.

ووجه المناسبة في إطلاق السَّهو على الشَك: هو أنَّه مسبَّب عن الغفلة من باب تسمية المسبَّب -وهو الشَّكّ- باسم سببه، أي السَّهْو والغفلة.

ويؤيِّد كون المراد من السَّهو هو خصوص الشَّكّ وعدم شموله للظَّنّ: هو أنَّ أغلب فقرات المرسلة الوراد فيها السَّهو لا يراد منه الظَّنّ جزماً.

أنظر إلى قوله عليه السلام (وليس في المغرب سهو، ولا في الفجر سهو، ولا في الرِّكعتين الأُولتين من كلِّ صلاة سهو...).

وعليه، فمقتضى السِّياق، يراد من السَّهو في جميع الفقرات معنًى واحداً، وهو الشَّكّ.

ثمَّ إنَّه لو قلنا بإطلاق السَّهو على الظَّنّ، وأنَّ المراد من السَهْوِ في حسنة حفص ما يشمل الظَنّ، إلَّا أنَّ ما دلَّ على اعتبار الظَّنّ في عدد الرَّكعات حاكم على مثل هذه الأدلَّة؛ لِما ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ الظَّنّ الذي هو حجَّة إنَّما هو معتبر من باب الطريقيَّة، وأنَّه كاشف وحاكٍ عن الواقع.

وقد يستدلُّ أيضاً لرجوع الظَّانّ إلى المتيقِّن بما في الرِّواية (أنَّ الإمام يحفظ أوهام مَنْ خلفه)، بدعوى أنَّ الوهم شامل للظَّنّ؛ لإطلاقه عليه شرعاً.

ومعنى حفظه للأوهام: أنَّ المأموم يترك وهمه ويرجع إلى يقين الإمام، فإذا ثبت ذلك فيه ثبت في الآخر؛ لِعدم تعقُّل الفرق، مع أنَّه لا قائل به.

أقول: لا يوجد رواية بهذا الشَّكل حتَّى يُسْتدلَّ بها.

وثانياً: أنَّ المراد ضمان الإمام ما يتوهَّم به مَنْ خلفه، أي ما يتركه المأموم نسياناً من غير الأركان.

_________

(1) الوسائل باب15 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo