< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(17)

ثمَّ إنَّه يقع الكلام في عدة أمور:

الأوَّل: المعروف بين الأعلام أنَّه لا فرق بين كون المأموم واحداً ومتعدداً، ذكراً أو أنثى، عدلاً أو فاسقاً، كلُّ ذلك لإطلاق النصِّ، وهو حسنة حفص بن البختري المتقدِّمة.

وقد يستشكل في باقي الرِّوايات: بأنَّها لا يستفاد منها رجوع الإمام إلى المأموم إذا كان واحداً؛ ولا سيَّما إذا كان المأموم امرأة.

أمَّا صحيحة عليِّ بن جعفر، فلا يوجد فيها إلَّا رجوع المأموم إلى الإمام، ولا يوجد فيها رجوع الإمام إلى المأموم حتَّى يؤخذ بإطلاق المأموم.

وأمَّا المرسلة، فالموجود فيها كلمة (من) الموصولة، وهي دالَّة على العموم (لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ إِذَا حَفِظَ عَلَيْهِ مَنْ خَلْفَهُ سَهْوَهُ بِاتِّفَاقٍ (بِإِيْقَانٍ) مِنْهُمْ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ سَهْوٌ...).

وبالجملة، فهي دالَّة على رجوع الإمام إلى المأمومين المتعدِّدِين، ولا يستفاد منها رجوع الإمام إلى المأموم الواحد؛ لا سيَّما إذا كان امرأةً.

اللَّهمَّ إلَّا أن يقال: إنَّ ورود هذه المرسلة في المتعدِّد لا يقتضي انحصار رجوع الإمام إلى خصوص المتعدِّد؛ لأنَّ فرض التعدُّد فيها إنَّما هو لأجل التمهيد لبيان الحكم في صورة اختلاف المأمومين، كما هو مورد السُّؤال فليست ظاهرةً في اعتبار التعدُّد في المأموم، وإن كان ذلك مفروضاً موردها.

والذي يهون الخطب: أنَّ الرِّواية ضعيفة بالإرسال.

الأمر الثاني: المعروف بين الأعلام أنَّه لا فرق في الحكم بين الأفعال والرَّكعات.

قال صاحب الجواهر رحمه الله: (ويظهر من صاحب المدارك، بل هو المنقول عن جدِّه أيضاً -بل ربَّما تبعه عليه بعض مَنْ تأخَّر عنه- أنَّه لا فرق في الحكم بين الأفعال والرَّكعات، بل نسبه في المدارك إلى الأصحاب، وهو لا يخلو من تأمُّل للشَّكِّ في شمول الأدلَّة له).

أقول: ذهب جماعة من الأعلام إلى أنَّ الشَّاكّ منهما إنَّما يرجع إلى الحافظ في خصوص الرَّكعات دون الأفعال، ومنهم من تأمَّل في شمول الأدلَّة للأفعال.

أقول: لا بدَّ من الرُّجوع إلى أدلَّة المسألة حتَّى نرى ما هو الإنصاف.

أمَّا التسالم، فهو دليل لُبِّي يُقتَصر فيه على القدر المتيقَّن، ولا يشمل ما هو مورد الخلاف، كما فيما نحن فيه.

وأمَّا صحيحة علي بن جعفر، فموردها الشَّكّ في الركعات، وكذا المرسلة، فإنَّ موردها الشَّكّ في الركعات.

إن قلت: إنَّ مورد السُّؤال فيها، وإن كان مختَّصّاً بالرَّكعات، إلَّا أنَّ جواب الإمام عليه السلام مطلق، والعبرة بإطلاق الجواب، لا بخصوصيَّة المورد.

قلت: إنَّ الأمر، وإن كان كذلك، إلَّا أنَّ ذِكْر الجواب في عِداد الأمثلة التي لم يرد فيها إلَّا الشَّكّ في عدد الرَّكعات -كما في السَّهو في المغرب، والسَّهو في الفجر، وفي الرِّكعتَيْن الأُولتين من كلِّ صلاة- يَصْرفه عن الظُّهور في العموم.

مضافاً إلى أنَّ الرِّواية ضعيفة بالإرسال.

وأمَّا حسنة حفص بن البختري، فالإنصاف: أنّها مطلقة من حيث الرَّكعات والأفعال، وبها يُستدلُّ على رجوع كلٍّ من الإمام والمأموم عند عروض الشَّكّ إلى الآخر، مع حفظه له في الجملة، سواء كان الشَّكّ في الرَّكعات أو في الأفعال.

وأمَّا الإشكال عليها: بأنَّه يمتنع الأخذ بإطلاقها الأحوالي والأفرادي؛ وعليه فتكون واردةً في مقام إثبات الحكم في الجملة، لا مطلقاً.

فيرد عليه: أنَّ إطلاقها الأحوالي مقيَّد بما إذا كان أحدهما شاكّاً والآخر حافظاً، وبما إذا كانا متحدَيْن في الكيفيَّة، لا مع احتمال الاختلاف في الكيفيَّة، كما لو احتمل المأموم الشَّاكّ أنْ يكون مسبوقاً بركعة مثلاً، ونحو ذلك.

وبالجملة، فإنَّ الإطلاق الأحوالي مقيَّد، ولا مانع حينئذٍ من التمسُّك بها من هذه الجهة.

كما أنَّ إشكال المحقق الهمداني رحمه الله غير وارد، حيث قال: (أمَّا رواية ابن البختري فهي في حدِّ ذاتها متشابهة؛ وغاية ما يمكن استفادتها منها ببعض القرائن الدَّاخليَّة والخارجيَّة: إنَّما هو إرادة الشَّكّ في الرَّكعات...).

وكأنَّه أراد بالتشابه هو قوله عليه السلام في ذَيْلها: (ولا على السَّهو سهو، ولا على الإعادة إعادة).

وقد ذكرنا سابقاً -عند قَوْلَ المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: وفي حسنة ابن البختري، وسيأتي: ليس على الإعادة إعادة، وهذا يظهر منه أنَّ السَّهو يكثر بالثانية...- أنَّ هذا المقطع يُردُّ علمه إلى أهله، وهم أدرى به، وهذا لا يضرُّ بالاستدلال بباقي الفقرات.

وأمَّا قوله عليه السلام (ولا على السَّهو سهو)، فسيأتي الكلام عنه قريباً -إن شاء الله تعالى-.

وعلى فرض إجماله، فهو أيضاً لا يضرُّ بالاستدلال بالفقرتَيْن المتقدِّمتَيْن على هذه الفقرة.

ثمَّ إنَّه قد يستدل للإطلاق برواية أبي الهُذَيل عن أبي عبد الله عليه السلام (فِي الرَّجُلِ يَتَّكِلُ عَلَى عَدَدِ صَاحِبِهِ (صَاحِبَتِهِ) فِي الطَّوَافِ، أَيُجْزِيهِ عَنْهُمَا، وَعَنِ الصَّبِيِّ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ إِذَا صَلَّيْتَ خَلْفَهُ، وَهُوَ مِثْلُهُ)(1)

وفيه أوَّلاً: أنَّ الرِّواية ضعيفة بجهالة أبي الهُذَيل، سواء كان هو سَيْف بن عبد الرَّحمان التميميّ أو غالب الشَّاعر الكوفي، فإنَّ كليهما مجهولان.

وثانيا: أنَّها في مقام بيان أنَّ الطَّواف مثل الصَّلاة في الجملة، وليس في مقام بيان أنَّ الطَّواف مثل الصَّلاة في جميع الأحكام، بل لعلَّه يظهر من السُّؤال أنَّها مختصَّة بالعدد، حيث أنَّ الطَّائف يتَّكل على عدد صاحبه في الأشواط، والله العالم.

_____________

(1) الوسائل باب4 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح9.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo