< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(15)

 

الأمر الرَّابع: المذكور في عبارة الأعلام هو أنَّه (لا حكم للسَّهو مع كثرته)، فهل المراد بالسَّهو المأخوذ في موضوع هذا الحكم هو خصوص الشَّك، أو الأعمّ منه ومن النسيان.

قال صاحب الحدائق رحمه الله: (لكنَّ ظاهر جملة منهم أنَّ المراد بالسَّهو هنا الشَّكّ، كما صرَّح به في المعتبر، وهو ظاهر العلَّامة في المنتهى والتذكرة، واختاره في المدارك، ونقل بعض مشايخنا أنَّه مذهب الأكثر، وظاهر آخرين- ومنهم الشَّيخ وابن زهرة وابن إدريس وغيرهم، والظَّاهر أنَّه المشهور- هو العموم للشَّك والسَّهو، وبه صرَّح شيخنا الشَّهيد الثاني، وغيره، وهو الأظهر)، انتهى ما في الحدائق.

وعن صاحب الذَّخيرة أيضاً أنَّه جعل التعميم بالنسبة إلى كلمات الأصحاب أظهر.

وادَّعى أنَّه هو أيضاً ظاهر النصوص.

أقول: لا يظهر من عبارة المشهور أنَّهم أرادوا التعميم، ونسبة التعميم إلى المشهور مستندة إلى استنباط صاحب الحدائق وصاحب الذخيرة (رحمهما الله) من عبارة القوم، وهذا الاستنباط في غير محلِّه.

ومهما يكن، فالأقوى: أنَّ المراد به خصوص الشَّكّ، كما اختاره أغلب الأعلام، ومنهم العلَّامة المجلسي رحمه الله، حيث قال -ونعم ما قال-: (بل الأصوب أن يقال: شمول لفظ السَّهو في تلك الأخبار للسَّهو المقابل للشك غير معلوم، وإن سلِّم كونه بحسب أصل اللغة حقيقةً فيه، إذ كثرة استعماله في المعنى الآخر بلغت حدّاً لا يمكن فهم أحدهما منه إلَّا بالقرينة، وشمولها للشَّكّ معلوم بمعونة الأخبار الصَّريحة، فيشكل الاستدلال على المعنى الآخر بمجرد الاحتمال، مع أنْ حمله عليه يوجب تخصيصات كثيرة تخرجه عن الظُّهور لو كان ظاهراً فيه؛ إذ لو ترك بعض الرَّكعات أو الأفعال سهواً يجب عليه الإتيان به في محلِّه إجماعاً، ولو ترك ركناً سهواً، وفات محلَّه، تبطل صلاته إجماعاً، ولو كان غير ركن يأتي به بعد الصَّلاة لو كان ممَّا يتدارك، فلم يبقَ للتعميم فائدة إلَّا في سقوط سجود السَّهو، وتحمل تلك التخصيصات الكثيرة أبعد من حمل السَّهو على خصوص الشَّكّ لو كان بعيداً، مع أن مدلول الرِّوايات المضي في الصَّلاة، وهو لا ينافي وجوب سجود السَّهو؛ إذ هو خارج عن الصَّلاة...)، وهذا الكلام لا غبار عليه.

والحاصل: أنَّه ممَّا يؤكَّد أنَّ المراد من لفظ السَّهو هو خصوص الشَّكّ هو تسالم جميع الأعلام، حتَّى من ذهب إلى التعميم، كالشَّهيد الثاني رحمه الله في الرَّوضة، وغيره.

على أنَّ جميع أحكام السَّهو -من تلافي السَّهو عنه، إنْ كان في المحلّ، وعدم تلافيه في خارجه، والقضاء خارج الصَّلاة، لو كان سجدةً ونحوها، وبطلان الصَّلاة لو كان ركناً- تجري بالنسبة إلى كثير السَّهو، وإذا كان الأمر كذلك فلم يبقَ حينئذٍ معنى لانتفاء حكم السَّهو عن كثير السَّهو، سوى سقوط سجدتي السَّهو.

وقد أشار العلَّامة المجلسي رحمه الله إلى أنَّ مدلول الرِّوايات المضي في الصَّلاة، وهو لا ينافي وجوب سجود السَّهو؛ إذ هو خارج عن الصَّلاة.

وأمَّا صاحب الحدائق رحمه الله فقدِ استدلّ على التعميم: بـ (أنَّ أخبار المسألة منها ما ورد بلفظ الشَّكّ، ومنها ما ورد بلفظ السَّهو، والقول: بالعموم جامع للعمل بالأخبار كملاً؛ وأمَّا التخصيص بالشَّك فيحتاج إلى التأويل في أخبار السَّهو بالحمل على الشَّك، وإخراجه عن ظاهر حقيقته اللُغويَّة التي هي النسيان، وهو يحتاج إلى دليل، مع أنَّه لا ضرورة تُلجئ إليه...).

أقول: قد عرفت الوجه في حمل لفظ السَّهو على الشَّك هو ما ذكره العلَّامة المجلسي رحمه الله، وما أشرنا إليه بقولنا: (والحاصل...).

مضافاً إلى بعض الخصوصيَّات المقتضية لِصرف الرِّوايات المشتملة على السَّهو إلى إرادة كثرة الشَّكّ، ككون كثرة الشَّكّ هي التي تعمّ بها لابلوى، ويكون منشؤها غالباً الوسوسة التي هي من الشَّيطان، فتكون أَولى بالتعرُّض لحكمها، ويكون ترك الاعتناء بها موجباً لزوالها، والاعتناء مؤثِّراً في ازديادها، بخلاف كثرة النسيان، فإنَّ شدَّة الاهتمام بتدارك المنسي، ونقض الصَّلاة، وكثرة الإعادة لأجله، لو لم تكن مؤثِّرة في زوال هذا المرض، فلا أقلّ من عدم كونها مؤثِّرةً في زيادتها.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ الرِّوايات المتقدِّمة موردها خصوص كثير الشَّكّ، لا الأعمّ منها، ومن كثير النسيان، والله العالم .

الأمر الخامس: المشهور بين الأعلام أنَّه لو كثر شكُّه في فِعْلٍ بعينه بنى على فعله، فلو شكَّ اتِّفاقاً في غير ذلك الفعل يعمل عمل الشَّاكّ.

وكذا لو كان كثير الشَّكّ بين الواحدة والإثنتين، لم يلتفت في هذا الشَّكّ، ويبني على الإثنين، وإذا اتَّفق أنَّه شكّ بين الإثنين والثلاث، أو بين الثلاث والأربع، وجب عليه عمل الشَّكّ في البناء، والإتيان بصلاة الاحتياط.

ولو كان كثيراً الشَّكّ بعد تجاوز المحلّ ممَّا لا حكم له، كأنْ يشكّ في الرُّكوع، لا بعد تجاوز المحلّ، فلو اتِّفق أنَّه شكَّ في المحلِّ وجب عليه الاعتناء، ولو كان كثير الشَّكّ في صلاة حاصلة، كصلاة الفجر، أو في مكان خاصّ كالصَّلاة في الدَّار، دون المسجد، اختصّ الحكم به، ولا يُتعدَّى إلى غيره.

خلافاً للمصنِّف في الذِّكرى وصاحب المدارك وصاحب الرياض (رحمهم الله)، حيث عمَّموا الحكم للشَّك الاتِّفاقي في غير ذلك المحلّ.

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (لو كثر شكُّه في فِعْلٍ بعينه بنى على فعله، فلو شكَّ في غيره، فالظَّاهر البناء على فعله أيضاً لِصدق الكثرة).

وقد يستدلُّ لهذا القول -أي قول المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى، وغيره مما نُسِب إليه ذلك-: بإطلاق النُّصوص، وصِدْق الكثرة.

وفيه: أنَّ الأقوى هو قَوْل المشهور؛ لأنَّه المتبادر من النُّصوص، لِظهورها في عدم الالتفات إلى ما كثر سهوه فيه؛ إذِ المناط ليس هو نفس الشَّكّ بحدِّ ذاته، حتَّى يقال: إنَّ الشَّك كثير، بل الشَّكّ المتعلِّق بفعل خاصّ.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo