< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(9)

وأمَّا ما يدلُّ على عدم الإتيان بالمشكوك فيه بعد التجاوز عن محلِّه -وهو المعبَّر عنه بقاعدة التجاوز- فأيضاً جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة زرارة (قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: رَجُلٌ شَكَّ فِي الْأَذَانِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي الْإِقَامَةِ؟ قَالَ: يَمْضِي، قُلْتُ: رَجُلٌ شَكَّ فِي الْأَذَانِ وَ الْإِقَامَةِ، وَقَدْ كَبَّرَ؟ قَالَ: يَمْضِي، قُلْتُ: رَجُلٌ شَكَّ فِي التَّكْبِيرِ، وَقَدْ قَرَأَ؟ قَالَ: يَمْضِي، قُلْتُ: شَكَّ فِي الْقِرَاءَةِ، وَقَدْ رَكَعَ؟ قَالَ: يَمْضِي، قُلْتُ: شَكَّ فِي الرُّكُوعِ، وَقَدْ سَجَدَ؟ قَالَ: يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا زُرَارَةُ! إِذَا خَرَجْتَ مِنْ شَيْ‌ءٍ، ثُمَّ دَخَلْتَ فِي غَيْرِهِ، فَشَكُّكَ لَيْسَ بِشَيْ‌ءٍ)(1).

ومنها: صحيحة إسماعيل بن جابر (فِي رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَةَ الثَّانِيَةِ حَتَّى قَامَ، فَذَكَرَ -وَهُوَ قَائِمٌ- أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ؟ قَالَ: فَلْيَسْجُدْ مَا لَمْ يَرْكَعْ، فَإِذَا رَفَعَ فَذَكَرَ بَعْدَ رُكُوعِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ، فَلْيَمْضِ عَلَى صَلَاتِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ، ثُمَّ يَسْجُدُهَا، فَإِنَّهَا قَضَاءٌ، وَقَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: إِنْ شَكَّ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ مَا سَجَدَ فَلْيَمْضِ، وَإِنْ شَكَّ فِي السُّجُودِ بَعْدَ مَا قَامَ فَلْيَمْضِ، كُلُّ شَيْ‌ءٍ شَكَّ فِيهِ مِمَّا قَدْ جَاوَزَهُ وَدَخَلَ فِي غَيْرِهِ، فَلْيَمْضِ عَلَيْهِ‌)(2).

ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ شَكَّ -بَعْدَ مَا سَجَدَ- أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ؟ قَالَ: يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ)(3).

ومنها: صحيحة حمَّاد بن عثمان (قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: أشكَّ -وأنا ساجد- فلا أدري ركعتُ أم لا؟ فقال: قد ركعتَ، أَمْضِه)(4).

ثمَّ إنَّ مقتضى إطلاق الرِّوايات المتقدِّمة، وصريح صحيحة زرارة، شمول حكم الشّك للأوليَيْن، عدم الفرق بين الرُّكن وغيره.

وأمَّا ما حُكِي عن الشَّيخَيْن، فقد يستدلُّ لهم بجملة من الرِّوايات:

منها: حسنة الحسن بن عليِّ الوشَّا (قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: الإعادة في الرِّكعتَيْن الأُولتَيْن، والسَّهْو في الرِّكعتَيْن الأخيرتَيْن)(5).

ومنها: رواية عَنْبَسة بن مصعب (قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: إذا شككتَ في الركعتَيْن الأُولتَيْن فأعِد)(6)، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة عَنْبَسة بن مصعب.

ومنها: رواية عامر بن جذاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: إذا سلَّمت الرِّكعتان الأُولتان سلَّمت الصَّلاة)(7)، وهي ضعيفة بعدم وثاقة عامر بن جذاعة، وبـ الحَكَم بن مسكين الواقع في طريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله إلى عامر، فإنَّه مهمل، إلى غير ذلك من الرِّوايات.

وفيه -مضافاً لِضَعْف أكثرها من حيث السَّند-: أنَّها ظاهرة في الشَّكّ بالنسبة للعدد، بل لو لم تكن ظاهرةً في ذلك لوجب تنزيلها عليه؛ للأدلَّة السَّابقة التي نصَّت على عدم البطلان، كصحيحة زرارة، والتي هي صريحة في شمولها للأُولتَيْن، والله العالم.

ثمَّ إنَّه ما المراد من (غيره) الذي يعتبر الدُّخول فيه في قاعدة التجاوز؟ فهل المراد منه مطلق (غيره)، سواء كان من الأجزاء، أو من المقدمات كالهوي إلى السُّجود، والنُّهوض إلى القيام؟

وأيضاً، هل يعتبر خصوص الأجزاء المستقلَّة، أم يشمل جُزْء الجُزء، كآخر السُّورة عند الشَّكّ في أوَّلها، وككلِّ آية بالنسبة إلى آية أخرى؟

وأيضاً، هل يشمل لفظ (غيره) الأجزاء المستحبَّة، كالقنوت ونحوه، أم يختصّ بالأجزاء الواجبة؟

وأيضاً، هل المضي على المشكوك فيه عزيمة، أم رخصة؟

وعليه، فيقع الكلام في أربعة أمور:

الأوَّل: ذهب الميرزا النائيني رحمه الله إلى عدم شمول القاعدة لجُزْء الجُزْء، وأنَّها مختصَّة بالأجزاء المستقلَّة بالتبويب التي رسم لكلٍّ منها باب على حِدَة عند تدوين كتاب الصَّلاة، كتكبيرة الإحرام والقراءة والرُّكوع والسُّجود والتشهُّد، ونحو ذلك.

فلو شكَّ المصلِّي في أوَّل السُّورة، وهو في آخرها، يلزمه الرُّجوع إليها، وإعادة السُّورة من أوَّلها.

وذهب كثير من الأعلام إلى عدم الاختصاص بالأجزاء المستقلَّة بالتبويب؛ ضرورة صعوبة التكليف بذكر قراءة أوَّل السُّورة مثلاً إذا كان في آخرها، لا سيَّما السُّوَر الطُّوَال، بل الإنسان في أغلب أحواله يعتريه السَّهْو وشغل الذِّهن، بحيث لا يفيق إلَّا وهو في جُزْء من أجزاء الصَّلاة، وجميع ما تقدَّم لا يعلم أنَّه وقع أو لم وقع، ولا كيف وقع.

ثمَّ إنَّ السِّرَّ فيما ذهب إليه الميرزا النائيني رحمه الله: هو أنَّه أرجع قاعدة التجاوز إلى قاعدة الفراغ، وقاعدة الفراغ مختصَّة بالشَّكِّ في الكلِّ، أي إنَّما تجري بعد الانتهاء من العمل المركَّب.

ومقتضى ذلك، أنَّه لا تجري التجاوز في الأجزاء أصلاً.

نعم، خرجنا عن ذلك في الأجزاء المستقلَّة في باب الصَّلاة؛ لِدليل خاصٍّ -وهو صحيح زرارة ، وصحيح إسماعيل بن جابر المتقدِّمتان- حاكم بتنزيل الجُزْء منزلة الكلِّ في جريان القاعدة، ويبقى الباقي، وهو جُزْء الجُزْء.

وحاصل ما ذكره: أنَّ شمول قوله عليه السلام: (كلًّ شيءٍ شُكَّ فيه ممَّا قد جاوزه ودَخَل في غيره فَلْيمضِ عليه)، للشَّكّ في الأجزاء، إنَّما كان بعناية التَّعبُّد والتنزيل، ولحاظ الأجزاء في المرتبة السَّابقة على التأليف، فإنَّه في تلك المرتبة يكون كلُّ جُزْء من أجزاء الصَّلاة، وأجزاء أجزائها من الآيات والكلمات، بل الحروف، شيئاً مستقلًّا في مقابل الكلِّ.

وأمَّا في مرتبة التأليف والتركيب، لا يكون الجُزْء شيئاً مستقلًّا، في مقابل الكلِّ، بل شيئيَّة الجُزْء تندكُّ في شيئيَّة الكلِّ.

وعليه، فدخول الأجزاء في عموم الشَّيء في عرض دخول الكلِّ، لا يمكن إلَّا بعناية التَّعبُّد والتنزيل.

ولا بدَّ من الاقتصار على مورد التنزيل، والمقدار الذي قام الدَّليل على التنزيل هو الأجزاء المستقلَّة بالتبويب، فإنَّ عمدة ما ورد في عدم الاعتناء عند الشَّكّ في أجزاء الصَّلاة هو صحيحة زرارة، وصحيحة إسماعيل بن جابر، والمذكور فيهما هو الأجزاء المستقلَّة بالتبويب، كتكبيرة الإحرام والقراءة والرُّكوع والسُّجود، ونحو ذلك.

وبالجملة، بعد ما كان الظَّاهر من صدر الرِّوايتَيْن هو الأجزاء المستقلَّة، فلا سبيل إلى دعوى عموم الشَّيء المذكور في الذَّيل لأجزاء الأجزاء، فإنَّ الصَّدر يقتضي تضييق دائرة مصبِّ عموم الشَّيء، وإطلاق (غيره) المذكور في الذَّيْل، فقد يعمُّ أدلَّة السُّورة وآخرها، أو أوَّل الآية وآخرها، وإلَّا كان ينبغي تعميمه لأوَّل الكلمة وآخرها، مع أنَّ الظاهر أنَّه لا قائل به.

فالقدر الثابت من الدَّليل: هو جريان قاعدة التجاوز في خصوص الأجزاء المستقلَّة بالتبويب، ولا تجري القاعدة عند الشَّكِّ في أوَّل السُّورة مع كون المكلَّف في آخرها، فضلاً عن الشَّكِّ في أوَّل الآية وهو في آخرها، أو أوَّل الذِّكْر وهو في آخرها؛ هذا حاصل ما ذكره.

_______

(1) الوسائل باب23 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

(2) الوسائل باب15 من أبواب السُّجود ح4.

(3و4) الوسائل باب13 من الرُّكوع ح5و2.

(5و6و7) الوسائل باب1 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح10و14و3.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo