< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/06/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(8)

وعلى الحالتين -أي سواء كانت أطرافه ثلاثة، أم لا- فقد يُقال: بصحَّة الصَّلاة وعدم وجوب قضاء السَّجدتَيْن؛ لقاعدة الشَّكّ بعد الفراغ، وأصالة براءة الذمَّة من التكليف بقضاء السَّجدتَيْن.

قال في الجواهر: (بل قد يُقال: بعدم وجوب قضائهما أيضاً، لِعدم صلاحيَّة أصالة الصّحَّة لتشخيص أنَّهما من ركعتَيْن؛ ضرورة الاكتفاء في تحقُّقه باحتمال أنَّهما من ركعتَيْن، لكنَّه لا يكفي في وجوب قضائهما؛ لِعدم تحقُّق فواتهما الذي هو موضوع القضاء، فاحتمال أنَّهما من ركعة واحدة كافٍ في سقوطه؛ ومن هنا احتمل الصِّحّة في المدارك والذَّخيرة، وعن الميسيَّة وغاية المرام ومجمع البرهان من غير ذكره لقضاء السجدتين...).

وفيه: أنَّ مقتضى الإنصاف: هو الجمع بين قضاء السَّجدتَيْن والإعادة؛ وذلك لِلعلم الإجمالي بأنَّ صلاته: إمَّا باطلة، أو أنَّ عليه قضاء المنسيِّ، وهذا العلم الإجمالي منجِّز للتكليف كالعلم التفصيلي، ولا معنى لإجزاء قاعدة الفراغ مع وجود هذا العلم؛ وإنَّما موردها الشَّكّ في الصحَّة والفساد.

هذا هو الإنصاف في المسألة، وهناك صُوَر أخرى لهذه المسألة، فيما لو حصل له العلم بترك السَّجدتَيْن قبل الفراغ من الصَّلاة، لسنا بحاجة لبحثها؛ لإمكان معرفتها ممَّا ذكرناه.

قوله: (وكذا يُعِيد لو شكّ في عدد الثنائيَّة والثلاثيَّة، أو في الأولتين من الرُّباعية، أو لم يحرزهما)

ليس مقصوده الشَّكّ في عدد الرَّكعات؛ لأنَّ هذا سيأتي -إن شاء الله تعالى- عند قوله: (ولو شكّ في عدد الأولين ...).

وإنما مقصوده: يعيد لو شكَّ في أنَّ الفائت سجدةً، أو سجدتَيْن في الرِّكعة الأُولى أو الأوليَيْن يقيناً.

ولكنَّ الإنصاف: عدم الإعادة لِقاعدة الفراغ؛ لأنَّه يُشَكُّ في الصّحَّة بعد الفراغ، ولم يُحْرَز ترك السَّجدتَيْن، كما في المسألة السَّابقة، بل يشكُّ في تَرْك الثانية؛ ولا فرق عندنا الأولتين وغيرهما في جميع أحكام السَّهْو، عدا العَدَد، كما سيأتي -إنْ شاء الله تعالى-.

 

قوله: (ولو شكَّ في فِعْلٍ أتى به في محلِّه، وبعده لا حكم له)

المعروف بين الأعلام أنَّه إذا شكّ في شيءٍ من أفعال الصَّلاة، فإنْ كان في موضعه أتى به، وإنِ انتقل مضى في صلاته، سواء كان ذلك الفعل ركناً أو غيره، وسواء كان في الأوليين أو الأخيرتين.

وفي المدارك: (هذا قول معظم الأصحاب...)، وفي الجواهر: (على الأشهر شهرةً كادت كون إجماعاً...)، وعن الشَّيخ المفيد رحمه الله في المقنعة أنَّه قال: (وكلُّ سَهْو يلحق الإنسان في الرِّكعتَيْن الأُولتَيْن من فرائضه فعليه الإعادة...)، وعن المحقِّق رحمه الله في المعتبر (أنَّه حكى عن الشَّيخ قولاً بوجوب الإعادة بكل شكٍّ يتعلَّق بكيفيَّة الأُولتَيْن كأعدادهما...).

أقول: يدلُّ على وجوب الإتيان بالمشكوك فيه قبل التجاوز عن محلِّه عدَّة من الرِّوايات:

منها: صحيحة أبي بصير (قال سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن رجل شكَّ -وهو قائم- فلا يدري أَرَكع، أم لم يَرْكَع، قال: يركعُ ويسجدُ)(1).

ومنها: صحيحة عبد الرَّحمان بن أبي عبد لله (قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: رَجُلٌ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، فَشَكَّ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ جَالِساً، فَلَمْ يَدْرِ أَسَجَدَ أَمْ لَمْ يَسْجُدْ؟ قَالَ: يَسْجُدُ، قُلْتُ: فَرَجُلٌ نَهَضَ مِنْ سُجُودِهِ، فَشَكَّ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِماً، فَلَمْ يَدْرِ أَسَجَدَ أَمْ لَمْ يَسْجُدْ؟ قَالَ: يَسْجُدُ)(2).

ومنها: حسنة الحلبي (قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ سَهَا، فَلَمْ يَدْرِ سَجْدَةً سَجَدَ، أَمِ اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: يَسْجُدُ أُخْرَى، وَلَيْسَ عَلَيْهِ -بَعْدَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ- سَجْدَتَا السَّهْوِ)(3).

ومنها: رواية أبي بصير (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ شَكَّ، فَلَمْ يَدْرِ سَجَدَ سَجْدَةً أَمْ سَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: يَسْجُدُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ‌ أنَّهما سَجْدتَان)(4)، ولكنَّها ضعيفة بمحمَّد بن سنان.

ومنها: رواية زيد الشحَّام عن أبي عبد الله عليه السلام (فِي رَجُلٍ شُبِّهَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً سَجَدَ أَوِ اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ: فَلْيَسْجُدْ أُخْرَى)(5)، وهي ضعيفة بالمفضَّل بن صالح.

ومنها: مفهوم الشَّرط في ذَيْل صحيحة زرارة الآتية (يا زرارة! إنْ خرجتَ مِنْ شَيءٍ، ثمَّ دخلتَ في غيرِه، فشكُّكَ ليس بشيءٍ)(6).

وأمَّا ما في صحيحة الفضيل بن يسار (قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: أَسْتَتِمُّ قَائِماً، فَلَا أَدْرِي رَكَعْتُ أَمْ لَا؟ قَالَ: بَلَى‌، قَدْ رَكَعْتَ فَامْضِ فِي صَلَاتِكَ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ)(7)، فقد حملها بعض الأعلام على إرادة القيام من السُّجود إلى ركعة أخرى.

قال الشَّيخ رحمه الله: (إنَّما أراد استتمُّ قائماً من السُّجود إلى ركعة أخرى، فيكون في الرُّكوع، وقد دخل في حال أخرى، فيمضي في صلاته...)، ولا بأس بهذا الحمل، فلا تكون معارضة للرِّوايات السَّابقة.

ويمكن حملها على كثير الشَّكّ -وكثير الشَّكّ لا يعتني بشكِّه- بقرينة الذَّيْل (فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ).

هذا تمام الكلام، فيما يدلُّ على وجوب الإتيان بالمشكوك فيه قبل التجاوز عن محلِّه.

____________

(1) الوسائل باب12 من أبواب الرُّكوع ح2.

(2) الوسائل باب15 من أبواب الرُّكوع ح6.

(3) الوسائل باب15 من أبواب الرُّكوع ح1.

(4و5) الوسائل باب15 من أبواب الرُّكوع ح3و2.

(6) الوسائل باب23 من الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

(7) الوسائل باب13 من أبواب الرُّكوع ح3.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo