< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/06/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(5)

الأمر الثاني: في قضاء التشهُّد، والمشهور بين الأعلام هو وجوب قضاؤه، وفي المدارك: (فهو قَوْل الأكثر ...)، وعن الخلاف والغنية والمقاصد العلية : (الإجماع عليه).

ولكنَّ صاحب الحدائق رحمه الله نزَّل كلمات الأعلام على التشهُّد الأوَّل، للتفصيل الواقع في كلامهم بكون الذُّكْرِ قبل الرُّكوع أو بعده؛ وذكر صاحب الرياض أنَّه لم يظهر قائل بالفرق بينهما.

ومثله المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى، حيث قال: (لا فرق بين التشهُّد الأوَّل، والأخير، في التدارك بعد الصَّلاة عند الجماعة في ظاهر كلامهم، سواء تخلَّل الحَدَث بينه وبين الصَّلاة أو لا).

وحُكِي عن الصَّدوقَيْن (رحمهما الله) والشَّيخ المفيد رحمه الله في العِزيَّة القول بأنَّه يُجزِئ التشهُّد الذي في سجدتي السَّهو عن القضاء، واختار هذا القول صريحاً صاحب الحدائق رحمه الله.

وحُكِي عن الكاتب ابن الجنيد رحمه الله القول بإعادة الصَّلاة لنسيان التشهُّد.

إذا عرفت ذلك، فنقول: استُدلَّ للمشهور القائل بوجوب القضاء بعدَّة أدلَّة:

منها: الإجماع المنقول، كما تقدَّم.

وفيه: ما عرفت من أنَّه غير حجَّة، وإنَّما يصلح للتأييد فقط.

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (أنَّه قَالَ: إِذَا نَسِيتَ شَيْئاً مِنَ الصَّلَاةِ رُكُوعاً أَوْ سُجُوداً أَوْ تَكْبِيراً، ثُمَّ ذَكَرْتَ، فَاقضِ الذي فاتَكَ سَهْواً..)[1] ، والاستدلال بهذه الصَّحيحة إنَّما هو بعموم الجواب.

ومثلها صحيحة حكم بن حكيم (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ينسى من صلاته ركعةً أو سجدةً أو الشَّي منها، ثمَّ يذكر بعد ذلك، فقال: يقضي ذلك بعينه، فقلتُ: أَيُعِيد الصَّلاة؟ فقال: لا)[2] .

وفيه: أنَّ شمول الصَّحيحتَيْن لوجوب قضاء سائر أجزاء الصَّلاة بالعموم، ولخصوص الرُّكوع والرِّكعة والتكبير بالنصِّ، ممَّا لم يقل به أحد، إذ كثير من أجزاء الصَّلاة لا تُقْضى، وعليه فالحكم بإجمالهما -في غير القدر المتيقَّن فيه- أَوْلى.

ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام (في الرَّجل يفرغ من صلاته، وقد نسي التشهد حتَّى ينصرف، فقال: إن كان قريباً رجع إلى مكانه، فيتشهَّد، وإلَّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهَّد فيه، وقال: إنَّما التشهُّد سنَّة في الصَّلاة)[3] .

وأشكل صاحب الحدائق رحمه الله بأنَّ هذه الصَّحيحة موردها التشهُّد الأخير، ومحلُّ الكلام في الرِّوايات وكلام الأصحاب إنَّما هو التشهُّد الأوَّل، للتفصيل الواقع في الرِّوايات بكون الذُّكْر قبل الرُّكوع، أو بعده.

ولكنْ ردَّ المحقِّق الهمداني رحمه الله على صاحب الحدائق رحمه الله: بأنَّ ماذكره مجرد دعوى، وإلَّا فنُدْرَة تحقُّق الفراغ مع نسيان التشهُّد الأخير لو لم تكن صالحةً لِصَرْفها إلى إرادة الأوَّل، فلا أقلّ مِنْ كونها موجبةً لِعدم انصراف السُّؤال إلى خصوص الثاني، كي ينزَّل عليه إطلاق الجواب.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ ما ذكره صاحب الحدائق رحمه الله هو الأقرب، وذلك لقوله عليه السلام في الصَّحيحة : (حتَّى ينصرف)، فإنَّ هذا يدلُّ على استمرار النسيان إلى زمن الانصراف، وهذا لا يكون إلَّا في التشهُّد الأخير، إذ لو أريد به التشهُّد الأوَّل لكان التقييد بقوله عليه السلام: (حتَّى ينصرف)، من اللغو الظاهر، وذلك لوجوب القضاء على القول به بمجرد الخروج عن المحلِّ بالدُّخول في ركوع الرِّكعة الثالثة، سواء تذكَّر بعد ذلك، أم استمرَّ النسيان إلى ما بعد الانصراف والخروج عن الصَّلاة.

نعم، الذي يرد على الصَّحيحة هو عدم دلالتها على وجوب القضاء بالمعنى المصطلح عليه، لإمكان تلافي التشهُّد بأنْ يرجع المصلِّي ويأتي به قبل الإتيان بالمنافي، ويكون السَّلام قبل التشهُّد واقعاً سهواً، وفي غير محلِّه، ومثله لا يُوجِب الخروج عن الصَّلاة، بل هو لا زال في أثنائها.

وعليه، فلا يدلُّ على وجوب القضاء بالمعنى المصطلح عليه.

ومنها: رواية علي بن أبي حمزة (قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه السلام: إِذَا قُمْتَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ، وَلَمْ تَتَشَهَّدْ، فَذَكَرْتَ قَبْلَ أَنْ تَرْكَعَ، فَاقْعُدْ فَتَشَهَّدْ، وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ حَتّى تَرْكَعَ، فَامْضِ فِي صَلَاتِكَ كَمَا أَنْتَ، فَإِذَا انْصَرَفْتَ سَجَدْتَ سَجْدَتَيْنِ لَا رُكُوعَ فِيهِمَا، ثُمَّ تَشَهَّدِ التَّشَهُّدَ الَّذِي فَاتَكَ)[4] .

وفيه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بعليِّ بن أبي حمزة البطائني، وبعدم وثاقة القاسم بن محمَّد الجوهري.

وثانياً: بما ذكره صاحب الحدائق رحمه الله، حيث قال: (وأمَّا رواية عليِّ بن أبي حمزة فهي وإنْ كان موردها التشهُّد الأوَّل إلَّا أنَّ ظاهرها أنَّ التشهُّد الذي بعد الفراغ إنَّما هو تشهُّد سجدتي السَّهو، وأنَّه يقصد به التشهُّد الذي فاته، فهي بالدَّلالة على خلاف مرادهم أنسب -إلى أن قال:- على أنَّ المفهوم من كلامهم أنَّ الواجب هو الإتيان بالأجزاء المنسيَّة أوَّلاً، ثم سجود السَّهو لها، ومقتضى هذه الرِّواية بناءً على ما يدعونه هو تقديم سجود السَّهو على قضاء الأجزاء، فلا يتمّ الاستناد إليها من هذه الجهة)، وما ذكره جيِّد.

والخلاصة إلى هنا: أنَّه لا يوجد دليل يدلُّ على وجوب قضاء التشهُّد بالمعنى المصطلح عليه.


[1] الوسائل باب23 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح7.
[2] الوسائل باب3 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح6.
[3] الوسائل باب7 من أبواب التشهُّد ح2.
[4] الوسائل باب26 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo