< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(1)

> كان قد تقدَّم سابقاً..

قوله: ([درس 51]

كلُّ مَنْ أخلَّ بركن أو شرط أَبْطَل صلاته، وإنْ كان سهواً، و كذا بواجب عَمْداً، وإنْ كان جاهلاً، إلَّا في الجهر و السرِّ، و كذا لو فعل ما يجب تركه)

اِعلم أنَّ الخَلَل الواقع في الصَّلاة إمَّا أنْ يكون عن عَمْد، أو سَهْو، أو شكٍّ؛ والمراد بالعَمْد: هو القَصْد مع تذكُّر المصلِّي أنَّه في الصَّلاة، وبحكمه ما إذا كان عن جَهْل بالحكم، إلَّا ما استُثني، كما ستعرف -إنْ شاء الله تعالى- سواء كان عن تقصير أو قُصُور.

والمراد بالسَّهو: هو عزوب المعنى عن القلب بعد خطوره بالبال؛ والمراد بالشك: ما تساوى طرفاه.

وأمَّا مع ترجيح أحدهما فهو بمنزلة العلم، من غير فرق بين ما لو تعلَّق بأجزاء الصَّلاة أو بعدد ركعاتها، ولا بين ما لو تعلَّق بالأوليين أو بالأخيرتين.

وبقي الكلام في الخَلَل الواقع اضطراراً، فإنَّه لا يدخل في أحد الثلاثة، وسيأتي حكمه -إن شاء الله تعالى-.

وكذا الخَلَل الواقع من سَبْق اللسان، فإنَّه لا يندرج في أحد الثلاثة أيضاً، وإنْ كان الظَّاهر عدم بطلان الصَّلاة به مع التدارك بالصَّحيح.

 

___________

_____________

 

إذا عرفت ذلك فنقول: أمَّا أحكام العَمْد، فمَنْ أخلَّ بشيءٍ من واجبات الصَّلاة عامِداً فقد أبطل صلاته، شرطاً كان ما أخلَّ به كالوضوء والتستُّر وطهارة الثَّوب والبَدَن، وكذا الطَّهارة الحدثيَّة، ونحو ذلك، أو جُزءاً من الصَّلاة، كالقراءة والسُّجود والرُّكوع ونحوها، أو كيفيَّةً، كالجَهْر والإخفات، أو تركاً، كالكلام والالتفات والقهقهة، ونحوها.

وفي المدارك: (وقد أجمع الأصحاب، وغيرهم، على أنَّ مَنْ أخلَّ بشي‌ء من شرائط الصَّلاة، أو واجباتها، عمداً، بطلت صلاته، لأنَّ الإخلال بالشَّرط إخلال بالمشروط، والإخلال بالجُزء أو الكيفيَّة إخلال بالحقيقة المجموعة من الأجزاء، فلا يكون المُخِلِّ بأحدهما آتياً بالصَّلاة على الوجه المأمور به، كما هو ظاهر....).

والخلاصة: أنَّ الحكم ببطلان الصَّلاة في الصُّورة المفروضة من القضايا التي قياساتها معها، فلا تحتاج إلى الاستدلال.

نعم، قد عرفت أنَّه لا بدَّ في العامِد من تذكُّر كونه في الصَّلاة، فمَنْ تكلَّم عامِداً غافلاً عن كونه في الصَّلاة، فإنَّه ليس من العامِد في شيء.

وأَوْلى منه ما لو زعم نفسه أنَّه خارج عن الصَّلاة، وإلَّا لوجب الحكم بفساد صلاةِ مَنْ سلَّم زاعِماً الإتمام.

ثمَّ إنَّه كما تبطل صلاته بما ذكرناه تبطل أيضاً بفِعْل ما يجب تركه، أو ترك ما يجب فعله جهلاً بوجوبه، سواء كان عن تقصير أو قُصُور، فإنَّه كالعامِد.

وفي مصباح الفقيه: (بلا خلاف فيه على الظَّاهر، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، إذ القُصُور يجعله معذوراً من حيث المؤاخَذة، لا أنَّه يجعل فِعْله موافقاً للأمر كي يترتَّب عليه آثاره الوضعيَّة، فهو غير آتٍ بالمأمور به على وجهه، فلا يكون مجزِئاً وإنْ كان معذوراً على تقدير القُصُور...).

أقول: لا إشكال في البطلان بالنسبة للأركان، وإنَّما الكلام في غير الأركان لو فعل ما يجب تركه، أو ترك ما يجب فعله، جهلاً بالوجوب، فعن جماعة كثيرة من الأعلام هو البطلان، لأنَّه غير آتٍ بالمأمور به على وجهه، فلا يكون مجزِئاً.

واحتمالُ اكتفاءِ الشَّارع بالفعل الناقص بدلاً عن التَّامِّ في إسقاط طلبه، يحتاج إلى دليل، وهو منفي في المقام.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ الدَّليل موجود، وهو صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قَالَ:لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ إِلَّا مِنْ خَمْسَةٍ: الطَّهُورِ، وَالْوَقْتِ وَالْقِبْلَةِ، وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ...)(1)، فإنَّه يشمل النَّاسي والسَّاهي والجاهل القاصر، دون المقصِّر، فإنَّه ملحق بالعالِم، إلَّا ما استُثني لدليلِ خاصٍّ، كما في مسألة الجهر والإخفات المتقدِّمة، والتي سنشير إليها -إنْ شاء الله تعالى-، وكذا غيرها ممَّا تقدَّم، مثل ما لو أتمَّ في موضعِ التقصير جاهلاً بأصل التقصير، ولو كان ذلك عن تقصير منه.

والخلاصة: أنَّ الحديث الشَّريف يشمل الجاهل القاصِر والنَّاسِي والسَّاهي، خلافاً للمحقِّق الهمداني رحمه الله، حيث خصَّه بالنَّاسي والسَّاهي.

وقد ذكر رحمه الله أنَّ صحيحة زرارة لم يقصد بها نفي الإعادة -بالإخلال بما عدا الخمسة- على الإطلاق، بحيث يصحُّ التمسُّك بإطلاقها للمدَّعى، إذ الإخلال العمدي غير مراد منها قطعاً، فيدور أمرها بين أن يكون المراد بها الإخلال غير العمدي مطلقاً، بحيث يعمّ ما نحن فيه، أو الإخلال الصَّادر عن سَهْو ونسيان، كما فهمه الأصحاب، ولا معيِّن لإرادة الأوَّل، فيتعيَّن قَصْره على خصوص النَّاسي والسَّاهي، إبقاءً للأدلَّة المنافية له على ظواهرها .

ثمَّ استثنى من عدم الشُّمول للجاهل المجتهد المخطئ في اجتهاده ومقلِّدِيه.

قال: (تنبيه: ليس من الجاهلِ -الذي ادَّعينا انصراف النَّصّ أو صَرْفه عنه، والإجماع على أنَّه كالعامد- المجتهدُ المخطِئ في اجتهاد ومقلّدُوه، فإنَّه لو لم نقل بأنَّه من أظهر الموارد التي يفهم من النَّصِّ معذوريَّتها، فلا يبعد دعوى استفادة حكمه منه بالفحوى، فَلْيُتأمَّل).

أقول: وبذلك تقلُّ فائدة الخلاف بيننا وبينه.

وممَّن خصَّه أيضاً بالنَّاسي والسَّاهي الميرزا النَّائيني رحمه الله، وذلك لأنَّ حديث لا تُعَاد ناظر إلى مَنْ هو مكلَّف بالإعادة، أو بعدمها.

وهذا إنَّما يتصوَّر فيما إذا لم يكن مكلَّفاً بأصل الفعل حتَّى يتمحَّض الخطاب المتوجِّه إليه بالإعادة، وليس ذاك إلَّا النَّاسي والسَّاهي، حيث إنَّه من أجل عجزه وعدم قدرته يستحيل تكليفه بأصل الصَّلاة المشتملة على الجُزْء المنسي، والتكليف الواقعي ساقط عنه لامتناع توجيه الخطاب نحو النَّاسي بما هو كذلك، فلا يحكم في حقِّه إلَّا بالإعادة أو بعدمها، لا بنفس العمل، فيشمله الحديث.

وأمَّا الجاهل، فهو محكوم بنفس العمل ومكلَّف بأصل الصَّلاة، لِعدم سقوط الحكم الواقعي في ظَرْف الجهل، كما هو ساقط في ظَرْف النسيان؛ غايته أنَّه غير منجَّز في حقِّه، والعقاب موضوع عنه.

وأمَّا الحكم الواقعي فهو باقٍ على حاله، فهو مكلَّف بنفس الصَّلاة لا بالإعادة، ولأجله كان الحديث منصرفاً عنه.

ويرد عليه: أنَّ الجاهل القاصِر كان مكلَّفاً مثلاً حين القراءة بالسُّورة، لكنَّه حينما ركع سقط عنه التكليف بها لِتجاوز المحلِّ، فيُقال له: أعِد أو لا تُعِد، فهو مثلاً مكلَّف إمَّا بالإعادة أو بعدمها، وإن كان سابقاً مكلَّفاً بنفس الفعل، لكنَّه لا أثر له بعد سقوطه وتبدُّله إلى التكليف بالإعادة.

ثمَّ إنَّه قد ذكرنا الجواب بالتفصيل في علم الأصول عند الكلام عن تَرْك الجُزْء سهواً.

وأمَّا المحقِّق الهمداني رحمه الله فبما أنَّه استثنى من الجاهلِ الملحقِ بالعامدِ المجتهدَ المخطِئ ومقلِّدِيه فينعدم الخلاف بيننا وبينه تقريباً، فلا حاجة لإتعاب النَّفس للردِّ عليه.

ثمَّ إنَّه استثنى الأعلام مسألتَيْن، وحكموا فيهما بصحَّة المأتي به حال الجهل، ولو عن تقصير:

الأُولى: الجَهْر بالقراءة في موضوع وجوب الإخفات وبالعكس، جهلاً بالحكم ولو عن تقصير، حيث دلَّت النصوص الكثيرة على الصِّحَّة مع الجهل بالحكم ولو عن تقصير، منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (فِي رَجُلٍ جَهَرَ فِيمَا لَا يَنْبَغِي الْإِجْهَارُ فِيهِ، أَوْ (و) أَخْفَى فِيمَا لَا يَنْبَغِي الْإِخْفَاءُ فِيهِ، فَقَالَ: أَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ مُتَعَمِّداً فَقَدْ نَقَضَ صَلَاتَهُ، وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِياً أَوْ سَاهِياً أَوْ لَا يَدْرِي فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ)(2).

الثانية: الإتمام في موضوع وجوب القصر، ولا عكس.

فالمعروف بين الأعلام أنَّه إذا صلَّى تماماً في موضع وجوب القصر جهلاً بالحكم، ولو عن تقصير، فلا يعيد في الوقت إذا علم، فضلاً عن عدم وجوب القضاء إذا علم خارج الوقت.

وتدلُّ عليه الرِّوايات الكثيرة:

منها: صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم (قَالا: قُلْنَا لِأَبِي جَعْفَرٍ ’: رَجُلٌ صَلَّى فِي السَّفَرِ أَرْبَعاً، أَيُعِيدُ أَمْ لَا؟ قَالَ: إِنْ كَانَ قُرِئَتْ عَلَيْهِ آيَةُ التَّقْصِيرِ، وَفُسِّرَتْ لَهُ، فَصَلَّى أَرْبَعاً أَعَادَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرِئَتْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْلَمْهَا فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ‌)(3).

هذا إذا كان الجهل بأصل الحكم كأنْ لا يعلم أنَّه يجب عليه التفصيل في السَّفر.

وأمَّا إن كان عالماً بأصل الحكم وجاهلاً ببعض الخصوصيَّات الموجبة للقَصْر، مثل أنَّ العاصي في سفره يقصِّر إذا رجع إلى الطَّاعة، ونحو ذلك، أو كان جاهلاً بالموضوع بأنْ لا يعلم أنَّ ما قصده مسافة، فأتمَّ فتبيَّن له أنَّه مسافة، أو كان ناسياً للسَّفر، أو ناسياً أنَّ حكم المسافر القصر فأتمَّ، فإنْ علم أو تذكَّر في الوقت أعاد، وإن علم أو تذكَّر بعد خروج الوقت فالظَّاهر عدم وجوب القضاء عليه. وذلك لِصحيحة العيص بن القاسم (قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ صلَّى -وهو مسافر- فأتمَّ الصَّلاة، قال: إن ْكان في وقتٍ فَلْيُعِدِ الصَّلاة، وإنْ كان الوقتُ قد مضى فلا)(4).

_____________

(1) الوسائل باب1 من أبواب قواطع الصَّلاة ح3.

(2) الوسائل باب26 من أبواب القراءة « ي الصَّلاة ح1.

(3) الوسائل باب17 من أبواب صلاة المسافر ح4.

(4) الوسائل باب17 من أبواب صلاة المسافر ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo