< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بقية الصَّلوات المستحبَّة(7)

فائدتان: الأولى: قال صاحب الحدائق رحمه الله: (المستفاد من الأخبار استحباب الاستخارة لكلِّ شيءٍ، وتأكُّدها حتَّى في المستحبَّات، وإنَّ الأفضل وقوعها في الأوقات الشَّريفة والأماكن المنيفة، والرِّضا بما خرجت به وإن كرهته النَّفس؛ وممَّا يؤكِّد هذا ما رواه ابن طاووس بأسانيد عن الصَّادق عليه السلام: قال: كنَّا نتعلَّم الاستخارة كما نتعلَّم السُّورة من القرآن، ثمَّ قال: ما أبالي إذا استخرت الله على أيِّ جنبي وقعتُ، وفي رواية أخرى: على أيِّ طريق وقعتُ؛ وروى البرقي في المحاسن عن محمَّد بن مضارب، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: مَنْ دخل في أمر بغير استخارة، ثمَّ ابتُلِي لم يؤجَر؛ ورواه ابن طاووس بأسانيد عديدة، و فيه دلالة على ذمِّ تارك الاستخارة في الأمور التي يأتي بها؛ وروى في المحاسن أيضاً عنه عليه السلام أنَّه قال: قال الله عزَوجل: من شقاء عبدي أنْ يعمل الأعمال فلا يستخيرني؛ وروى في المحاسن أيضاً بإسناده عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابه، قال: قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام مَنْ أكرم الخلق على الله؟ قال: أكثرهم ذكراً لله، و أعملهم بطاعته، قلتُ: مَنْ أبغض الخلق الى الله؟ قال من يتهمِ الله، قلت: وأحد يتهم الله؟ قال: نعم، مَنِ استخار الله فجاءته الخِيرة بما يكره فسخط، فذلك الذي يتهم الله؛ وروى الشَّيخ في التهذيب عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جدِّه عن عليٍّ عليه السلام قال: قال الله عزَّوجل: إنَّ عبدي يستخيرني فأخير له فيغضب).

أقول: ما ذكره رحمه الله -مضافاً للرِّوايات المتقدِّمة- موافق للأصل، بل عليه أغلب الأعلام، إنْ لم يكن كلُّهم.

أمَّا الرِّواية الأولى التي نقلها عن ابن إدريس(1): فهي ضعيفة بجهالة شهاب بن محمَد بن عليٍّ الحارثي، وجهالة جعفر بن محمَّد بن معلَّى، وجهالة إدريس بن محمَّد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن.

والرواية الثانية -أي قوله: (وفي رواية أخرى)-: فهي موثَّقة عبد الله بن ميمون القدَّاح عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: ما أبالي إذا استخرتُ الله على أيِّ طريقٍ وقعنا، قال: وكان أبي يعلِّمني الاستخارة كما يعلِّمني السُّورة من القرآن)(2).

والرواية الأُولى(3) عن المحاسن: ضعيفة بعدم وثاقة محمَّد بن مضارب، ولكنَّها صحيحة بطريق ابن طاووس(4).

والرواية الثانية في المحاسن(5): ضعيفة بالإرسال.

والرواية الثالثة(6) في المحاسن: ضعيفة بالإرسال أيضاً.

ورواية الشَّيخ رحمه الله في التهذيب(7): ضعيفة بجهالة عيسى بن عبد الله وأبيه عبد الله وجدِّه مالك، وضعيفة أيضاً بالإرسال.

الفائدة الثانية: قال في الحدائق: (المفهوم من ظواهر الأخبار الواردة في الاستخارة أنَّ صاحب الحاجة هو المباشر للاستخارة، ولم أقفْ على نصٍّ صريح أو ظاهر في الاستنابة فيها، إلَّا أنَّ مَنْ عاصرناهم من العلماء كلّهم على العمل بالنيابة؛ ولم أقفْ أيضاً في كلام أحد من أصحابنا على مَنْ تعرَّض للكلام في ذلك، إلَّا على كلام المحقِّق الشَّريف مُلَّا أبى الحسن العاملي المجاور بالنَّجف الأشرف حيّاً و ميتاً، في شرحه على المفاتيح، وشيخنا أبى الحسن الشَّيخ سُلِيمان البحراني في كتاب الفوائد النجفيَّة؛ أمَّا الأوَّل منهما فإنَّه قال في بحث صلاة الاستخارة: ثمَّ لا يخفى أنَّ المستفاد من جميع ما مَرَّ أنَّ الاستخارة ينبغي أن تكون ممَّن يريد الأمر، بأنْ يتصداها هو بنفسه، و لعلَّ ما اشتهر من استنابة الغير على جهة الاستشفاع، وذلك وإنْ لم نجد له نصّاً إلَّا أنَّ التجربات تدلُّ على صحَّته).

أقول: الأقوى هو جواز الاستنابة فيها، لأنَّ الاستخارة مشاورة، ولا ريب في صحة النيابة فيها، كما استشار ابن الجهم أبا الحسن عليه السلام لابن أسباط، في موثَّقة ابن فضال (قَالَ: سَأَلَ الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام لِابْنِ أَسْبَاطٍ، فَقَالَ: مَا تَرى لَهُ -وَابْنُ أَسْبَاطٍ حَاضِرٌ وَنَحْنُ جَمِيعاً- نَرْكَبُ (يَرْكَبُ) الْبَرَّ أَوِ الْبَحْرَ إِلى مِصْرَ؟ فَـأَخْبَرِهُ بِخَيْرِ طَرِيقِ الْبَرِّ، فَقَالَ: الْبَرُّ، وَائْتِ الْمَسْجِدَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَاسْتَخِرِ اللهَ مِائَةَ مَرَّةٍ، ثُمَّ انْظُرْ أَيُّ شَيْ‌ءٍ يَقَعُ فِي قَلْبِكَ فَاعْمَلْ بِهِ، وَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: الْبَرُّ أَحَبُّ إِلَيَّ (لَهُ)، قَالَ لَهُ: وَإِلَيَّ)(8).

وأيضاً فإنَّ الاستخارة بجميع معانيها ترجع إلى الطلب، ومِنَ المعلوم أنَّ مَنْ يريد طلب حاجة من سلطان عظيم فإنَّ الأرجح والأنجح في حصولها أنْ يوسِّط بعض القريبين إلى حضرة ذلك السُّلطان في سؤالها.

وعليه، فبما أنَّ الاستخارة بجميع معانيها لا تنفكّ عن الخضوع إلى الله تعالى، وعنِ السُّؤال في أنْ يُرشِده إلى ما فيه صلاحه، فيكون مرجع الاستنابة فيها إلى التوسُّل ممَّنْ يراه أقرب إلى الله تعالى في إجابة دعائه، بأنْ يسأل الله تعالى ذلك الشَّخص أنْ يبيِّن ما فيه صلاحه بما وضعه ذلك الشَّخص علامةً له.

وأيضاً فإنَّ إطلاقات الوكالة وعموماتها تشمل الاستخارة، فإنَّ كلَّ ما يصحُّ مباشرته يصحُّ التوكيل فيه، إلَّا في موارد مخصوصة منصوص عليها، ليس منها هذا المورد، والله العالم.

قوله: (والتَّوبة)

لم يذكر الأعلام صلاة التَّوبة، ولم يذكرها المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى، وصلاة التَّوبة مرويَّة في كتب العامَّة، ولم ترد من طرقنا، وقد رُوِي عن ابن الجوزي في كتبه الموضوعات عن أبي ذرّ (قيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)! كيف ينبغي للمذنب أنْ يتوب من الذُّنوب؟ قال: يغتسل ليلة ليلة الإثنين بعد الوتر، ويصلِّي اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كلِّ ركعة بفاتحة الكتاب...)(9)، ولا يخفى ضعفها.

______________

_________

(1) الوسائل باب1 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها ح10.

(2) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها ح9.

(3)(4) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها ح1و7.

(5)و(6) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها ح2و3.

(7) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها ح6.

(8) الوسائل باب1 من ابواب صلاة الاستخارة وما يناسبها ح4.

(9) الموضوعات لابن الجوزي: ج2، ص134و135.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo