< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بقية الصَّلوات المستحبَّة(1)

ذكر سماحته دام ظله صلاة ليلة الفطر، والصلاة الكاملة يوم الجمعة، عند انتهائه من صلاة جعفر عليه السَّلام، وأمَّا بقية الصَّلوات المستحبة:

قوله: (وصلاة ليلة النِّصف من شَعْبَان)

وفي الجواهر: (وعن مجمع البرهان أنّها مشهورة...)، وقال الشَّيخ رحمه الله في المصباح: قال: (ورواه عنهما ثلاثون رجلاً ممَّنْ يوثق بهم قالا: وإذا كان ليلة النِّصف من شعبان فصلِّ أربع ركعات، تقرأ في كلِّ ركعة الحمد مرَّةً، وقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ مائةَ مرَّةٍ، فإذا فرغت فقل: اللَّهمَّ! إنِّي إليك فقير، ومنك خائف، وبك مستجير، ربِّ لا تُبدِّل اسمي، ولا تغيِّر جسمي! ربِّ لا تجهد بلائي، اللَّهم! إنِّي أعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ برحمتك من عذابك، وأعوذ بك منك لا إله إلَّا أنت، جلَّ ثناؤك ولا أحصي مدحتك ولا الثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وفوق ما يقول القائلون...)(1)، ولم يذكر الشَّيخ رحمه الله إسناده إلى أبي يحيى الصَّنعاني، والذي هو عمر بن توبة غير الموثَّق.

وظاهر عبارة الشَّيخ رحمه الله في المصباح أنَّ الثلاثين رَوَوا مباشرةً عن الإمامَيْن عليه السلام، ولكن مَنْ يروي عن الثلاثين مجهول الحال.

ورواها الكُلَيْني رحمه الله عن عليِّ بن محمَّد رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام وهي ضعيفة بالرَّفع، ورواها الشَّيخ المفيد رحمه الله في مسار الشِّيعة مرسلاً.

قوله: (وصلاة الغدير)

المعروف بين الأعلام المتقدمِين منهم -عدا الشَّيخ الصَّدوق وشيخه ابن الوليد رحمهما الله- والمتأخِّرين هو استحباب صلاة يوم الغدير، وهو الثامن عشر من ذي الحِجَّة قبل الزَّوال بنصف ساعة؛ وذكر المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى: (أنَّها مشهورة بين الأصحاب).

أقول: قدِ استُدلَّ لذلك برواية عليِّ بن الحسين العَبْدِي (سمعتُ أبا عبد الله الصَّادق عليه السلام يقول: صيام يوم غدير خُمٍّ يعدل صيام عمر الدُّنيا -إلى أن قال:- وهو عيد الله الأكبر، وما بعث الله نبيّاً إلَّا وتعبَّد في هذا اليوم وعرف حرمته، واسمه في السَّماء يوم العهد المعهود، وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود، ومَنْ صلَّى فيه ركعتين يغتسل عند الزَّوال من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة، يسأل الله -عزَّوجل- يقرأ في كلِّ ركعةٍ سورةَ الحمدِ مرَّةً، وعشرَ مراتٍ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ، وعشر مرات آية الكرسي، وعشر مرات إِنَّاْ أَنْزَلْنَاْه، عدلت عند الله -عزَّوجل- مائةَ ألفٍ حجَّةً، ومائةَ ألفِ عُمْرةٍ، وما سأل الله -عزَّوجل- حاجة من حوائج الدُّنيا وحوائج الآخرة إلَّا قُضِيَت، كائناً ما كانت الحاجة، وإنْ فاتتك الرِّكعتان والدُّعاء قضيتَهما بعد ذلك)(2)، وهي ضعيفة بمحمَّد بن موسى الهمداني، وجهالة عليِّ بن الحسين العَبْدِي.

قال صاحب الجواهر: (وكيف كان فلا خلاف أجده في هذه الصَّلاة بين قدماء الأصحاب ومتأخِّريهم، كما عن بعضهم الاعتراف به، عدا ما في الفقيه من أنَّ شيخنا محمَّد بن الحسن بن الوليد -رضي‌الله‌عنه- كان لا يصحِّح هذا الخبر، وكان يقول: إنَّه من طريق محمَّد بن موسى الهمداني، وكان كذَّاباً غير ثقة، وكلَّما لم يصحِّحه ذلك الشَّيخ، ولم يحكم بصحته من الأخبار، فهو عندنا متروك غير صحيح...).

وقد يستدلّ أيضاً بما في المصباح المتهجِّد قال: (وروى داود بن كثير الرقِّي عن أبي هرون عمَّار بن حريز العَبْدِي (قال: دخلتُ على أبي عبد الله عليه السلام في يوم الثامن عشر من ذي الحجَّة فوجدته صائماً، فقال لي: هذا يوم عظيم، عظم الله حرمته على المؤمنين، وأكمل لهم فيه الدِّين -إلى أن قال:- وإنَّ صومَه يعدل ستين شهراً من أشهر الحرم، ومن صلَّى فيه ركعتين أي وقت شاء، وأفضله قرب الزَّوال، وهي السَّاعة التي أُقِيم فيها أمير المؤمنين بغدير خُمِّ عَلَماً للنَّاس...)(3)، وهي ضعيفة بداود بن كثير الرقِّي، وجهالة أبي هارون عمَّار بن حريز العَبْدِي؛ كما أنَّ الشَّيخ لم يذكر طريقه في المصباح إلى داود، فتكون مرسلةً أيضاً، وطريقه إليه في الفهرست ضعيف؛ وأيضاً فإنَّ هذه الرِّواية لم تشتمل على كيفيَّة الصَّلاة، وإنَّما دلَّتْ على صلاة ركعتين مطلقاً.

هذا، وقد حكى عن جملة من الأصحاب القول باستحباب الجماعة في هذه الصَّلاة.

ونقل العلَّامة رحمه الله في المختلف عن أبي الصَّلاح أنَّه قال في صفة صلاة الغدير: (ومن وكيد السنّة الاقتداء برسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في يوم الغدير، وهو الثامن عشر من ذي الحجَّة بالخروج الى ظاهر المِصْر، وعقد الصَّلاة قبل أنْ تزول الشَّمس بنصف ساعة لِمَنْ تتكامل له صفات إمام الجماعة، بركعتين يقرأ في كلّ ركعة منهما الحمد مرَّةً وسورةَ الإخلاصِ عشراً، وسورةَ القدرِ عشراً، وآيةَ الكرسيّ عشراً، ويقتدي به المؤتمّون، وإذا سلّم دعا بدعاء هذا اليوم ومَنْ صلّى خلفه، و ليصعد المنبر قبل الصَّلاة فيخطب خطبةً مقصورةً على حمد اللّه تعالى، والثناء عليه، والصَّلاة على محمَّد وآله الطَّاهرين، والتنبيه على عظيم حرمة يومه، و ما أوجب اللّه فيه من امامة أمير المؤمنين رحمه الله، و الحثّ على امتثال مراد اللّه سبحانه ورسوله (صلّى اللّه عليه و آله) و لا يبرح أحد من المأمومين والامام يخطب، فاذا انقضت الخطبة تصافحوا وتهانؤوا وتفرقوا...).

وقد علَّق العلَّامة رحمه الله على كلام الحلبي، بأنه لا يخفى أنَّ كلامه متضمن لجملة من الأحكام لا دليل عليها يعتدّ به، كاستحباب الجماعة فيها، وكالخروج إلى الصَّحراء، فإنَّه لا دليل له سوى أنَّ النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) فعلها كذلك في ذلك اليوم، ولكن لا تشمله حينئذٍ أدلَّة التأسِّي قطعاً، بل هو كأفعاله العاديَّة.

وأيضاً استحباب الخطبة لا دليل عليها صريحاً، إلَّا أنَّه لا بأس بذلك لأنَّها ذِكْر الله سبحانه، وأنَّها تمجيد وتحميد وذكر الله ورسوله وآله، وصلاة عليهم وموعظة، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، ونحو ذلك.

ثمَّ إنَّ الأَولى مراعاةُ الترتيب في الرِّواية سورة التوحيد عشر مرات بعد الحَمْد، وعشر مرات آية الكرسي، إلى آخر كلام العلَّامة رحمه الله في المختلف.

ولكن الإنصاف: أنَّه لا يجب ذلك، لأنَّ (الواو) لمطلق الجمع، وهي لا تفيد الترتيب كما هو معلوم.

وعليه، فهو مخيَّر في التقديم والتأخير، وإنْ كان الأَولى مراعاة ما في الرِّواية، كما تقدَّم، والله العالم.

__________

(1) مصباح المتهجد ص726، والوسائل باب8 من أبواب بقية الصَّلوات المندوبة ح2.

(2) الوسائل باب3 من أبواب بقيَّة الصَّلوات المندوبة ح1.

(3) الوسائل باب3 من أبواب بقيَّة الصَّلوات المندوبة ح2، ومصباح المتهجّد: ص680.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo