< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/05/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة النبي وآله(2)

أقول: يدلّ على ما ذكره المشهور رواية المفضَّل بن عمر المتقدِّمة، حيث ورد فيها: (فأمَّا صلاةُ أمير المؤمنين عليه السلام فإنَّه يقرأ فيها بالحمد في كلِّ ركعة، وخمسينَ مرَّةً قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ويقرأ في صلاة ابنة محمَّد (صلى الله عليه وآله) في أوَّلِ ركعةٍ الحمدَ وإِنَّا أَنزَلْنَاهُ في ليلة القدر مائةَ مرَّةٍ، وفي الرِّكعة الثانية الحمدَ وقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ مائةَ مرَّةٍ، فإذا سلَّمت في الرِّكعتَيْن سبِّح تسبيحَ فاطمةَ (الزَّهراء) عليها السَّلام...)(1)، والرِّواية ضعيفة كما عرفت.

ثمَّ إنَّ عدم ذِكْر التشهُّدَيْن والتسليمتَيْن في الرِّواية، بالنسبة لصلاة أمير المؤمنين عليه السلام، لا يضرّ في المقام، ولعلَّه للعِلْم بهما، كعدم ذِكْر الرُّكوع والسُّجود، وذلك لِوضوح تثنية النَّوافل إلَّا ما استُثني.

وفي صحيحة عبد الله بن سنان في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: مَنْ توضَّأ وأسبغ الوضوء، وافتتح الصَّلاةَ، فصلَّى أربعَ ركعاتٍ، يفصل بينهنَّ بتسليمة، يقرأ في كلِّ ركعةٍ فاتحةَ الكتاب، وقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ خمسينَ مرَّةً، انفتل حين ينفتل وليس بينه وبين الله عزَّوجل ذنب إلَّا غفره له)(2)، ولكنْ لم يذكر فيها أنَّها صلاة أمير المؤمنين عليه السلام، أو صلاة فاطمة عليها السَّلام.

نعم، في المصباح للشَّيخ الطُّوسِي رحمه الله قال: (رُوِي عن الصَّادق عليه السلام جعفر بن محمَّد أنَّه قال: من صلَّى منكم أربعَ ركعاتٍ، صلاة أمير المؤمنين عليه السلام، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه، وقُضِيتْ حوائجُه، يقرأ في كلِّ ركعةٍ الحمد مرَّةً، وخمسينَ مرَّةً قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ، فإذا فرغ منها دعا بهذا الدُّعاء -وذكر الدُّعاء-...)(1)، وهي ضعيفة بالإرسال.

وفي رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: مَنْ صلَّى أربعَ ركعاتٍ، يقرأ في كلِّ ركعة بخمسين مرَّة قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ كانت صلاة فاطمة، وهي صلاة الأوَّابِين)(2)، ولكنَّها ضعيفة بجهالة المظفَّر بن جعفر العلوي، وعدم وثاقة جعفر بن محمَّد بن مسعود، إذ لم يُمْدح مَدْحاً معتدّاً به، الواقعَيْن في إسناد الصَّدوق رحمه الله إلى محمَّد بن مسعود العياشي، كما أنَّها ضعيفة بجهالة عبد الله بن محمَّد ومحمَّد بن إسماعيل، وابن سماك.

وحكى الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الفقيه عن محمَّد بن الحسن بن الوليد (أنَّه كان يروى هذه الصَّلاة وثوابها، إلَّا أنَّه كان يقول: إنِّي لا أعرفها بصلاة فاطمة، وأمَّا أهلُ الكوفةِ فإنَّهم يعرفونها بصلاة فاطمة).

وحكى في الوسائل عن الشَّيخ الطوسي رحمه الله في المصباح، أنَّه قال: (ورُوِى أنَّها -أي صلاة فاطمة- أربع ركعات، مثل صلاة أمير المؤمنين عليه السلام، كلّ ركعة بالحمد مرَّة، وخمسين مرَّة قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)(3).

قال صاحب الوسائل: (لا مانع من الجمع بأنْ يكون لها صلاتان).

أقول: لم أجد هذا الكلام في المصباح، والعِلْم عند الله -سبحانه وتعالى-؛ وعلى فَرْض وجود هذه الرِّواية فهي مرسلة.

 

قوله: (وصلاةُ الحَبْوَة لجعفر عليه السلام أربع ركعات بتسليمتَيْن، يقرأ في الأُولى الزَّلْزَلة، وفي الثانية والعاديات، وفي الثالثة النصر، و في الرَّابعة الإخلاص، كلّ ذلك مع الحمد، ثمّ يقول: سبحان اللّه، و الحمد للّه، ولا إله إلّا اللّه، واللّه أكبر، خمسَ عشرةَ مرَّة، ثمّ يقولها في ركوعه وسجوده والرَّفع من كلٍّ منهما عشراً، فذلك ثلاثمائة)

هذه الصَّلاة تُسمَّى صلاة جعفر الطيَّار، وتُسمَّى أيضاً صلاةَ الحَبْوَة، وصلاةَ التسبيح، وفي المدارك: (استحباب هذه الصَّلاة ثابت بإجماع علماء الإسلام إلَّا من شذ من العامة حكاه في المنتهى، والأخبار بها مستفيضة...).

وفي الجواهر: (قد تظافرت الأخبار باستحبابها المجمع عليه، كما عن المنتهى وظاهر المعتبر، بل عن غيرهما أنَّه من المتَّفق عليه بين علماء الإسلام إلَّا نادراً، وعن آخر أنَّها مشهورة بين الخاصَّة والعامَّة، وبلغت الأخبار بها التَّواتر، والأئمَّة (صلوات الله عليهم) كانوا يصلّونها، ولعلّ المراد بالنَّادر أحمد، فإنَّه قد حُكِي عنه عدم استحبابها، ولا ريب في شذوذه وبطلانه).

أقول: قد تسالم المسلمون على مشروعيَّة هذه الصَّلاة، بل استحبابها مؤكَّد، وأَجْرها عظيم.

وقد ورد فيها أخبار كثيرة بلغت حدّ التواتر، وهذا يدلُّ على شدَّة الاهتمام بها، وفي بعض الرِّوايات التي سنذكرها -إن شاء الله تعال- أنَّ الإمام الرِّضا عليه السلام كان يداوم على فِعْلها، حيث إنَّه عليه السلام كان يصلِّي في آخر اللَّيل أربعَ ركعاتٍ بصلاة جعفر عليه السلام، ويحتسبها من صلاة اللَّيل.

ومهما يكن، فالرِّوايات الواردة فيها متواترة، تبلغ فوق الخمسين والعِشْرين رواية:

منها: حسنة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌) لِجَعْفَرٍ: يَا جَعْفَرُ! أَلَا أَمْنَحُكَ؟ أَلَا أُعْطِيكَ؟ أَلَا أَحْبُوكَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: بَلى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ‌ يُعْطِيهِ ذَهَباً أَوْ فِضَّةً، فَأَشْرَفَ (فَتَشَرَّفَ خ ل) النَّاسُ لِذلِكَ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أُعْطِيكَ شَيْئاً إِنْ أَنْتَ صَنَعْتَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَانَ خَيْراً لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَإِنْ صَنَعْتَهُ بَيْنَ يَوْمَيْنِ غَفَرَ الله لَكَ (غُفِرَ لَكَ خ ل) مَا بَيْنَهُمَا، أَوْ كُلَّ جُمْعَةٍ، أَوْ كُلَّ شَهْرٍ، أَوْ كُلَّ سَنَةٍ، غُفِرَ لَكَ مَا بَيْنَهُمَا: تُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، تَبْتَدِئُ فَتَقْرَأُ، وَتَقُولُ إِذَا فَرَغْتَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ، وَلَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ؛ تَقُولُ ذلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، فَإِذَا رَكَعْتَ قُلْتَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ قُلْتَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فَإِذَا سَجَدْتَ قُلْتَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَقُلْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فَإِذَا سَجَدْتَ الثَّانِيَةَ فَقُلْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ قُلْتَ عَشْرَ مَرَّاتٍ -وَأَنْتَ قَاعِدٌ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ-؛ فَذلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ تَسْبِيحَةً، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ، فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، أَلْفٌ وَمِائَتَا تَسْبِيحَةٍ وَتَهْلِيلَةٍ وَتَكْبِيرَةٍ وَتَحْمِيدَةٍ؛ إِنْ شِئْتَ صَلَّيْتَهَا بِالنَّهَارِ، وَإِنْ شِئْتَ صَلَّيْتَهَا بِاللَّيْلِ)(4).

قوله: (أَلْفٌ وَمِائَتَا تَسْبِيحَةٍ...)، أي ألف ومائتا كلمة، لأنَّ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَّا الله والله أكبر، أربع كلمات تضرب في ثلاثمائة، فيصبح المجموع ألفاً ومائتي كلمة.

والرِّواية حسنة، فإنَّ هارون بن خارجة الأنصاري متِّحد مع هارون بن خارجة الصَّيرفي الثقة، كما أنَّ يحيى الحلبي هو نفسه يحيى بن عمران الحلبي.

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى -بعد ذِكْره لهذه الرِّواية، ووصفها بالمعتبرة-: (وهذه الرِّواية أشهر، وعليها معظم الأصحاب).

ومنها: صحيحة بسطام عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قال له رجل: جعلت فداك! أيلتزم الرَّجل أخاه؟ فقال: نعم، إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومَ افتتحَ خيبرَ أتاه الخبرُ أنَّ جَعْفَراً قد قَدِم، فقال: واللهِ! ما أدري بأيِّهما أنا أشدُّ سروراً؟ بقدوم جَعْفَرٍ؟ أو بفتحِ خيبرَ؟ قال: فلم يلبثْ أنْ جاءَ جَعْفَر، قال: فوثب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فالتزمه وقبَّل ما بين عينيه، فقلتُ له: الأربع ركعات التي بلغني أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر جَعْفَراً أنْ يصلِّيها؟ قال: لمَّا قَدِم عليه، قال له: يَا جَعْفَرُ! أَلَا أَمْنَحُكَ؟ أَلَا أُعْطِيكَ؟ أَلَا أَحْبُوكَ؟ قال: فتشوَّفَ النَّاسُ ورَأَوا أنَّه يعْطِيه ذَهَباً أو فضَّة، قَاَلْ: بَلى يَا رَسُولَ اللهِ! قال: صلِّ أربعَ ركعاتٍ متى ما صلَّيْتَهنَّ غُفِر لك ما بينهنَّ، إنِ اسْتَطعتَ كلّ يوم، وإلَّا فكلّ يومين، أو كلّ جُمُعة، أو كلّ شهر، أو كلّ سنة، فإنَّه يُغْفَر لك ما بينهما، قال كيف أصلِّيها؟ فقال: تفتتحُ الصَّلاةَ ثم تَقْرَأُ، ثمَّ تقولُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً وأَنْتَ قائم: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ، وَلَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، فَإِذَا رَكَعْتَ قُلْتَ ذلك عَشْراً، وَإِذَا رَفَعَتَ رأسَك فعَشْراً، وإِذَا سَجَدْتَ فَعَشْراً، إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ فَعْشَراً، وإِذَا سَجَدْتَ الثَّانِيَةَ عَشْراً، وَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ عشراً، فَذَاكَ خَمْسٌ وَسَبْعُون، تكون ثلاث مائة في أربعِ ركعات، فهنّ ألف ومائتان، وتقرأ في كلّ ركعةٍ بـ قُلْ هُوْ الله أَحَدٌ، وقُلْ يَاْ أَيُّها الكَافُرُون)(5)، وهذه الرِّواية صحيحة، لأنَّ بسطام المذكور في السَّند هو ابن سابور الزيَّات الثقة.

___________

(1) الوسائل باب13 من أبواب صلاة أمير المؤمنين عليه السلام ح2؛ والمصباح: ص256.

(2) الوسائل باب10 من أبواب بقية الصلوات المندوبة ح2.

(3) الوسائل باب10 من أبواب بقية الصلوات المندوبة ح7.

(4)و(5) الوسائل باب1 من أبواب صلاة جعفر ح1و3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo