< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الاستسقاء(9)

قوله: (ويُكرَه نسبة المطر إلى الأنواء، ويحرم اعتقاده)

الأنواء: جمع نُوْء، يُقال: نَاْءَ النَّجمُ نَوْءاً: سقط في المغرب مع الفجر، مع طلوع آخر يقابله في المشرق.

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى: (لا يجوز نسبة الأمطار إلى الأنواء، بمعنى أنّها مؤثِّرة أو أنَّ لها مدخلاً في التأثير، لقيامِ البرهان على أنَّ ذلك من فِعْل الله تعالى، وتحقُّقِ الإجماع عليه، ولأنَّها تتخلَّف كثيراً وتتقدَّم وتتأخَّر، ولو قال غير معتقد: مُطِرْنا بنَوْءِ كذا.

قال الشَّيخ: لا يجوز، لنهي النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) في رواية زَيْد بن خَالِد الجُهَنِيّ، قال: صلَّى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الصُّبح بالحديبية في أثر سماء كانت من اللَّيل، فلمَّا انصرف أقبل على النَّاس فقال: هل تدرون ماذا قال ربُّكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب، وكافر بي ومؤمن بالكواكب؛ مَنْ قال: مُطِرنا بفضل الله تعالى ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأمَّا مَنْ قال: مُطِرنا بنَوْء كذا وكذا فذاك كافر بي ومؤمن بالكواكب(1)، وهو محمول على ما قدَّمناه منِ اعتقاد مدخليَّته في التأثير.

والنَّوْء: سقوط كوكب في المغرب وطلوع رقيبه من المشرق، ومنه الخبر من أمر الجاهلية الأَنْوَاء، قال أبو عُبَيْد: هي ثمانية وعشرون نجماً معروفة المطالع في أزمنة السَّنة، يسقط في كلِّ ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر يقابله من ساعته، وانقضاء هذه الثمانية والعشرين مع انقضاء السَّنَة، فكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم، وطلع آخر، قالوا: لا بدّ من أن يكون عند ذلك مطر، فينسبون كلَّ غَيْثٍ يكون عند ذلك إلى النجم، فيقولون: مُطِرنا بنَوْء كذا، وإنَّما سُمِّي نَوْءاً لأنَّه إذا سقط السَّاقط منها بالمغرب ناء الطَّالع بالمشرق ينوء نَوْءاً -أي: نهض- فسمِّي النَّجم به، قال: و قد يكون النَّوء السُّقوط.

أمّا لو قال: مُطِرنا بنَوْء كذا، و أراد به فيه -أي: في وقته- وأنّه من فِعْل اللّٰه تعالى، فقد قيل: لا يُكْره، لأنّه ورد أنّ الصَّحابة اسْتَسْقوا بالمصلّى، ثم قيل للعباس: كم بقي من نَوْء الثُّريّا؟ فقال: إنّ العلماء بها يزعمون أنّها تعترض في الأفق سبعاً بعد وقوعها، فما مضت السَّبع حتَّى غيث النَّاس، ولم ينكر أحد ذلك).

أقول: أمَّا بالنسبة لرواية زَيْد بن خَالِد الجُهَنِيّ فقد رواها الشَّيخ رحمه الله في الخِلاف، والعلَّامة رحمه الله في التذكرة، والمحقِّق رحمه الله في المعتبر، والمصنف رحمه الله في الذِّكْرَى، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، إذ لم يذكروا طرقهم إلى زَيْد بن خَالِد.

أضف إلى ذلك: أنَّ الشَّيخ رحمه الله وإنْ عدَّه في رجاله تارةً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأخرى من أصحاب عليٍّ عليه السلام، إلَّا أنَّه غير موثَّق.

وأمَّا رواية أنَّ الأنْوَاء من أمر الجاهلية، فقد رواها الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في معاني الأخبار عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمَّد بن أبي عمير، عن محمَّد بن حمران، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام (قال: ثلاثة من عمل الجاهلية: الفخر بالأنساب، والطَّعْن بالأحساب، والاستسقاء بالأنواء)(4)، وهي ضعيفة ، لأنَّ محمد بن حمران بن أعين لم يوثَّق.

وأمَّا رواية أنَّ الصحابة اسْتَسْقوا بالمصلَّى، فهي لم ترد من طرقنا، وهي ضعيفة جدًّا.

وأمَّا حرمة نسبة المطر إلى الأَنْواء بدون الاعتقاد فلا دليل عليها يُعتدّ به، والله العالم.

 

قوله: (ويستحبّ نافلة شهر رمضان، خلافاً للصَّدوق وهي ألف ركعة)

يقع الكلام في أمرَيْن:

الأوَّل: في استحباب هذه النافلة وشرعيَّتها.

الثاني: في قدرها، وهل هي ألف ركعة، أم أكثر، أم أقل؟

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّ استحبابها ثابت، قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى: (وفيها مسائل: الأُولى في شرعيَّتها، والأشهر في الرِّوايات ذلك، حتَّى ادَّعى عليه سلَّار الإجماع، وقال الصَّدوق: لا نافلة فيه زيادةً على غيره، وابن أبي عقيل لم يَعْرض لها بالذِّكر، ولا عليّ بن بابويه...).

وفي المدارك: (استحباب هذه النافلة قَوْل معظم الأصحاب).

وفي الجواهر -تعليقاً على قول المحقِّق رحمه الله: أنَّ الأشهر في الرِّوايات استحباب هذه النافلة- (بل هو المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، شهرةً كادت تكون إجماعاً، كما في فوائد الشَّرائع وغيره الاعتراف به، بل عن المنتهى بعد نسبته إلى أكثر أهل العلم، قال: الإجماع عليه إلَّا مَنْ شذَّ، بل في السِّرائر: لا خلاف في استحباب الألف، إلَّا ممَّنْ عُرِف باسمه ونسبه، وهو أبو جعفر محمَّد بن عليّ بن بابويه، وخلافه لا يعتدّ به، لأنَّ الإجماع تقدَّمه وتأخَّر عنه؛ بل عن المهذب البارع: أنَّ باقي الأصحاب على خلافه؛ بل في الذِّكرى والبيان: الفتاوى والأخبار متضافرة بشرعيتها، فلا يضرّ معارضة النَّادر، بل عن المعتبر: عمل النَّاس في الآفاق على الاستحباب؛ في المختلف: الرِّوايات به متظافرة، والإجماع عليه، وخلاف ابن بابويه لا يعتد به -إلى أن قال:- وبالجملة لم نعثر على خلاف في ذلك ممَّا عدا الصَّدوق...).

أقول: اعلم أوَّلاً: أنَّ عدم تعرُّض ابن أبي عقيل رحمه الله للمسألة، وكذا علي بن بابويه رحمه الله ليس خلافاً منهما، كما لا يخفى.

وثانياً: أنَّه يظهر من عبارة الصَّدوق رحمه الله في الفقيه أنَّ مراده نفي المشروعيَّة بالخصوص، أي أنَّ هذه النافلة ليست من الرِّوايات بالموظَّفة كرواتب اليوميَّة، وإنِ استحبّ فِعْلها بعنوان استحباب مطلق الصَّلاة .

أُنْظر إلى عبارته في الفقيه، حيث قال -بعد أنَّ أورد رواية سماعة المتضمنة للنوافل-: (وإنَّما أوردت هذا الخبر في هذا الباب مع عدولي عنه، وتركي لاستعماله، ليَعْلم النَّاظر في كتابي كيف يروى ومن رواها، وليُعْلم مِنَ اعتقادي فيه أنِّي لا أرى بأساً باستعماله).

وبناءً عليه، فلا يكاد يوجد منكر لهذه النَّافلة، فيصحّ دعوى التسالم عليها من جميع الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، بحيث أصبحت من الواضحات، بل لو سلِّم مخالفة الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله فمخالفته لا تضرّ بالتسالم.

ثمَّ إنَّه مَنْ يدَّعي تواتر الأخبار معنًى على استحباب هذه النافلة لا يكون مجازفاً في دعواه، وسنذكر -إن شاء الله تعالى- جملةً من الرِّوايات عند الكلام عن عدد هذه النَّافلة وعند الكلام عن كيفيّتها، وسيتضح لك أنَّ فيها الصَّحيح والموثَّق، وليست كلّها ضعيفة السَّند، كما عن صاحب المدارك رحمه الله، حيث قال: (والأخبار بذلك مستفيضة جدًّا، إلَّا أنَّها مشتركة في ضعف السَّند...).

___________

(1) الوسائل باب14 من أبواب آداب السّفر إلى الحجّ وغيره ح10.

(2)و(4) الوسائل باب10 من أبواب الاسْتِسْقاء ح1.

(3) سنن الكبرى، والبيهقي ح3/ ص501.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo