< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الاستسقاء(8)

قوله: (وَلْيَكُن في الصَّحراء)

قال في الذِّكْرَى: (يستحبّ الإصْحَار بها إجماعاً...).

أقول: هناك تسالم على استحباب الإصْحَار في غير مكَّة المكرَّمة، وأمَّا فيها فيستحبّ في المسجد الحرام.

ويدلّ عليه أيضاً جملة من الرِّوايات، بعضها ظاهر في ذلك، كحسنة هشام المتقدِّمة، حيث ورد فيها: (يخرج الإمام، ويبرز إلى مكان نظيف في سَكِينة ووقار وخشوع ومَسْكنة...)(1).

فقوله: (ويبرز إلى مكان نظيف)، ظاهر فيما ذكرناه، وكذا غيرها من الرِّوايات.

وبعضها صريح في ذلك، كرواية أبي البختري عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن عليٍّ عليه السلام (أنَّه قال: مضتِ السُّنة أنَّه لا يُسْتَسْقى إلَّا بالبراري، حيث ينظر النَّاس إلى السَّماء، ولا يُسْتَسْقى في المساجد إلَّا بمكة)(2)، ولكنَّها ضعيفة بأبي البختري.

ورواية عيون الأخبار عن الحسن بن عليٍّ العسكري عن الرِّضا عليه السلام وقد تقدمت، حيث ورد فيها : (وابرز إلى الصحراء واستسقِ...)(3).

وقد عرفت أنَّها ضعيفة بجهالة جملة من الأشخاص هنا، وقد عرفت استثناء مكَّة من ذلك، فإنَّه يسْتَسْقي في المسجد الحرام.

قال في المنتهى: (وهو قول علمائنا أجمع، وأكثر أهل العلم).

وألحق ابن الجنيد رحمه الله مسجد النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) به، ولا دليل له سوى القياس، إذ الإسرار الرَّبانية والملاكات الشَّرعيَّة لا تدور مدار الشَّرف.

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (ولو حصل مانع من الصحراء -لخوفٍ وشبهه- جازت في المساجد)، وهو جيِّد.

 

قوله: (ويستحبُّ دعاء أهل الخَصْب لأهل الجَدْب)

المعروف بين الأعلام استحباب اسْتَسْقاء أهل الخَصْب لأهل الجَدْب بالدُّعاء، ونحوه.

وأمَّا الجواز بالصَّلاة والخطبة، كما لو كانوا هم أهل الجَدْب، فيحتاج إلى دليل وهو مفقود.

وقال المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى: (ويستحبّ لأهل الخصب الاسْتِسْقاء لأهل الجدب بهذين النوعين من الاسْتِسْقاء -يقصد بذلك الدُّعاء في خطبة الجمعة والعيدين أو أعقاب المكتوبات، أو بخروج الإمام إلى الصحراء فيدعو والناس يتابعونه-وفي جوازه بالصَّلاة والخطبتين، عندي تردُّد...)

 

قوله: (ولو نذر صلاة الاسْتِسْقاء وجبت في وقته، وهو فتور الأمطار وجفاف الآبار، ولا يلزم غيره الخروج معه (ويجب عليه وإنِ انفرد، وكذلك في الإتمام إذا نزل الغيث قبل الفراغ، إلَّا مع العُذُر فيتمّ ولو ماشياً مخفّفاً®، ويستحبّ له الخروج فيمَنْ يطيعه)

لا إشكال في وجوب صلاة الاسْتِسْقاء بالنَّذْر، لإطلاق أدلَّة النَّذر، ولكنْ في وقتها، قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى: (ويجوز نذر صلاة الاسْتِسْقاء، كما يجوز نَذْر العيدَيْن، ولكنْ في وقتهما، فلو نذرهما في غير وقتهما وقصد جميع ما يعتبر فيهما فالأقرب عدم انعقاده لِعدم التَّعبُّد بمثله في غير وقته، فحينئذٍ إن كان الناذر الإمام وجب عليه الخروج بنفسه، واستُحبّ دعاء مَنْ يجيبه إلى الخروج، وخصوصاً من يطيعه من أهله وأقربائه وأصحابه، ولا تجب عليهم الإجابة وليس له إكراههم عليها، سواء بقي الجَدْب أو وقع الغَيْث؛ ولو نذر الاسْتِسْقاء فسقوا، ففي وجوب الخروج، عندي نظر، لِسقوط شرعيَّته عند السُّقيا).

وفي التذكرة: (يجب الخروج، ولعلَّه لإيجاد الصُّورة شكراً لله، ولا تجب الخطبة بنذر الصَّلاة، لانفصالها عنها؛ فإنْ نذرهما معاً وجبتا، ولا يجب القيام في الخطبة هنا، ولا كونها على المنبر -إلى أن قال:- ولو نذرها غير الإمام انعقد ووجب عليه الخروج، ويستحبّ له أيضاً دعاء مَنْ يطيعه)، وهو جيِّد في الجملة، وإن كان إقامة الأدلَّة على كلِّ ما ذكره لا يخلو من صعوبة.

 

قوله: (ولو سُقُوا في أثناء الخطبة صلَّوا شكراً، ولو سقوا في أثناء الصَّلاة أتمُّوها)

كما ذكره جماعة من الأعلام، منهم المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى، حيث قال: (لو سُقُوا قبل الخروج لم يخرجوا، وكذا لو خرجوا فسقوا قبل الصَّلاة، وفي الموضعين تستحبّ صلاة الشُّكر، وسؤال الزِّيادة من الله تعالى، وعموم الغَيْثِ خلقَه، ولو سُقُوا في أثناء الصَّلاة أتمُّوها، والظَّاهر سقوط باقي الأفعال من الخطبة، والأذكار).

ثمَّ إنَّه قد أشرنا سابقاً إلى أنَّه يجوز الاسْتِسْقاء بغير صلاة، إمَّا في خطبة الجمعة والعيدين، أو في أعقاب المكتوبات، أو يخرج الإمام إلى الصحراء فيدعو والنَّاس يتابعونه.

 

قوله: (ولو كثر الغَيْث، وخيف فيه، استُحِبّ الدُّعاء بإزالته)

كما في رواية زريق أبي العبَّاس عن أبي عبد الله عليه السلام -في حديث اسْتِسْقاء النَّبيّ (صلى الله عليه وآله)-: (قال: فجاء أولئك النَّفر، فقالوا: يا رسول الله! ادعُ الله أن يكفَّ عنَّا السَّماء فقد كِدْنا أن نغرق، فاجتمع النَّاس، فدعا النَّبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقام له رجل: أسمعنا -يا رسول الله!- فإنَّ كلَّ ما تقول ليس نسمع، فقال: قولوا: اللَّهمَّ حوالينا ولا علينا، اللَّهمّ صُبَّها في بطون الأودية ونبات الشَّجر، وحيث يرعى أهل الوَبَر، اللَّهم اجعلها رحمةً، ولا تجعلها عذاباً)(4)، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة صالح بن السِّندي، وجهالة زريق أبي العبَّاس.

قال الشَّهيد الثاني رحمه الله في المسالك: (وكذا تجوز عند كثرة الغَيْث إذا خِيف الضَّرر بها، وتسمَّى صلاة الاستضحاء، وهي من صلاة الحاجة، وكذا لو غزرت مياه العيون والأنهار، بحيث خِيف منها الضَّرر شُرِّعتْ صلاة الحاجة، بل هي من مهام الحوائج).

أقول: لا إشكال في مشروعيَّة صلاة الحاجة عند ذلك، وإنَّما الكلام في مشروعيَّة خصوص صلاة الاسْتِسْقاء التي هي كيفيَّة خاصَّة في أمثال ذلك.

والإنصاف: أنَّه لا دليل عليه.

_________

(1) الوسائل باب1 من أبواب صلاة الاسْتِسْقاء ح1.

(2) الوسائل باب4 من أبواب صلاة الاسْتِسْقاء ح1.

(3) الوسائل باب2 من أبواب صلاة الاسْتِسْقاء ح1.

(4) الوسائل باب9 من أبواب صلاة الاسْتِسْقاء ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo