< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الاستسقاء(7)

قوله: (ثمَّ يخطب خطبتين)

أمَّا استحباب أصل الخطبة، فتدلّ عليه الرِّوايات المتقدِّمة، ويظهر من بعض الأعلام أنّها خطبة واحدة، لقولهم: (ويخطب)، لكنَّ ظاهر المصنِّف رحمه الله هنا وفي الذِّكرى تعدُّد الخطبة، وذلك للتشبيه بصلاة العيد التي تتعدَّد فيها الخطبة.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا يوجد رواية تتضمنّ التشبيه، إلَّا حسنة هشام المتقدِّمة.

ولكنَّك عرفت أنَّها تدلّ على المشابهة في كيفيَّة الصَّلاة، والخطبة خارجة عنها.

والخلاصة: أنَّ التعدُّد أحوط.

ثمَّ إنَّ الأعلام ذكروا أنَّه يستحبّ المبالغة في التضرُّع إلى الله تعالى، كما بالغ أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته التي سنذكر بعضها -إن شاء الله تعالى-.

وقد يعلَّل ذلك أيضاً بأنَّ الاسْتِسْقاء إنَّما شُرِّع لذلك.

ومهما يكن، فإنَّ الأفضل والأَولى اختيار شيء من الخُطَب المأثورة عن الأئمَّة عليهم السلام، لا سيَّما خطبة أمير المؤمنين عليه السلام التي أوَّلها: (الحَمْد لله سابغ النِّعم)، وهي من الخُطَب الرَّائعة جدًّا، بل هي من الخُطَب العجيبة البديعة.

قال الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الفقيه: (وخطب أمير المؤمنين عليه السلام في الاسْتِسْقاء فقال: الحمد لله سابغ النِّعم ومفرِّج الهمّ وبارِئ النسم، الذي جعل السَّماوات لكُرْسِيه عماداً، والجِبال للأرض أوتاداً، والأرض للعباد مهاداً، وملائكته على أرجائها، وحَمَلة العرش على أمطائها(1)، وأقام بعزَّته أركان العرش، وأشرق بضوئه شُعَاع الشَّمس -إلى أن قال:- يا معطي الخيرات من أماكنها، ومرسل البركات من معادنها، منك الغيث المغيث، وأنت الغيَّاث المستغاث، ونحن الخاطئون وأهل الذُّنوب، وأنت المستغفر الغفَّار، نستغفرك للجمات(2) من ذنوبنا، ونتوب إليك من عوام خطايانا، اللَّهمّ فأرسل علينا دِيْمة(3) مدراراً، واسقنا الغَيْث واكفاً(4) مغزاراً، غيثاً واسعاً، وبركة من الوابل نافعة، يدافع الوَدْق(5) بالوَدَق، ويتلو القطر منه القطر -إلى أن قال في آخر الخطبة:- ولا تؤاخذنا بما فعل السُّفهاء منا، فإنَّك تُنْزلِ الغَيْث من بعد ما قنطوا وتنشر رحمتك، وأنت الولي الحميد؛ ثم بكى، وقال: سيدي! ساخت جبالنا، واغبرَّت أرضنا، وهامت دوابنا، وقنط النَّاس منَّا، أو من قنط منهم، وتاهت البهائم، وتحيَّرت في مراتعها، وعجَّت عجيج الثكالى على أولادها، وملَّت الدَّوران في مراتعها، حين حبستَ عنها قطر السَّماء، فدقّ لذلك عظمها، وذهب لحمها، وذاب شحمها، وانقطع درها، اللَّهمّ ارحم أنين الآنة، وحنين الحانة، ارحم تحيّرها في مراتعها، وأنينها في مرابضها)(6)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

ثمَّ إنَّ ظاهر المصنِّف رحمه الله أنَّ الخطبتين بعد الأذكار، كما هو ظاهر غيره، بل عن الحدائق أنَّه المشهور بين المتأخرين.

وقد يستدلّ لهم برواية مُرَّة مولى محمَّد بن خالد المتقدِّمة، بناءً على إرادة الخطبة من الدُّعاء، ولكنَّك عرفت أنَّها ضعيفة.

وعن جماعة من الأعلام أنَّ الخطبة تقدَّم على الذِّكْر، منهم الشَّيخ الصَّدوق والمفيد وعَلَم الهُدى وأبي المكارم والتَّقي والقاضي والعلَّامة في المختلف (قدَّس الله أسرارهم جميعاً)، بل عن المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى أنَّه المشهور.

وقيل: بجوازهما معاً، أي يجوز تقديم الخطبة على الذِّكر وبالعكس، وهو الإنصاف لإطلاق الأدلَّة.

قوله: (ويجزئ الدُّعاء والذِّكْر بدلهما إنْ لم يُحْسِنهما)

فيأتي بما تمكَّن من الحمد والثناء، ويعقبهما بالتضرع والدُّعاء، كما صنع العبَّاس عمّ النَّبيّ (صلى الله عليه وآله)، لمَّا قال له عمر بن الخطاب: (قُمْ، واسْتَسْق)، قال الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الفقيه: (ورُوي عن ابن عباس أنَّ عمر بن الخطاب خرج يسْتَسْقي، فقال للعبَّاس: قُمْ فادعُ ربَّك، واسْتَسْق، وقال: اللَّهمَّ إنَّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبيِّك، فقام العبَّاس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثمَّ قال: اللَّهمَّ إنَّ عندك سحاباً، وإن عندك مطراً فانشر السَّحاب، وأنزل فيه الماء، ثمَّ أنزله علينا واشدد به الأصل، واطلع به الفرع، واحي به الضَّرع...)(7)، وهي ضعيفة بالإرسال.

 

قوله: (وتكرار الخروج لو تأخَّرتِ الإجابة)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى: (ولو تأخَّرتِ الإجابة كرَّروا الخروج حتَّى يُجَابوا، إمَّا بصومٍ مستأنف، أو بالبناء على الأوَّل، وقال ابن الجنيد: إنْ لم يُمْطَروا ولا أظلَّهم غمامة، لم ينصرفوا إلَّا عند وجوب صلاة الظُّهر، ولو أقاموا بقيَّة نهارهم كان أحبّ إليَّ، فإنْ أجيبوا وإلَّا تواعدوا على الغَدْوة يوماً ثانياً وثالثاً).

وفي المدارك: (هذا قَوْل علمائنا أجمع وأكثر العامَّة، ويدلّ عليه -مضافاً إلى وجود السَّبب المقتضي للاستحباب- قوله عليه السلام: إنَّ الله يحبّ الملحِّين في الدُّعاء، وينبغي استئناف الصَّوم مع عدم استمراره، لإطلاق الأمر به قبل الصَّلاة).

وفي الجواهر: (إجماعاً محكيّاً عن المعتبر والمنتهى والتذكرة، بل عن الغريَّة الإجماع على هذا التكرير...).

أقول: تسالم الأعلام قديماً وحديثاً على تكرار الخروج لو تأخَّرت الإجابة، بل ذهب إلى ذلك أكثر العامَّة أيضاً.

وأمَّا ما عن إسحاق من المنع من التكرار لأنَّه (صلى الله عليه وآله) لم يخرج إلَّا مرةً واحدةً، ضعيف، إذ لعلَّه (صلى الله عليه وآله) استغنى عن المعاودة لأنَّه أُجِيب.

وأمَّا القول: بأنَّ الأمر لا يدلّ على التِّكرار فهو صحيح، إلَّا أنَّ الكلام في الدَّليل الخاصّ غير الأمر، وهو التسالم.

وأمَّا بالنسبة للصَّوم، فقدِ اختار بعض الأعلام أنَّه يُكرِّر الصَّوم إذا تكرَّر الخروج بعد مضيِّ مدَّةٍ من الاسْتِسْقاء الأوَّل.

وأمَّا إذا كان متَّصلاً بالأوَّل فيكفي فيه الصَّوم الأوَّل.

والإنصاف: أنَّه يجوز مع الصَّوم وبدونه، وإن كان مع الصَّوم أرجى للإجابة.

وأمَّا الرِّواية التي أشار إليها صاحب المدارك رحمه الله، فهي رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سَلْ حاجتك، وألحّ في الطَّلب، فإنَّ الله يحبّ إلحاح الملحِّين من عباده المؤمنين)(8)، وهي ضعيفة بعدم وثاقة مسعدة بن صدقة.

___________________

(1) الأمطاء: جمع مطا، وهو الظهر.

(2) للجمات، أي للجهالات.

(3) المطر الذي ليس فيه برق ولا رعد.

(4) الواكف: المطر المنهل.

(5) الودْق -بسكون الدال-: المطر.

(6) الفقيه: ج1، ص335، 1504.

(7) الفقيه ج1، ص340، ح1508.

(8) الوسائل باب30 من أبواب الدُّعاء ح8.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo