< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الاستسقاء(6)

قوله: (فإذا فرغ منه حوَّل الإمام رداءه من اليمين إلى اليسار، وبالعكس)

المعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ للإمام أن يحول رداءه فيجعل ما على المنكب الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن تأسيّاً بالنَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) وتفاؤلاً بتحويل الجَدْب خَصْباً.

وفي الجواهر: (بلا خلاف فيه بيننا، بل عن صريح الخلاف وظاهر المعتبر الإجماع عليه...).

أقول: تدلّ عليه جملة من الرّوايات:

منها: حسنة هشام المتقدِّمة، حيث ورد في ذَيْلها: (فإذا سلَّم الإمام قلب ثوبه، وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر، والذي على الأيسر على الأيمن، فإنَّ النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) كذلك صنع)(1).

ومنها: موثَّقة عبد الله بن بكير (قال: سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول في الاسْتِسْقاء: قال: يصلِّي ركعتين، ويقلب رداءه الذي على يمينه فيجعله على يساره، والذي على يساره على يمينه، ويدعو الله فيستسقي)(2).

___________

(1) الوسائل باب1 من أبواب صلاة الاسْتِسْقاء ح1.

(2) الوسائل باب1 من أبواب صلاة الاسْتِسْقاء ح1.

 

ومنها: مرفوعة محمَّد بن يحيى عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألته عن تحويل النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) رداءه إذا اسْتَسْقى، قال: علامة بينه وبين أصحابه، يُحوَّل الجدبُ خصباً)(1)، وهي ضعيفة بطريق الكُلَيْني رحمه الله بالرَّفع، وبطريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله بالإرسال، وكذا بطريق الشَّيخ رحمه الله، مع جهالة بعض الأشخاص.

ومنها: صحيحة أَنَس بن عياض الليثي عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عليهما السلام (أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا اسْتَسْقى ينظر إلى السَّماء، ويحوِّل رداءه عن يمينه إلى يساره، وعن يساره إلى يمينه، قال: قلتُ له: ما معنى ذلك؟ قال: علامة بينه وبين أصحابه، يُحَوَّل الجدبُ خصباً)(2).

والمراد بتحويل الرِّداء للإمام هو ما ذكر في الرِّوايات من جعل ما على اليمين على اليسار وبالعكس.

وقال جماعة من أفاضل العامليين كالشَّهيدَيْن والمحقِّق الكركي رحمهم الله: (أنَّه لا يشترط جعل الظَّاهر باطناً وبالعكس، ولا الأسفل أعلى وبالعكس، وإن كان جائزاً...).

وفيه: أنَّ المتبادر إلى الذِّهن من التحويل لا يكون إلَّا بأحد الأمرين خاصَّة، فلا معنى حينئذٍ لعدم اشتراطهما.

اللَّهمَّ إلَّا أن يُرَاد بالتحويل جعل ما على اليمين على اليسار أو بالعكس ، بمعنى جمعهما على أحد الجانبين، أو يراد تحويل الرِّداء، حيث يكون موضوعاً على أفضل حالَيْه، بأن كان على المنكبين مع ردِّ ما على الأيسر على الأيمن، فإنَّ تحويله حينئذٍ يتحقَّق بعكس هذه الهيئة ولو بردِّ ما على الأيمن على الأيسر، من دون حاجة إلى جعل ظاهره باطنه وأعلاه أسفله.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذا التفسير خلاف المتبادر إلى الذِّهن من التحويل، وخلاف الظاهر من الرِّوايات.

ثمَّ إنَّ وقت التحويل بعد فراغه من الصَّلاة،

وحكى المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى عن بعض الأصحاب أنَّ التحويل بعد فراغه من الخطبة.

وقال صاحب الحدائق: (والظَّاهر من الأخبار أنَّ التحويل إنَّما هو من الإمام مرَّةً واحدةً بعد الصَّلاة وصعود المنبر، وحُكي عن الشَّيخ المفيد وسلَّار وابن البرَّاج أنَّ الإمام يحوِّل رداءه ثلاث مرَّات بعد الفراغ بعد الصُّعود على المنبر، وبعد الفراغ من الخطبة...).

أقول: يظهر من الرِّوايات المتقدِّمة أنَّ استحباب التحويل إنَّما هو بعد الفراغ من الصَّلاة، سواء صعد المنبر أم لا.

وأمَّا ما في روايةِ مُرَّة (ثمَّ يصعد المنبر فيقلب رداءه).

فهي أوَّلاً: ضعيفة السَّند، كما عرفت.

وثانياً: تُحْمل على كون التحويل على المنبر أحد أفراد التحويل، لا أنَّ التحويل مخصوص بكونه على المِنْبر، إذ لا مقتضي لحَمْل المطلق على المقيَّد في المستحبَّات.

ومن هنا لو تمَّت هذه الرِّواية سنداً لالتزمنا بتعدُّد التحويل، وكونِه على المِنْبر هو أفضل الأفراد.

قوله: (قيل: لا يستحبُّ لغيره)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (وهل يستحبُّ للمأموم التحويل؟ أثبته في المبسوط، وفي الخلاف يستحبُّ للإمام خاصَّةً، والأوَّل قويّ للاشتراك في التفاؤل، ولِقوله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}).

وقال الشَّهيد الثاني رحمه الله في الرَّوض: (ولا فرق في ذلك بين الإمام وغيره، ومِنْ ثَمَّ أطلقه المصنِّف، وللشَّيخ قَوْل باختصاصه بالإمام، وتبعه المحقِّق في الشَّرائع، والعِلَّتان تُوِجبان الاشتراك).

أقول: وإن كان ظاهر أكثر النُّصوص الاختصاص بالإمام، إلَّا أنَّ في بعض الرِّوايات، كموثَّقة ابن بكير هو الإطلاق، ولا موجب للتقييد لِعدم التنافي، لأنَّ الرِّوايات المثبتة للتحويل، والمختصَّة بالإمام، لا تنفي استحباب التحويل لغيره، لأنَّ اللقب لا مفهوم له حتَّى يقع التنافي بين الرِّوايات، والله العالم.

 

قوله: (يستقبل القبلة ويكبر مائة ثمَّ يسبح عنيمينه مائة، ويهلل عن يساره مائة ، ويحمد مستقبل النَّاس مائة رافعا صوته بالجميع)

كما في رواية مُرَّة مولى محمَّد بن خالد المتقدِّمة(1)، لكنَّها ظاهرة في أنَّه يفعل ذلك بعد الصُّعود على المِنْبر، ولا يوجد فيها رَفْع الصَّوت بالتحميد، وإنَّما ذَكَره المصنِّف رحمه الله هنا وفي الذِّكْرَى، وكذا ذَكَره بعض الأعلام.

ولعلَّه يُفْهم ذلك من التصريح برفع الصَّوت في التكبير والتسبيح والتهليل، فكأنَّه حذف ذلك لدلالة سابقة عليه، وقد عرفت سابقاً أنَّ الرِّواية ضعيفة بجهالة مُرَّة مولى محمَّد بن خالد.

وعن بعض الأعلام أنَّه جَعَل التحميد عن اليسار، والاستغفار مائةً عند استقبال النَّاس بوجهه.

وبعضهم جَعَل التحميد عن اليمين والتسبيح عن اليسار، والاستغفار عند استقبال النَّاس بوجهه، ولا دليل لهم، والموجود في الرِّواية هو ما عرفته.

وكان ينبغي للشَّهيد رحمه الله أن يتعرَّض لاستحباب رفع اليدين، والدُّعاء بعد المائةِ تحميدهٍ، لوقوع التصريح بذلك في الرِّواية المتقدِّمة، حيث قال رحمه الله -بعد أنَّ أمره مائةَ تحميدةٍ-: (ثمَّ يرفع يديه فيدعو، ثمَّ يدعون...).

 

قوله: (ويتابعونه على ذلك)

لا يوجد في الرِّواية أنَّهم يتابعونه في التكبير والتسبيح والتهليل والتحميد، ولكن لعلَّه لأنَّه ذِكْرُ الله سبحانه وتعالى.

ولعلَّه أيضاً لِكون متابعتهم له في جميع ذلك أبلغ في التضرُّع والخشوع، وأرجى للإجابة.

ولكن لا يخفى عليك أنَّ هذه الأمور لا تصلح مدركاً، للحكم باستحباب متابعته في ذلك.

وعن ظاهر الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الفقيه والمقنع أنَّهم يتابعونه في رفع الصَّوت والدُّعاء.

ثمَّ إنَّ ظاهر جميع الأعلام أنَّهم لا يتابعونه في الالتفات إلى الجهات.

_________

(1)و(2) الوسائل باب3 من أبواب الاسْتِسْقاء ح2و3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo