< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الاستسقاء(4)

= وحكى المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى عن أبي الصَّلاح رحمه الله أنَّه (لم يذكر سوى الجمعة، وعن المفيد وابن أبي عقيل وابن الجنيد وسلَّار لم يعينوا يوماً...).

أقول: الأفضل الخروج يوم الجمعة لشرافة هذا اليوم.

وأمَّا الخروج يوم الإثنين، فقد عرفت أنَّ الرِّوايات الواردة فيه ضعيفة السَّند، بل قد ورد في الرِّوايات الكثيرة ذمُّ يوم الإثنين، وأنَّه يوم نَحْس، لا تُطْلب فيه الحوائج.

وفي صحيحة عليّ بن جعفر (وما من يوم أعظم شُؤْماً من يوم الإثنين، يوم مات فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وانقطع فيه وحي السَّماء، وظُلِمْنا فيه حقَّنا...)(1).

نعم، بناءً على التسامح في أدلَّة السُّنَن يستحبّ الخروج إلى الصَّلاة يوم الإثنين.

وكونه يوم نَحْس بشكل عام لا ينافي وجود خصوصيَّة فيه اقتضت الخروج يوم الإثنين، والله العالم بالمِلاكات.

والخلاصة: أنَّ هذه الصَّلاة يجوز الإتيان بها بدون الصِّيام، وفي أيّ يوم أرادوا الخروج إليها، إلَّا أنَّه يستحبّ أن تكون مع الصِّيام ثلاثة أيام، وأن يكون الخروج يوم الإثنين، بناءً على التسامح في أدلَّة السُّنَن.

 

قوله: (والخروج في الثالث حفاةً بالسَّكِينة والوقار)

قد عرفت الدَّليل على الخروج يوم الثالث؛ وأمَّا الخروج حفاةً وبالسَّكِينة والوقار فقد ذكره الأعلام، قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى: (يُستحبّ أنْ يخرج النَّاس حفاةً بالسَّكِينة والوقار مبالغةً في الخضوع، وَلْيكونوا مطرقِي رؤوسهم مُخْبِتين مكثرين ذِكْر الله تعالى، والاستغفار من ذنوبهم وسوءِ أعمالهم، قال بعض: وَلْيكن في ثياب بذلته وتواضعه، تأسياً بالنَّبيّ (صلى الله عليه وآله)...).

وفي المسالك: (يخرجون حُفَاةً، ولكنْ نعالهم بأيديهم...).

أقول: أمَّا استحباب الحُفَاة فلا يوجود فيه نصّ بالخصوص، ولكنَّه من الخشوع المطلوب.

وأمَّا استحباب أن يكون المشي بالسَّكِينة والوقار والخُشُوع، فيستفاد ذلك من حسنة هشام المتقدِّمة، حيث ورد فيها: (ويبرز إلى مكان نظيف في سَكِينة وَوَقَار وخُشُوع ومَسْكَنة...).

 

قوله: (وفيهم أهل الصَّلاح والشُّيوخ والشَّيخات والأطفال)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى: (ويخصّ الإمام بأمره أهل الورع والصَّلاح، لأنَّ دعاءهم أقرب إلى الاجابة، والشُّيوخ والشَّيخات والأطفال، لِقول النَّبيّ (صلى الله عليه وآله): لولا الأطفال رُضَّع، وشُيُوخ رُكَّع، وبهائم رُتَّع، لَصَببنا عليكم العذاب صبًّا؛ وأبناء الثمانين أحرى، لِما رُوى عنه: إذا بلغ الرَّجل ثمانين سنةً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر؛ ويُمْنع من الخروج الشَّواب من النِّساء خَوْف الفتنة -إلى أن قال:- ويخرج معهم البهائم لقوله (صلى الله عليه وآله) وبهائم رُتَّع).

أقول: قد عُلِّل إخراج الشُّيوخ والأطفال والعجائز معهم بأنَّ ذلك أقرب إلى الرَّحمة وأسرع للإجابة.

وأمَّا الحديث المستدلّ به لإخراج الشُّيوخ والأطفال والبهائم فهو نبوي(2)، لم يرد من طرقنا، وهو ضعيف جدًّا.

___________

(1) الوسائل باب4 من أبواب آداب الحج وغيره ح3.

(2) سُنَن البيهقي: ج3، ص345.

 

وأمَّا حديث بلوغ الثمانين، فقد رواه الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الخِصال، حيث ورد في الذَّيل (ومَنْ عمَّر ثمانين سنةً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، ومشى على الأرض مغفوراً له، وشُفِّع في أهل بيته)(1)، وهي ضعيفة بجهالة محمَّد بن عليّ المقرِئ ويحيى بن المبارك.

____

(1) الخصال: ج2، ص544و545.

 

قوله: (مفرِّقاً بينهم وبين الأمهات)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكْرَى: (ويفرَّق بين الأطفال وأمهاتهم استجلاباً للبكاء والخشوع...)، وفي المدارك: (لِيُكْثروا من البكاء والعجيج إلى الله تعالى، ويتحقَّق التفريق بينهم بأنْ يُعْطى الولد لغير أمِّه).

أقول: يؤيِّد ذلك ما نقل من فعل قوم يونس بأمر عالمهم، فكشف الله عنهم العذاب.

والخلاصة: أنَّ هذه الأمور مبنيَّة على مناسبة المقام، وإلَّا فلا دليل عليها.

 

قوله: (ولا يكون معهم كافر)

ذكر جماعة كثيرة من الأعلام أنَّه لا يُخْرِجون معهم إلى الصَّلاة كافراً.

وفي المدارك: (لأنَّهم أعداء الله، فهم بعيدون من الإجابة، قال الله تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}...).

وفي الذِّكرى: (ويمنع...الكفَّار لأنَّه مغضوب عليهم، ولِقوله تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}، والمتظاهر بالفِسْق، والمتكبِّر من المسلمين).

وقد ورد في تفسير الآية الشَّريفة -كما عن مجمع البيان-: أي ليس دعاؤهم الأصنام من دون الله إلَّا في ذهابٍ عن الحقِّ والصَّواب، وقيل: في ضلالٍ من طريق الإجابة والنفع).

وبالجملة، فقد عُلِّل عدم خروجهم لبُعْد الرَّحمة بهم، وعدم محبَّة الله سماع أصواتهم، فحضورهم أبعد للإجابة ونَقْض للغرض.

وفيه: أنَّ رحمة الله واسعة، فإجابة الدُّعاء في الدُّنيا لا تختصّ بأهل الصَّلاح والتَّقوى، فلا بأس بإخراج جميع النَّاس المعترفين بفقرهم وحاجتهم إلى رحمة الله، أو يقال: إنَّه ربّما تُعجَّل إجابتهم، لِعدم محبَّة الله سُماع أصواتهم، عكس المؤمن الذي يحبّ سُماع صوته، فتُؤخَّر إجابته، كما ورد في صحيحة عبد الله بن المغيرة عن غير واحد من أصحابنا (قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إنَّ العبد الولي لله يعدو الله عزَّوجل في الأمر ينوبه، فيُقال للملك الموكَّل به: اقضِ لعبدي حاجته، ولا تعجّلها، فإني أشتهي أن أسمع نداءه وصوته، وإنَّ العبد العدو لله عزَّوجل لِيدعو الله عزَّوجل في الأمر ينوبه، فيقال للملك الموكل به: اقضِ حاجته وعجِّلها فإنِّي أكره أن أسمع نداءه وصوته، قال: فيقول النَّاس: ما أعطي هذا إلَّا لكرامته، ولا منع هذا إلَّا لهوانه)، والرِّواية صحيحة، لأنَّ عبد الله بن المغيرة البَجَلي من أصحاب الإجماع، ويبعد جدًّا أن لا يكون شخص ثقة في قوله عن غير واحد من أصحابنا، بل من المطمئنّ وجود الثقة فيهم، والله العالم.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo