< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الآيات(18)

أقول: مقتضى الإنصاف أنَّ الرِّوايات التي ذكرها منصرفة عن هذا المعنى الذي ذَكَره، لأنَّه من المعلوم أنَّ صلاة الآيات ركعتان.

وعليه، فالمعهود اعتبار الفاتحة في ابتداء القراءة في كلِّ ركعة، وهذه المعهوديَّة تمنع من استفادة هذا النَّحو من التفريق المستلزم لتقديم قراءة شيء من القرآن على الفاتحة من تلك الرِّوايات، بل صحيحة الحلبي ظاهرة في تعيُّن قراءة الفاتحة في القيام بعد السَّجدتين، أي القيام الذي يتعقَّبه الرُّكوع السَّادس.

أُنْظر إلى قوله عليه السلام (وإنْ قرأتَ نصفَ سورةٍ أجزأك أنْ لا تقرأ فاتحةَ الكتاب، إلَّا في أوَّلِ ركعةٍ حتَّى تستأنفَ أخرى)، فإنَّها ظاهرة في وجوب الفاتحة في أوَّل ركوعٍ من الرُّكوعات الخمس في كلِّ ركعة، لا مجموع العشرة.

والخلاصة: أنَّ الدَّليل القويّ لإثبات وجوب قراءة الفاتحة وسورة كاملة في الخمسة الأخيرة، وتعيُّن كون الفاتحة في الرُّكوع الأوَّل منها -مضافاً للتسالم بين الأعلام، إذ لا يعتدّ بخلاف مَنْ خالف- هو أنَّ الفَصْل بين الخمسة الأُولى والثانية بالسَّجدتين، وذِكْر ، والتشهُّد والتسليم بعد السَّجدتين الأخيرتين، مانع عن استفادة جواز هذا النَّحو من التفريق من الرِّوايات المتقدِّمة.

وعليه، فيشكل التمسُّك بهذه الرِّوايات لجواز أن يركع الخامسة أو العاشرة عن بعض سورة.

نعم، إذا أتمَّ سورةً فيجوز أن يقرأ بعضَ أخرى، ويركع الرُّكوع الخامس في الرِّكعة الأُولى، وكذا الحال في الرِّكعة الثانية، فإذا أتمَّ سورةً فيجوز له أن يقرأ بعضَ أخرى، ويركع الرُّكوع العاشر، والقول بوجوب الإكمال في الخامس والعاشر، لا دليل له، بل في بعض الرِّوايات المتقدِّمة ما هو كالصَّريح بخلافه.

وأمَّا ما حُكِي عن المصنِّف رحمه الله في الألفيَّة، حيث قال: (وفي الخامس والعاشر يتمُّها)، فقد أجاب عنه صاحب المقاصد العليَّة أنَّ في بعض نسخها بعد قوله (يتمّها): (إنْ لم يكن أتمَّ سورةً، وما ذكره في محلِّه، والله العالم.

 

قوله: (ويستحبّ الجماعة، وخصوصاً مع الإيعاب، والصَّدُوقان نَفَيَا الجماعة في غير المُوعِب)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (يستحبّ فيها الجماعة، سواء كانت كُسُوفاً أو خُسُوفاً أو غيرهما، لما روى الخاصَّة والعامَّة: أنَّ النَّبي (صلى الله عليه وآله) صلَّاها في جماعة،؛ ويتأكَّد الجماعة إذا أوعب الاحتراق -إلى أن قال:- وقال الصَّدُوقان: إذا احترق القرص كلُّه فصلِّها في جماعة، وإنِ احترق بعضه فصلِّها فرادى، فإن أرادا نفي تأكُّد الاستحباب مع احتراق البعض فمرحباً بالوفاق، وإنْ أرادا نفي استحباب الجماعة، وترجيح الفرادى، طولبا بالدَّليل -إلى أن قال:- وليست الجماعة شرطاً في صحتها عندنا وعند الأكثر، وخالف فيه بعض العامَّة، حيث قال: لا تصلَّى إلَّا في الجماعة).

وفي المدارك -عند قول المحقِّق رحمه الله: ويستحبّ فيها الجماعة-: (هذا قول علمائنا أجمع، قاله في التذكرة...).

وفي الجواهر: (على المشهور بين الأصحاب شهرةً عظيمةً، بل في كشف اللثام: عندنا، ونفاها أبو حنيفة في الخسوف، بل في التذكرة: إجماعاً، كما أنَّ في الخلاف: الإجماع على صلاتهما جماعة وفرادى...).

أقول: يدلّ على استحباب الإتيان بها جماعةً -مضافاً لإطلاق أدلَّة الجماعة-: صحيحة الرَّهْط المتقدِّمة (أنَّ صلاة كُسُوف الشَّمس والقمر والرَّجفة والزَّلْزَلة عشر ركعات وأربع سجدات، صلَّاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والنَّاس خلفه، في كُسُوف الشَّمس...)(1)، وأقلّ مراتب ذلك هو الاستحباب.

وقدِ استُدل على جواز الانفراد برواية رُوْح بن عبد الرَّحيم (قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الكُسُوف تصلَّى جماعةً، قال: جماعةً وغير جماعة)(2)، ولكنَّها ضعيفة بجهالة الحسن بن عليّ الكوفي، وعثمان بن غالب المردَّد بين كونه المنقري الثقة، والشَّاعر الزَّيدي غير الموثَّق؛ ومجرد كون المنقري مشهوراً، وله أصل، لا يتعيَّن كونه المراد فيما إذا أُطلِق.

وقدِ استُدلّ أيضاً برواية محمَّد بن يحيى السَّاباطي عن الرِّضا عليه السلام (قال: سألتُه عن صلاة الكُسُوف تُصلَّى جماعةً أو فرادى، قال: أيُّ ذلك شئت)(3)، وهي ضعيفة بجهالة محمَّد بن يحيى السَّاباطي.

ثمَّ إنَّه ذكر المصنِّف رحمه الله، وجماعة كثيرة من الأعلام، أنَّه يتأكَّد استحباب الجماعة إذا استوعب الاحتراق، وذلك لِرواية عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: إذا انكسفتِ الشَّمس والقمر فانكسف كلّها فإنَّه ينبغي للنَّاس أن يفزعوا إلى إمام يصلِّي بهم، وأيُّهما كُسِف بعضه فإنَّه يجزي الرَّجل يصلِّي وحده...)(4)، ولكنَّها ضعيفة بجهالة عليّ بن يعقوب الهاشمي.

ولعلّ مراد الصَّدوقَيْن (رحمهما الله) من قولهما: (إذا احترق القرص كلُّه فصلِّها في جماعة، وإنِ احترق بعضه فصلِّها فرادى)، هو ما ذكرناه من تأكُّد الاستحباب لدى احتراق الكلّ، وعدمه لدى احتراق البعض، وإلَّا فلو كان مرادهما نفي مشروعيَّة الفرادى عند احتراق الكلّ، ونفي مشروعية الجماعة عند احتراق البعض، لَطُولِبا بالدَّليل، كما عن المصنِّف رحمه الله في عبارته السَّابقة.

ثمَّ إنَّه يظهر من الأعلام عدم الفرق في استحباب الجماعة في هذه الصَّلاة بين القضاء والأداء، وبين احتراق القرص وبعضه، وذلك لإطلاق أدلَّة الجماعة، بل لا فرق بين ما لو كانت واجبةً أو مندوبةً، كما لو كانت معادةً، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- من استحباب إعادته ما دام السَّبب باقياً.

ومن هنا صرَّح المصنِّف رحمه الله في البيان بجواز اقتداء المفترض المتنفِّل في هذه الصَّلاة وبالعكس، وذلك ترجيحاً لمثل إطلاق أدلَّة الجماعة على إطلاق منع الجماعة في النافلة، لأنَّ منع الجماعة في النافلة إنَّما هو فيما إذا كانت نافلةً بالذَّات، لا في مثل المقام .

ثمَّ إنَّ المعروف بين الأعلام من كيفيَّة الجماعة فيها أنَّه إذا أدرك المأموم الإمام قبل الرُّكوع الأوَّل أو في أثنائه فقد أدرك الركعة، أو إذا أدركه كذلك في أوَّل ركوع الرِّكعة الثانية فيتمّ حينئذٍ ركعةً، وينفرد بعد السَّلام أو قبله مع النيَّة بالثانيةكاليوميَّة.

وأمَّا إذا أدرك الإمام في غير الأوَّل من ركوعات الرِّكعة الأُولى، كما لو أدركه بعد رفع رأسه من الرُّكوع، فقد فاتته تلك الرِّكعة.

والمشهور أنَّه يصبر إلى الرِّكعة الثانية، لأصالة عدم التحمُّل، فيقتصر منه على القدر المتيقَّن، وأدلَّة الجماعة ليس في مقام البيان من هذه الجهة حتَّى يستفاد منها هذه الكيفيَّة.

والحاصل: أنَّه يكفي فيها ما ثبت من هيئتها في اليوميَّة، والله العالم.

__________

(1) الوسائل باب12 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح3.

(2) الوسائل باب12 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح2.

(3) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح1.

(4) الوسائل باب12 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo