< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الآيات(16)

وأمَّا ما ورد من كفاية الأقلّ، مثل رواية أبي البُختري عن أبي عبد الله عليه السلام (أنَّ عليّاً عليه السلام صلَّى في كُسُوف الشَّمس ركعتين، في أربع سجدات وأربع ركعات، قام فقرأ ثمَّ ركع، ثمَّ رفع رأسه ثمَّ ركع، ثمَّ قام فدعا مثل ركعتين، ثمَّ سجد سجدتين ثمَّ قام، ففعل مثل ما فعل في الأُولى في قراءته وقيامه وركوعه وسجوده سواء)(1).

ورواية يونس بن يعقوب (قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: انكسف القمر فخرج أبي، وخرجت معه إلى المسجد الحرام، فصلَّى ثماني ركعات، كما يصلِّي ركعةً وسجدتين)(2).

ففيهما أوَّلاً: أنَّهما ضعيفتان من حيث السَّند:

الأولى: بأبي البختري، وقد قيل: (إنَّه أكذب البريَّة).

والثانية: بعدم وثاقة المحسن بن أحمد الواقع في السَّند.

وثانياً: أنَّه أعرض عنهما جميع الأعلام قديماً وحديثاً، وإعراض الكلّ غير إعراض المشهور.

وعليه، فيتعيَّن طرحهما، أو يردّ علمهما إلى أهلهما.

وأمَّا ما ذكره الشَّيخ رحمه الله من أنَّ الوجه في هذَيْن الحديثَيْن هو التقيَّة، لأنَّهما موافقان لمذهب بعض العامَّة.

فقد ردّه صاحب الجواهر رحمه الله بقوله: (وإن كنتُ لم أعثر على من حُكِي عنه ما في الخبر الثاني -أي رواية يونس- منهم، إذِ المحكي عن أبي حنيفة والنَّخعي والثَّوري ركعتان كالصُّبح، والشَّافعي ومالك وأحمد وإسحاق ما في الخبر الأوَّل -رواية أبي البختري- وابن المنذر ستّ ركعات وأربع سجدات).

وفيه: أنَّه لا حاجة للحَمْل على التقيَّة، لما عرفت، حتَّى لو كان ذلك موافقاً لهم.

وذكر صاحب الوسائل رحمه الله أنَّه يُحْتمل كون تلك الصَّلاة صلاة أخرى، وأنَّه صلَّاها بعد صلاة الكُسُوف لاتِّساع الوقت؛ وكذا احتمل صاحب كشف اللثام.

ولكنَّ هذا الاحتمال بعيد جدًّا عن الواقع، فالصَّحيح هو ما ذكرناه، والله العالم.

ثمَّ إنَّه يقع الكلام في عدَّة أمور:

الأوَّل: المعروف بين الأعلام أنَّه إذا أتمّ السُّورة وجب إعادة الحمد، وحكى المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى عن ابن إدريس رحمه الله أنَّه لا يجب تِكرار الحَمْد مع إكمال السُّورة، بل يستحبّ، قال المصنِّف فيها: (وهو قول نادر).

كما أنَّ المحقِّق رحمه الله في المعتبر أشكل عليه: (بأنَّه خلاف فتوى الأصحاب، والمنقول عن أهل البيت عليه السلام).

وفي الجواهر -تعليقاً على كلام ابن إدريس رحمه الله-: (ويمكن أن يكون قد سَبَقه الإجماع ولحقه، فهو من الشُّذوذ والنُّدرة بمكان، خصوصاً وقدِ استفاضت النُّصوص، بخلافه إن لم تكن تواترت...).

أقول: ما ذكره الأعلام هو الصَّحيح، وقد دلَّت عليه النصوص المتقدِّمة، مضافاً للتسالم بين الأعلام.

والعجب من ابن إدريس رحمه الله كيف أعرض عن كلّ الرِّوايات الدالَّة على ذلك، وفيها الصَّحيح والحَسَن والموثَّق وغيرها، لا سيَّما أنَّه لا دليل فيما ذهب إليه إلَّا ما ذكره المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى، حيث قال: (فإنِ احتجَّ ابن إدريس رحمه الله برواية عبد الله بن سنان عن الصَّادق عليه السلام (قال: انكسفتِ الشَّمس على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصلَّى ركعتين، قام في الأُولى فقرأ سورةً، ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع، ثمَّ رفع رأسه فقرأ سورة، ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع، ثمَّ رفع رأسه فقرأ سورةً، ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع، ثمَّ رفع رأسه فقرأ سورةً ثمَّ ركع، فَعَل ذلك خمس ركعات قبل أن يسجد، ثمَّ سجد سجدتين، ثمَّ قام في الثانية ففعل مثل ذلك، فكان له عشر ركعات وأربع سجدات).

والتوفيق بينها وبين باقي الرِّوايات بالحمل على استحباب قراءة الفاتحة مع الإكمال؛ فالجواب: أنَّ تلك الرِّوايات أشهر وأكثر، وعمل الأصحاب بمضمونها، فتُحْمل هذه الرِّواية على أنَّ الرَّاوي تَرَك ذِكْر الحمد للعلم به، لتوافق تلك الرِّوايات الأخر)، انتهى كلام المصنِّف رحمه الله في الذكرى، وهو جيد.

إلَّا أنَّ رواية عبد الله بن سنان التي ذكرها دليلاً لابن إدريس رحمه الله ضعيفة بالإرسال، حيث لم يذكر الطَّريق إلى عبد الله بن سنان.

وفي الحدائق: (لم أقفْ على هذه الرِّواية إلَّا في كتاب الذِّكرى، فإنَّه لم ينقلها صاحب الوافي الجامع لأخبار الكتب الأربعة، ولا صاحب الوسائل، مع جمعه لما زاد عنها، ولا شيخنا في البحار مع تصدِّيه فيه لنقل جملة الأخبار...).

وإلَّا رواية أبي بصير المتقدِّمة (قلتُ: فمَنْ لم يُحْسِن (يس) وأشباهها؟ قال: فَلْيقرأ ستين آيةً في كلِّ ركعة، فإذا رفع رأسه من الرُّكوع فلا يقرأ بفاتحة الكتاب...)(3).

ولكنَّك عرفت أنَّها ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائني.

مضافاً لِما قلناه: من أنَّ عدم ذِكْر قراءة الفاتحة في كلِّ ركعة مع سورة (يس) إنَّما هو لوضوح اعتبارها.

ثمَّ إنَّه لو عملنا بهاتين الرِّوايتين لدلّنا على عدم اعتبار الفاتحة حتَّى القيام الأوَّل من الرِّكعة الأولى، والقيام الأوَّل من الرِّكعة الثانية، وهذا لم يقل به أحد من الأعلام على الإطلاق، والله العالم.

 

الأمر الثاني: المعروف بين الأعلام أنَّه إذا ركع عن بعض سورة قرأ لدى الَّرفع من الرُّكوع من حيث قطع، ولكنْ هل يجوز له إعادة الحَمْد، أم لا يجوز، كما هو صريح الفاضل الأصبهاني رحمه الله في كشف اللثام، وصاحب الحدائق رحمه الله، بل هو ظاهر كثير من الأعلام، ومنهم المصنّف رحمه الله هنا -أي في الدُّروس- ومنهم صاحب الجواهر والمحقِّق الهمداني والسّيِّد محسن الحكيم والسّيِّد أبو القاسم الخوئي رحمه الله، وهو الأقوى، وذلك للنَّهي عن القراءة في أكثر الرِّوايات المتقدِّمة:

منها: حسنة زرارة ومحمَّد بن مسلم (فإنْ نقصت من السُّوَر شيئاً فاقرأ من حيث نقصت، ولا تقرأ فاتحة الكتاب...)(4).

ومنها: صحيحة عليّ بن جعفر (وإنْ قرأت سورةً في الرِّكعتين أو ثلاث فلا تقرأ بفاتحة الكتاب حتَّى تختم السُّورة...)(5).

واحتمالُ إرادة نفي الوجوب من النَّهي، لأنَّه في مقام توهُّم الوجوب، باعتبار كون كلّ قيام ركعةً، فيقرأ فيه بفاتحة الكتاب، غير ظاهر، لأنَّ الأمر بقرائتها إنَّما هو على تقدير قراءة سورة تامَّة.

وأمَّا التعبير بالإجزاء في صحيحة الرَّهْط ( قلتُ: وإن هو قرأ سورةً واحدةً في الخمس ركعات يفرّقها (ففرّقها) بينها، قال: أجزأه أمّ القرآن الكريم في أوَّل مرَّة...)(6).

وكذا في صحيحة الحلبي (وإنْ قرأت نصف سورة أجزأك أنْ لا تقرأ فاتحة الكتاب، إلَّا في أوَّل ركعة...)(7)، فلا تصلح قرينةً على إرادة الجواز، لأنَّه أعمّ من ذلك.

___________

(1)و(2) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح4و5.

(3) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح2.

(4) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح6.

(5) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح13.

(6و7) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح1و7.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo