< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الآيات(14)

الأمر الثاني: لو صلَّى الكُسُوف في ضِيق وقت الفريضة، فهل تصحُّ صلاته؟

قد يقال: بالبطلان، لأنَّ الأمر بالشَّيء يقتضي النَّهي عن ضدِّه.

ولكنَّك عرفت في محلّه، أنَّه لا يقتضى النَّهي عن ضدِّه.

لا يُقال: إنَّها باطلة، ولو لم نقل بأنَّ الأمر بالشَّيء يقتضي النَّهي عن ضدِّه، بل هي باطلة لِعدم الأمر بها.

فإنَّه يُقال: إنَّ الأمر موجود، ولكن على نحو الترتُّب، كما تقدَّم في علم الأصول.

والخلاصة: أنَّه لو صلَّى الكُسُوف في ضِيق وقت الفريضة لصحَّت صلاتُه، والله العالم.

الأمر الثالث: فيما لو اتَّفقت صلاة الكُسُوف في وقت نافلة اللَّيل، فالمعروف بين الأعلام أنَّ الكُسُوف أَوْلى وإنْ خرج وقت النافلة.

وفي المدارك: (هذا قول علمائنا أجمع، قال في المنتهى)، وفي الجواهر: (إجماعاً بقسمَيْه ونصّاً، بل في معقد إجماع التذكرة، والمحكي منهما عن المعتبر والمنتهى، مطلق النافلة...).

أقول: لا إشكال في وجوب تقديم صلاة الكُسُوف في حال ضِيق وقتهما.

وأمَّا مع سعة وقتهما، أو وقت الكُسُوف، فلا إشكال أيضاً في أنَّ الأَولى تقديم صلاة الكُسُوف.

وتدلّ عليه بعض الرِّوايات:

منها: صحيحة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة عن أحدهما "عليه السلام" (قال: سألتُه عن صلاةِ الكُسُوفِ في وقتِ الفريضة، فقال: اِبدأ بالفريضة، فقِيل له: في وقتِ صلاةِ اللَّيل؟ فقال: صلِّ صلاةَ الكُسُوفِ قبلَ صلاةِ اللَّيل)(1).

ومنها: صحيحته الثانية، حيث ورد في ذَيْلها (قلتُ: فإذا كان الكُسُوف في آخر اللَّيل، فصلَّينا صلاة الكُسُوف، فاتتنا صلاةُ اللَّيل فبأيِّهما نبدأ؟ فقال: صلِّ صلاةَ الكُسُوف، واقضِ صلاةَ اللَّيلِ حين تصبح)(2).

ثمَّ إنَّه لو قدَّم النافلة في ضِيق وقتهما فقد عصى، ولكنْ تصحّ منه النافلة، لِما عرفت من أنَّ الأمر بالشَّيء لا يقتضي النَّهي عن ضده، وتكون النافلة مأموراً بها حينئذٍ من باب الترتُّب، كما عرفت.

وأمَّا لو قدَّم النافلة في سعة وقتهما، أو سعة وقت الكُسُوف، فالأقوى هو الجواز، لأنَّ الرِّوايات الكثيرة الناهية عن التطوُّع في وقت الفريضة -التي قد ذكرناها في مبحث المواقيت- محمولة على الكراهة.

هذا، إذا سُلِّم شمول الفريضة لِما نحن فيه، ولم نقل بانصرافها إلى اليوميَّة.

وأمَّا الأمر بصلاة الكُسُوف قبل صلاة اللَّيل في الصَّحيحتَيْن المتقدِّمتَيْن فيُحمل على الاستحباب.

قال المحقِّق الكركي "رحمه الله" في جامع المقاصد: (فلو قدَّم صلاة اللَّيل مع القطع بسِعة الكُسُوف فالظَّاهر الجواز، وكذا غير نافلة اللَّيل من النَّوافل -ثمَّ قال:- وظاهر المصنِّف في كتبه العدم، وهو مستفاد من إطلاق قولهم تصلِّي النافلة ما لم يدخل وقت الفريضة...).

وفي مفتاح الكرامة : (ليس ذلك ظاهر المصنِّف وحده، بل ظاهر إطلاق الفتاوى والإجماعات أنَّه لا فرق بين ما إذا اتَّسع وقت صلاة الفريضة، بحيث ما لو أتى بالنافلة أدركها بعدها، أو لا...).

أقول: لا وجه للمنع، إلَّا بناءً على القول بعدم جواز التطوُّع في وقت الفريضة؛ وبناءً على شمول الفريضة لصلاة الكُسُوف وعدم انصرافها إلى اليومية.

ولكنَّك عرفت أنَّ الأقوى جواز التطوُّع في وقت الفريضة، والله العالم.

 

قوله: (وكيفيَّتها كاليوميَّة فيما يجب ويستحبّ ويترك)

المعروف بين الأعلام أنَّه يجب في صلاة الآيات جميع ما يعتبر في اليوميَّة من الشَّرائط والأجزاء وعدم المانع، وكذا الأذكار الواجبة والمستحبَّة، وذلك لإطلاق أدلَّة الأجزاء والشَّرائط وعدم المانع.

وبالجملة، فإنَّ صلاة الآيات تندرج في اسم الصَّلاة، فيعتبر فيها ما يعتبر في تلك، فهي مثلها في أحكام السَّهو في الرُّكوعات والرَّكْعات، فتبطل بنسيان ركن إنْ دخل في ركن آخر، وكذا تبطل بزيادته.

والأركان في صلاة الآيات هي الأركان في باقي الصَّلوات.

واحتمالُ كونِ ما عدا الخامس والعاشر من الرُّكوعات من الأفعال لا من الأركان ضعيف جدّاً.

وتبطل بالشَّك في الرَّكْعات لأنَّها من الثنائيَّة، دون الشَّكّ في الرُّكوعات، إلَّا إذا رجع الشَّكّ في الرُّكوعات إلى الشَّكّ في الرَّكْعات، كما لو شكّ في الخامس والسَّادس فتبطل حينئذٍ.

نعم، تنفرد صلاة الآيات عن صلاة اليوميَّة ببعض الأمور، كزيادةِ الرُّكوع، والتبعيضِ في السُّورة، وتكرارِ الحَمْد، ونحوها ممَّا سنذكره -إن شاء الله تعالى-.

قوله: (إلَّا في الرُّكُوعِ فإنَّه خمسة في كلِّ ركعة، وفي جَوَاْزِ التبعيض في السُّورة فلا تُكَرَّر الفاتحة؛ ولو أكمل السُّورة وجبت الفاتحة، وقال ابن إدريس: يستحبّ؛ وأقلُّ المجزئ في الخمسة الفاتحة وسورة، وأكثرُه الحمد خمساً والسُّورة خمساً)

المعروف بين الأعلام أنَّ كيفيَّة هذه الصَّلاة: ركعتان، في كلِّ ركعة خمس رُكُوعات وسجدتان؛ والقراءة قبل كلّ ركوع، وفي كثير من النُّصوص -كما سنذكر بعضها إن شاء الله تعالى- وقع التعبير عن الرُّكوعات بالرَّكْعات، فيقال: إنَّه عشر ركعات، والمقصود عشر رُكُوعات.

وتفصيل هذه الصَّلاة المقطوع بإجزائها هو أن يحرم، ثمَّ يقرأ الحمد وسورة، ثمَّ يركع، ثمَّ يرفع رأسه فإن كان لم يتمَّ السّورة قرأ من حيث قطع، وإن كان أتمَّ قرأ الحمد ثانياً، ثمَّ قرأ سورة، حتَّى يتمَّ خمساً على هذا الترتيب، ثمَّ يركع ويسجد اثنتين، ثمَّ يقوم ويقرأ الحمد وسورة، معتمداً ترتيب الأوَّل، ويسجد اثنتين ويتشهَّد ويسلِّم.

ولا إشكال في صحَّة الصَّلاة بهذه الكيفيَّة بين جميع الأعلام، وقد وقع التسالم بينهم على كونها كذلك مجزئةً.

________

(1)و(2) الوسائل باب5 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح1و2.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo