< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الآيات(13)

 

قوله: (ويقدم المضيَّق منهما)

لا إشكال في تقديم المضيَّق منهما، بل عن جماعة كثيرة الإجماع عليه.

وقال في كشف اللثام: (أنَّ ظاهر الصَّدوقَيْن ومَنْ تلاهما -أي ممَّنْ قال بوجوب البدأة باليوميَّة- تقديم الفريضة وإن اتِّسع وقتها، وضاق وقت الكُسُوف...).

ولكن لا ريب في ضَعْف هذا الكلام، وذلك لِعدم التزاحم بين الموسَّع والمضيَّق، بلِ ادَّعى ابن إدريس رحمه الله الإجماع على تقديم صلاة الكُسُوف مع السّعة، فضلاً عن ضِيقها.

وقد ذكرنا سابقاً الرِّوايات الدَّالة على جواز تقديم صلاة الكُسُوف مع اتِّساع وقتهما.

وعليه، ففي حال ضِيق وقت صلاة الكُسُوف يكون ذلك من باب أَوْلى.

 

قوله: (ولو تضيَّقا قدَّم الحاضرة)

لا خلاف بين الأعلام في تقديم الحاضرة فيما لو تضيَّقا، وذلك لمعلوميَّة أهميَّة اليوميَّة من الرِّوايات، بل هناك تسالم بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً، بحيث أصبحت المسألة من الواضحات.

 

قوله: (ولو كان في الكُسُوف فتضيَّق وقتُ الحاضرةِ قطعها، ثمَّ بنى في الكُسُوف، على الرِّواية الصَّحيحة، والمشهور بين الأصحاب)

ذهب المشهور إلى أنَّه ليس المراد بالقطع الوارد في الرِّوايات هو إبطال صلاة الكُسُوف، بل رفع اليد عنها، والإتيان بالفريضة، ثمَّ العَوْد إليها والبناء على ما مضى، فهو في الحقيقة استثناء عمَّا دلّ على اقتضاء بطلان الصَّلاة بالفعل الكثير في أثنائها.

وحُكِي عن الشَّيخ رحمه الله في المبسوط أنَّه ذهب إلى أنَّ مَنْ قطع صلاة الكُسُوف لخوف فوات الفريضة وجب عليه استئنافها؛ ووافِقه المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى، وعلَّل ذلك بقوله: (لأنَّ البناء بعد تخلُّل صلاة أجنبيَّة لم يُعْهد في الشَّرع تجوزيه في غير هذا الموضع؛ والاعتذار بأنَّ الفعل الكثير يغتفر هنا لِعدم منافاته الصَّلاة، بعيد، فإنَّا لم نبطلها بالفعل الكثير، بل بحكم الشَّرع بالإبطال، والشُّروع في الحاضرة، فإذا فرغ منها فقد أتى بما يخلّ بنظم صلاة الكُسُوف، فتجب إعادتها من رأس، تحصيلاً ليقين البراءة).

وفيه: أنَّ هذا غريب من المصنِّف رحمه الله، بل لا يُتَوقع صدوره منه رحمه الله، لأنَّ الشَّارع المقدَّس حكم بالصَّحّة في الرِّوايات السَّابقة، لا البطلان، بل في بعضها كرواية بريد ومحمَّد بن مسلم تصريح بالاحتساب بما مضى.

وبالجملة، فهو اجتهاد في مقابل النصّ.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه ينبغي الاقتصار على الفصل بالصَّلاة خاصَّةً، لِعدم ثبوت اغتفار غيره.

وذهب بعض الأعلام أنَّ القَدَر المتيقَّن من ذلك -أي مِنْ جواز قَطْع صلاة الكُسُوف والإتيان بالحاضرة في إثنائها، ثمَّ العَوْد إليها وإتمامها- إنَّما هو فيما لو تلبَّس بصلاة الكُسُوف، فبان له ضِيق وقت الإجزاء، لا وقت الفضيلة، ولا مَنْ علم الفوات قبل التلبُّس.

ولعلّ السِّرّ في ذلك: هو حَمْل القطع الواردة في الروايات على المتلبِّس، إذ لا يصدق القطع على ما قبل التلبُّس.

كما أنَّهم فهموا كون المراد من الوقت هو وقت الإجزاء بقرينة رواية بريد ومحمَّد بن مسلم الذي أُطلِق فيها خوف فوات الوقت من غير إشعار بالفَضِيلي فيه، إذ هو الذي يخاف خروج الوقت بفواته.

ولكن يرد عليهم أوَّلاً: أنَّ رواية بريد ومحمَّد بن مسلم ضعيفة السَّند.

وثانياً: أنَّ إرادة وقت الإجزاء من الرِّواية لا يقتضي إرادته من باقي الرِّوايات، بل أقصاه اقتضاء إطلاق مفهوم الشَّرط -الوارد في صدر الرِّواية- عدم وجوب القطع، وهو مسلم .

ولذا قلنا سابقاً: إنَّ الأمر محمول على الاستحباب، وهذا لا يقتضي حَمْل الوقت في باقي الرِّوايات على وقت الإجزاء؛ بل لعلَّ الأقرب حَمْل الوقت في رواية بريد ومحمَّد بن مسلم على وقت الفَضِيلي منه، بقرينة باقي الرِّوايات.

وعليه، فالإنصاف: أنَّه لا يقتصر على وقت الإجزاء، بل يستحبّ القطع لإدراك وقت الفضيلة، ثمَّ العَوْد إليها وإتمامها.

نعم ، يقتصر ذلك على المتلبِّس، لا مَنْ عَلِم الفوات قبل التلبُّس، وذلك لِمَا تقدَّم.

ثمَّ إنَّ قضيَّة إطلاق الرِّوايات المتقدِّمة عدم الفرق في وجوب العود إلى صلاة الكُسُوف وإتمامها بعد أداء الفريضة بين بقاء وقت الكُسُوف وعدمه، والله العالم.

بقي عندنا ثلاثة أمور:

الأول: المشهور بين الأعلام أنَّه لوِ اشتغل بالحاضرة في حال الضِّيق، فانجلى الكُسُوف، فإنْ كان قد فرَّط في تأخير الكُسُوف لا إشكال في القضاء، ولا فرق بين الاستيعاب وعدمه.

وإن لم يكن مفرِّطاً، فالمشهور عدم القضاء، لِعدم حصول سبب القضاء الذي يتحقّق به الفوات، ضرورة عدم التكليف بها مع الفريضة بعد فرض قصور الوقت عنهما، فينحصر الخطاب حينئذٍ بالحاضرة، ويسقط التكليف بصلاة الآيات، فلا فوات حينئذٍ.

وتأخير الحاضرة كان مباحاً إلى ذلك الوقت المقتضي عدم التكليف بصلاة الكُسُوف.

والعلم بوقوع الكُسُوف لا يوجب عليه المبادرة لِفِعْل الحاضرة، لما عرفت.

ولكن قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى: (لوِ اشتغل بالصَّلاة عند خوف ضِيق الوقت ففاته الكُسُوف، فإن كان قد فرط في فعل الحاضرة أوَّل الوقت، فالأقرب قضاء الكُسُوف، لاستناد إهمالها إلى ما تقدم من تقصيره؛ ويحتمل عدمه لأنَّ التأخير كان مباحاً إلى ذلك الوقت، ثمَّ تعيَّن عليه الفعل بسبب التضييق، واقتضى ذلك الفوات، فهو بالنَّظر إلى هذه الحال غير متمكِّن من فعل الكُسُوف، فلا يجب الأداء لِعدم التمكُّن، ولا القضاء لعدم الاستقرار).

أقول: ما ذكره بعنوان الاحتمال هو الأقوى، لِما عرفت أنَّه يجوز له تأخير الفريضة إلى آخر الوقت، فلوِ اتَّفق حصول الكُسُوف في ذلك الوقت، وانجلى مدَّة اشتغاله بالفريضة، فلا يجب حينئذٍ فِعْل الكُسُوف، لأنَّه غير متمكِّن منه، ولا القضاء، لِعدم الاستقرار، لأنَّه لم يمضِ عليه بعد وقوع الكُسُوف زمان يمكن الأداء فيه ليحصل به استقرار الوجوب، والله العالم.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo