< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/04/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الآيات(10)

 

وأمَّا ما ذهب إليه الشَّيخ المفيد رحمه الله من الحكم بقضائها جماعةً عند احتراق القرص كلّه، وفرادى عند احتراق بعضه، فالظَّاهر أنَّه قدِ انفرد به، إذ لم يوجد له موافق من الأعلام، وأيضاً لا يوجد ما يدلّ عليه من الأخبار.

نعم، يُحْكى ذلك عن الصَّدوقَيْن (رحمهما الله) في الأداء، حكى عنهما المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى، حيث قال فيها: (قال الصَّدوقان: إذا احترق القرص كلّه فصلّها في جماعة، وإنِ احترق بعضه فصلّها فرادى...).

وقد يستدلّ للصَّدوقَيْن برواية ابن أبي يعفور المتقدِّمة عن أبي عبد الله عليه السَّلام (قال: إذا انكسفت الشَّمس والقمر فانكسف كلُّها فإنَّه ينبغي للنَّاس أن يفزعوا إلى إمامٍ يصلِّي بهم، وأيّهما كُسِف بعضُه فإنَّه يجزي الرَّجلُ يصلِّي وحده...)(5).

وهي -مضافاً لِضعفها سنداً بعدم وثاقة عليّ بن يعقوب الهاشمي-: لا يدلّ على الوجوب، بل ظاهره جدًّا في الاستحباب، لأنَّ كلمة (ينبغي) إن لم تكن صريحةً فهي ظاهرة في ذلك.

ولو قطعنا النَّظر عن ضعفها سنداً ودلالةً فيمكن حينئذٍ أن تكون دليلاً للشَّيخ المفيد رحمه الله، باعتبار أنَّ إطلاقها يشمل القضاء أيضاً، أو يُقال: بأنَّ القضاء تابع للأداء، والأمر في ذلك سهل، والله العالم.

الأمر الثاني: إذا علم بحصول الكُسُوف وأخلَّ بالصَّلاة، فالمعروف بين الأعلام أنَّه يجب القضاء وإنِ احترق بعض القرص، سواء أخلَّ بالصَّلاة عمداً أو نسياناً.

وفي المدارك: (هذا قول الأكثر)، وفي الجواهر : (بلا خلاف أجده في الكُسُوفَيْن معِ الاحتراق والتَرْك عمداً، بل في المحكي عن المنتهى الإجماع عليه، كما أنَّه مندرج في معقد إجماع الانتصار والخلاف والغنية، وهو الحجَّة بعد فحوى النصوص المتقدِّمة في الجاهل...).

وقال الشَّيخ رحمه الله في النِّهاية والمبسوط: (لا يقضي النَّاس ما لم يستوعب الاحتراق، وظاهر المرتضى في المصباح عدم وجوب القضاء ما لم يستوعب وإن تعمَّد الترك).

أقول: هناك تسالم بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً على وجوب القضاء إذا احترق تمام القرص، سواء كان الترك عمداً أو نسياناً.

وعليه، فقد خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه، وأفادت القطع بالمسألة، حيث أصبحت من الواضحات.

ويدلّ عليه -مضافاً إلى ذلك-: فحوى الرِّوايات المتقدِّمة في الجاهل، فإذا وجب القضاء مع الجهل بالكُسُوف، وكان القرص محترقاً بتمامه، فمِنْ باب أَوْلى مع العلم والتَرْك العمدي.

نعم، هذه الأولويَّة غير واضحة في الترك نسياناً.

___________

(1)و(2) الوسائل باب10 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح5و6.

(3) رواه المحقق في المعتبر: ج2، ص406.

(4) الوسائل باب1 من أبواب قضاء الصلوات ح1.

(5) الوسائل باب12 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح2.

 

ويدلّ على وجوب القضاء أيضاً صحيحة زرارة المتقدِّمة عن أبي جعفر عليه السَّلام (أنَّه سُئِل عن رجل صلَّى بغيرِ طهورٍ، أو نسي صلوات لم يصلِّها، أو نام عنها، قال: يقضيها إذا ذكرها في أيِّ ساعةٍ ذكرها، من ليلٍ أو نهارٍ...)(1)، فقوله: (أو نسي صلوات)، يشمل هذه الصَّلاة، لأنَّها صلاة حقيقةً، وهي صريحة في النِّسيان.

وقوله : (أو نام عنها)، يشمل التَرْك العمدي.

وقدِ استُدل أيضاً: بمرسلة حريز المتقدِّمة عن أبي عبد الله عليه السَّلام (قال: إذا انكسف القمر فاستيقظ الرَّجل فكسل أن يصلِّي فَلْيغتسل من غد، وَلْيقضِ الصَّلاة...)(2)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

وأمَّا قضيَّة الاغتسال، فقد تقدَّم الكلام عنه في أوَّل بحث الطَّهارة.

وقدِ استُدلّ أيضاً برواية أبي بصير المتقدِّمة أيضاً (قال: سألتُه عن صلاةِ الكُسُوف، قال: عشر ركعات، وأربع سجدات -إلى أن قال:- فإذا أغفلها، أو كان نائماً، فَلْيقضها)(3)، وهي ضعيفة بابن البطائني.

وقدِ استُدلّ أيضاً بحسنة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السَّلام (الغُسْل في سبعة عشر موطناً -إلى أن قال في ذَيْل الحسنة:- وغُسْل الكُسُوف إذا احترق القرص كلّه فاستيقظت، ولم تصلّ، فاغتسل واقضِ الصَّلاة)(4)، هذا تمام الكلام إذا احترق تمام القرض.

___________

(1) الوسائل باب1 من أبواب قضاء الصَّلوات ح1.

(2)و(3) الوسائل باب10 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح5و6.

(4) الخصال: ج1، ص508، ح1.

 

وأمَّا إذا احترق بعضه، فتدلّ عليه صريحا مرسلة الكليني، حيث قال -بعد ذكر صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم-: (وفي رواية أخرى: إذا علم بالكسوف، ونسي أن يصلِّي، فعليه القضاء، وإن لم يعلم به فلا قضاء عليه؛ هذا إذا لم يحترق كلّه)(1)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

وأمَّا قول صاحب الوسائل رحمه الله -بعد ذكر هذه المرسلة-: (محمَّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمَّاد مثله-: فهو راجع إلى صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم، لا إلى هذه المرسلة.

وقدِ استُدل أيضاً: بموثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله عليه السَّلام -في حديث- (قال: إن لم تعلم حتَّى يذهب الكُسُوف، ثمَّ علمت بعد ذلك، فليس عليك صلاة الكُسُوف، وإن أعلمك أحد -وأنت نائم- فعلمت، ثمَّ غلبتك عينك فلم تصلّ، فعليك قضاؤها)(2)، وهذه الرِّواية رُوِيت بطريقَيْن: أحدهما ضعيف بعليّ بن خالد، فإنَّه غير موثَّق، والطريق الآخر معتبر، لأنَّ إسناد الشَّيخ رحمه الله إلى عمَّار صحيحة.

وهذه الموثَّقة، وإن كان موردها غلبة النَّوم، إلَّا أنَّ الظَّاهر أنَّه لا فرق بين النسيان، وغلبة النَّوم، بل وسائر الأعذار، وإنَّما ذكر غلبة النَّوم من باب المثال.

ويستفاد حكم العامد منها بالفحوى، أي من باب الأولويَّة، فإذا كان القضاء واجباً في صورة العذر -وهو غلبة النوم ونحوه- فوجوبه في التَرْك العمدي من باب أولى، كما لا يخفى.

أضف إلى ذلك: أنَّه لا يوجد قول بالتفصيل، وهو نفي القضاء في العامد وإثباته في الناسي، ومَنْ غلب عليه النَّوم.

هذا، وقد ذكرنا هذه الموثَّقة سابقاً، وقلنا: إنَّ قوله عليه السَّلام في صدر الموثَّقة: (إن لم تعلم حيت يذهب الكُسُوف، ثمَّ علمت بعد ذلك، فليس عليك صلاة الكُسُوف...)، محمول على صورة احتراق بعض القرص جمعاً بينها وبين الرِّوايات المتقدِّمة الواردة في الجاهل، المفصِّلة بين احتراق الكلّ فيقضي واحتراق البعض فلا يقضي.

ويفهم من ذلك أنَّ ذَيْل هذه الموثَّقة -وهو قوله عليه السَّلام: وإن وأعلمك أحد وأنت نائم...- محمول على صورة احتراق البعض أيضاً.

وعليه، فتكون هذه الموثَّقة مقيِّدة لإطلاق الرِّوايات الدَّالة على نفي القضاء، كما في صحيحة عليّ بن جعفر المتقدِّمة (إذا فاتتك فليس عليك قضاء)(3)، وكذا غيرها.

فإنَّ هذه الرّوايات المطلقة الدَّالة على نفي القضاء مطلقاً، كما يجب تقييدها بما إذا لم يحترق القرص كلّه كذلك تُقيَّد بما إذا وقع ذلك جهلاً بشهادة الموثَّقة.

ويصبح المراد من صحيحة عليّ بن جعفر، وغيرها من الرِّوايات المطلقة: هو أنَّه لا قضاء في صورة عدم العلم مع عدم الاستيعاب، والله العالم.

_______

(1) الوسائل باب10 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح3.

(2) الوسائل باب10 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح10.

(3) الوسائل باب10 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح7.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo