< قائمة الدروس

الموضوع: صلاة الآيات(6)

 

وأمَّا القول الثاني -وهو أن الوقت ينتهي بالشُّروع في الانجلاء-: فقد يستدلّ له بصحيحة حمَّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: ذكروا انكساف القمر، وما يلقى النَّاس من شدَّته، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: إذا انجلى منه شيء فقد انجلى)(1).

وجه الاستدلال بها: هو أنَّ الشَّارع المقدَّس نزَّل انجلاء البعض منزلة انجلاء الكلّ من حيث الأثر الشَّرعي، وهو كونه غايةً لوقت الصلاة، أي كما أنَّه بانجلاء الكلّ ينتهي الوقت كذلك بانجلاء البعض.

وفيه: ما ذكره المحقِّق رحمه الله في المعتبر، وتبعه عليه أكثر الأعلام: (وهو أنَّه يحتمل أن يريد تساوي الحالَيْن في زوال الشِّدة، لا بيان الوقت...).

وحاصله: أنَّ السُّؤال لمَّا كان عن الشِّدَّة التي يلقاها النَّاس عند انكساف القمر من الرُّعب الحاصل في قلوب النَّاس بسببه، فأجاب عليه السلام بانتهاء وقت الشِّدة بمجرد الشُّروع في الانجلاء، أي أنَّ الشُّروع في الانجلاء يساوي تمام الانجلاء في زوال الشِّدة، وليست الصَّحيحة ناظرة إلى وقت الصَّلاة.

وقدِ استُدلّ أيضاً بالأصل العمليّ، أي أنَّ مقتضى الاحتياط هو القول بانتهاء الوقت بالأخذ في الانجلاء.

وفيه: ما لا يخفى، فإنَّ المورد من موارد جريان البراءة كما عرفت، لا الاحتياط.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ الأقوى هو القول الأوَّل، أي بامتداد الوقت إلى تمام الانجلاء، والله العالم بحقائق أحكامه.

    

قوله: (وفي غيرها عند حصول السَّبب)

ذكرنا فيما سبق أنَّ صلاة الآيات إنَّما تجب للكُسُوفَيْن وللزَّلْزَلة ولِلمُخوف السَّماوي، وقد تقدَّم الكلام عن الكُسُوفَيْن، من حيث توقيتهما ابتداءً وانتهاءً.

أمَّا الزَّلْزَلة، فالمعروف بين الأعلام أنَّه لا وقت لها من حيث الانتهاء، بل وقت الصَّلاة فيها طول العمر.

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (وقَّتَ الأصحاب الزَّلْزَلة بطول العمر، وصرَّحوا أنَّه لا يشترط سِعة الزَّلْزَلة للصَّلاة، فكان مجرد الوجود سبب في الوجوب؛ وشكّ فيه الفاضل، لمنافاته القواعد الأصوليَّة، منِ امتناع التكليف بفِعْلٍ في زمان لا يسعه؛ وباقي الأخاويف عند الأصحاب يشترط فيها السِّعة، ولا نرى وجهاً للتخصيص إلَّا قِصَر زمان الزَّلْزَلة غالباً، فإذا اتَّفق قِصَر زمان تلك الآيات -بل قِصَر زمانها أيضاً غالب- احتمل الفاضل وجوب الصَّلاة أداءً، كما يحتمل في الزَّلْزَلة ذلك؛ وحكم الأصحاب بأنَّ الزَّلْزَلة تُصلَّى أداءً طول العمر، لا بمعنى التوسعة، فإنَّ الظَّاهر وجوب الأمر هنا على الفور، بل على معنى نيَّة الأداء وإن أخلّ بالفوريَّة لعُذْر أو غيره).

والحاصل: أنَّ مقتضى كون وقتها العُمْر أنَّ الزَّلْزَلة إنَّما هي من قبيل الأسباب، فمتى حصلت -طالت أو قصرت- وجب الإتيان بها، واشتغلت الذِّمة بها، إلى أن يأتي بها، لا تقدير لها بوقت، ولا تحديد لها بحدّ.

وحكى المصنِّف رحمه الله في البيان قولاً: بأنَّها تُصلَّى بنيَّة القضاء، ولكن لم نظفر بقائله؛ كما أنَّ ظاهر إشارة السَّبق أنَّ الزَّلْزَلة لها وقت يسقط الفعل بقصور الزَّمان عن فعله.

قال: (إنَّ الصَّلاة لا تجب بشيء من الزَّلْزَلة وهذه الآيات إذا لم تتسع لها).

وقال العلَّامة رحمه الله في التذكرة: (أنَّ كلّ آية يقصر زمانها عن الصَّلاة غالباً، كالزَّلْزَلة، فوقت صلاته العُمْر، وهي أسباب لها، لا أوقات لثبوت الوجوب لِمَا مرّ؛ وانتفاء التوقيت بالقصور، لأنَّ توقيت الفعل بما يقصر عنه من الوقت تكليف بالمُحال، وكلّ آية يمتدّ غالباً مقدار الصَّلاة فهي وقت لها، فإنِ اتَّفق القصور لم تجب الصَّلاة للأصل، كما إذا قصر الكسوف عنها...).

أقول: ما ذهب إليه معظم الأصحاب من أنَّ الزَّلْزَلة لا وقت لها، وأنَّها تجب بمجرد حصولها وإن قصر الوقت -كما هو الغالب- هو الصَّحيح، وذلك لإطلاق معقد الإجماع، وإطلاق الأمر الخالي عن التقييد، إذ لا يوجد ما يقتضي تقييده بوقت خاصّ.

وقد عرفت أنَّ أدلَّة الزَّلْزَلة وإن كانت ضعيفةً إلَّا أنَّ النَّفس تطمئنّ بالوجوب، فراجع ما ذكرناه.

ثمَّ إنَّك عرفت أنَّ المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى ذهب إلى أنَّ الأمر بالزَّلْزَلة على الفور، بل ظاهر عبارته اتِّفاق الأصحاب عليه.

وتبعه صاحب الجواهر رحمه الله، حيث قال: (لكن ينبغي أن يعلم أنَّ المراد من التوقيت طول العُمْر بيان مخالفتها، لِمَا ذكروه في الخسوفَيْن من التوقيت بمقداره، بحيث يكون قضاءً فيما بعده، لا أنَّ المراد التوسعة فيها بمعنى أنَّ للمكلَّف التأخير عمداً طول العُمْر كالأوامر المطلقة، ضرورة أنَّه لو سُلِّم التحديد بذلك في الأوامر المطلقة، لا بالوصول إلى حدّ التهاون، كان في المقام ممنوعاً، لمنافاته لِمَا سمعته من الفوريَّة التي كادت تكون صريح الأدلَّة، خصوصاً في الزَّلْزَلة، وخصوصاً خبر الدَّيلمي منها، بل لا نعرف فيه خلافاً بينهم؛ بل ظاهر الذِّكرى وغيرها اتِّفاق الأصحاب عليه...).

أقول: لا يوجد ما يدلّ على الفوريّة إلَّا رواية الدَّيلمي التي هي عندهم عمدة ما يستدلّ بها على وجوب الصَّلاة للزَّلْزَلة، فإنَّ الظَّاهر من قوله فيها: (فإذا كان ذلك فما أصنع؟ قال عليه السلام: صلِّ صلاةَ الكسوفِ...)(2)، يعني في تلك السَّاعة لا مدَّة العُمْر.

ويشهد لذلك قوله فيها: (وإذا فرغت خررت لله ساجداً، وتقول في سجدوك: يا مَنْ يُمْسِك السَّماوات والأرض أن تزولا -الآية- يا مَنْ يُمْسِك السَّماء أن تقع على الأرض إلَّا بإذنه، أمسك عنا السُّوء، إنَّك على كلِّ شيء قدير).

ولكنَّك عرفت أنَّ الرِّواية ضعيفة بكلا طريقَيْها فراجع، وقد ذكرنا في علم الأصول أنَّ الأمر لا يدلّ على الفوريَّة.

والخلاصة: أنَّ مقتضى الصِّناعة العلميَّة عدم وجوب الفوريَّة.

نعم الأحوط وجوباً الإتيان بها فوراً، والله العالم؛ هذا بالنسبة للزَّلْزَلة.

وأمَّا بالنسبة لكلِّ مُخَوِّف سماوي، فالمحكي عن أكثر القائلين بالوجوب هو التوقيت بوقت الآية، ولازمه امتناع تعلُّق التكليف بها عند قصور الوقت عن أدائها.

وحُكِي عن جماعة أنَّها من قبيل السَّبب ،كما عن الوسيلة، والعلَّامة في المنتهى، والمصنف رحمه الله هنا -أي الدروس- بل حُكِي ذلك عن كثير من متأخِّري المتأخِّرين، ومنهم صاحب الحدائق رحمه الله ، حيث قال: (وكون ما ذكروه غير الزَّلْزَلة -لا سيما ما سوى الكُسُوفَيْن- من قبيل الوقت لتلك الصَّلاة ممنوع، لاحتمال كون ما سوى الكُسُوفَيْن، بل هما أيضاً من قبيل السَّبب كالزَّلْزَلة عندهم، فتكون الصَّلاة حينئذٍ واجبةً وإن قصر الوقت؛ وبالجملة فالظَّاهر هو الرُّجوع إلى ما يستفاد من الأخبار الواردة في المقام من هذا المكان وغيره من الأحكام، ولعلَّ ظاهر الأخبار، حيث وردت بوجوب الصَّلاة بالكُسُوف على الإطلاق من غير تقييد بقِصَر المدَّة وطولها، مشعر بكون الكُسُوف سبباً للإيجاب، لا وقتها وغيره بالطَّريق الأَولى...).

وحُكِي عن العلَّامة رحمه الله في التذكرة والنِّهاية القول بالتفصيل بين ما يقصر زمانه غالباً عن مقدار الصَّلاة، كالصَّيحة والصَّاعقة ونحوها، فَجَعْلها كالزَّلْزَلة في السَّببيَّة وبين ما لا يقصر غالباً فكالكُسُوفَيْن...).

_________

(1) الوسائل باب4 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح3.

(2) الوسائل باب2 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح3.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo