< قائمة الدروس

الموضوع: صلاة الآيات(4)

قوله: (ولا بكُسُوف النَّيرَيْن بها)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (لو كُسِفت بعض الكواكب، أو كُسِفت الشَّمس ببعض الكواكب -كما نقل أنَّ الزُّهرة رُؤيت في جُرْم الشَّمس كاسفةً لها- فظاهر الخبر السَّالف في الآيات يقتضي الوجوب، لأنَّها من الأخاويف؛ وقوَّى الفاضل عدمه، لِعدم النَّصّ، وأصالة البراءة، ومنع كون ذلك مخوِّفاً، فإنَّ المراد بالمخوِّف ما خافه العامَّة غالباً، وهم لا يشعرون بذلك).

أقول: مقتضى إطلاق النصوص شمول الحكم لانكساف الشَّمس، أو خسوف القمر، بباقي الكواكب إذا ظهر للحسّ، بحيث صدق عرفاً اسم الكسوف أو الخسوف، فالمدار على تحقُّق الاسم من غير مدخليَّة لِسببه من حيلولة الأرض، أو بعض الكواكب.

وبالجملة، لا إشكال في وجوب الصَّلاة بكسوف النَّيرَيْن، وإن كان لحيلولةِ بعض الكواكبِ إذا صدق عرفاً اسم الانكساف.

والمناط في الوجوب هو الإحساس بالانطماس، فمَنْ أحسّ به كلًّا أو بعضاً وجبت عليه الصَّلاة، سواء كان سببه حيلولةَ الأرضِ أو القمرِ أو غيرِهما، فلا مدخليَّة لسبب الحيلولة فيما ينصرف إليه اسم الانكساف، أو الانخساف.

وعليه، فلو فُرِض انخساف القمر بقدرة الله تعالى -من دون حيلولة شيءٍ على وجه تحقَّقَ مسمَّى الخسوف عرفاً- وجبت الصَّلاة حينئذٍ وإن لم يحصل الخوف منه، لِمَا عرفت سابقاً أنَّه لا يشترط تحقُّق الخوف في كسوف الشَّمس والقمر.

فَمَا عن بعض الأعلام من عدم الوجوب، لِعدم حصول الخوف من الانكساف النَّيرَيْن بباقي الكواكب، في غير محلِّه.

ويتفرَّع على ما ذكرنا أنَّه لو قطع بالكسوف، من دون أن يكون له ظهور في الحسِّ لِمتعارف النَّاس، فلا تجب الصَّلاة، لِعدم صِدْق اسم الكسوف أو الخسوف عرفاً، فلا تشمله النصوص، والله العالم.

    

قوله: (ووقتُها في الكُسُوف: منِ الاحتراق إلى تمام الانجلاء)

يقع الكلام في ثلاثة أمور:

الأوَّل: هل صلاة الكسوف من الواجبات المؤقَّتة، أم لا؟

الثاني: متى يبدأ وقتها؟

الثالث: متى ينتهي، هل بمجرد الأخذ في الانجلاء، أم يستمر إلى تمامه؟

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّها من الواجبات المؤقَّتة، بل هو متسالم عليه بينهم.

وعليه، فلا يجوز الإتيان بها قبل وقتها، ولا بعده بالاتِّفاق.

ويدلّ عليه أيضاً: الأخبار الكثيرة الواردة في مَنْ فاتته صلاة الكسوف، والتي في بعضها التفصيل بين احتراق القرص بتمامه، وبين احتراق بعضه، كما في صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: إذا انكسفتِ الشَّمس كلُّها واحترقت، ولم تعلم، ثمَّ علمتَ بعد ذلك، فعليك القضاء، وإن لم تحترق كلُّها فليس عليك قضاء)(1)، وكذا غيرها ممَّا ورد في التفصيل بين احتراق القرص بتمامه، وبين احتراق البعض.

وفي بعضها الأمر بقضائها مطلقاً، كما سنذكره -إن شاء الله تعالى- وفي بعضها أنَّها لا تُقْضى مطلقاً، كصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قال: سألتُه عن صلاةِ الكسوفِ، هل على مَنْ تركها قضاء؟ قال: إذا فاتتك فليس عليك قضاء)(2)، فإنَّه يستفاد من هذه الرِّوايات، والتي سنذكرها -إن شاء الله تعالى- في محله، هو أنَّه لهذه الصَّلاة وقت محدود، وهو حال تحقُّق الكسوف، وبعده يكون قضاءً على التفصيل الآتي -إن شاء الله-.

هذا، وقدِ استدلّ السَّيّد أبو القاسم الخوئيّ رحمه الله، على أنَّها من الفرائض المؤقَّتة والمحدودة بما بين الحدين، بصحيحة جميل بن درَّاج عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: وقتُ صلاةِ الكُسُوف في السَّاعة التي تنكسف، عند طُلُوع الشَّمس وعند غروبها...)(3).

وقال: (دلَّت عليه صريحاً).

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذه الصَّحيحة ليست ظاهرةً في تحديد الوقت من حيث المنتهى، فضلاً عن أن تكون صريحةً، وإنَّما واردة في مقام بيان عدم كراهة الإتيان بها في الأوقات المكروهة عند طلوع الشَّمس أو غروبها.

ومهما يكن، فلا إشكال في أنَّها من الفرائض المؤقَّتة والمحددة بين الحدَّيْن.

________

(1)و(2) الوسائل باب10 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح2و7.

(3) الوسائل باب4 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح2.

 

وأمَّا ما ورد في آخر السَّرائر نقلاً من جامع البزنطي صاحب الرِّضا عليه السلام (قال: سألتُه عن صلاة الكُسُوف، ما حدُّه؟ قال: متى أحبَّ، ويقرأ ما أحبَّ، غير أنَّه يقرأ ويركع أربعَ ركعاتٍ، ثمَّ يسجد الخامسة، ثمَّ يقوم فيفعل مثل ذلك)(1).

وهذه الرِّواية، وإن كانت ضعيفةً بطريق ابن إدريسرحمه الله، حيث لم يذكر طريقه إلى جامع البزنطي، كما أنَّها ضعيفة في قُرْب الإسناد بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل، إلَّا أنها صحيحة لوجودها في كتاب عليِّ بن جعفر.

ولكنَّ هذه الصَّحيحة لا بدّ من حَمْلها على ما لا ينافي ما تقدَّم، وسيأتي المزيد من التوضيح -إن شاء الله تعالى- عند البحث عن كيفيَّة القراءة .

الأمر الثاني: المعروف بين الأعلام قاطبةً أنَّ وقتها من حيث الابتداء بالكُسُوف؛ وفي الجواهر: (بلا خلاف فيه بين العامَّة فضلاً عن الخاصَّة...)، وعن العلَّامة رحمه الله في المنتهى: (أنَّه قول علماء الإسلام...).

أقول: تدلّ عليه -مضافاً للتسالم بين علماء المسلمين- جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة جميل بن درَّاج المتقدِّمة (وقتُ صلاةِ الكُسُوف في السَّاعة التي تنكسف، عند طلوع الشمس وعند غروبها).

ومنها: صحيحة أبي بصير (قال: انكسف القمر -وأنا عند أبي عبد الله عليه السلام في شهر رمضان- فوثب، وقال: إنَّه كان يقال: إذا انكسف القمر والشَّمس فافزعوا إلى مساجدكم)(2)، وقد عرفت أنَّ الفزع إلى المساجد كناية عن الصَّلاة.

ومنها: مرسلة الفقيه (قال: قال النَّبيّ (صلى الله عليه وآله): إنَّ الشَّمس والقمر آيتان من آيات الله، يجريان بتقديره، وينتهيان إلى أمره، لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياة أحد، فإنِ انكسف أحدُهما فبادروا إلى مساجدكم)(3)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

ومثلها: مرسلة الشَّيخ المفيد رحمه الله في المقنعة(4)، وهي ضعيفة أيضاً بالإرسال.

ومنها: رواية بريد ومحمَّد بن مسلم المتقدِّمة عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام (قالا: إذا وقع الكُسُوف، أو بعض هذه الآيات، فصلِّها، ما لم تتخوَّف أن يذهب وقتُ الفريضة...)(5)؛ ولكنَّها ضعيفة كما عرفت، لأنَّ طريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله إلى بريد مجهول، حيث لم يذكر طريقه إليه في المشيخة.

وطريقه إلى محمَّد بن مسلم ضعيف أيضاً بجهالة عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي، وأبيه.

الأمر الثالث: ذهب جماعة من الأعلام إلى أن وقت الفريضة في الكسوف يمتدّ إلى تمام الانجلاء.

وفي الجواهر: (وفاقاً لأكثر المتأخِّرين ومتأخِّريهم، بل هو ظاهر المحكي عن التَّقي، بل عن المنتهى أنَّه اللائح من كلام علم الهدى والحسن، بل في البيان أنَّه ظاهر المرتضى، بل نقله في الرِّياض عن الدَّيْلمي، وإن كنَّا لم نتحقّقه...).

وفي المقابل، أنَّ وقت الفريضة ينتهي بالأخذ في الانجلاء ، حكاه صاحب الحدائق رحمه الله عن المشهور بين الأصحاب.

_______

(1) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح12.

(2)و(3)و(4) الوسائل باب6 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح1و2و3.

(5) الوسائل باب5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح4.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo