< قائمة الدروس

الموضوع: صلاة الآيات(2)

قوله: (والزَّلْزَلة)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (تجب الصَّلاة أيضاً للزَّلْزَلة، نصَّ عليه الأصحاب، وابن الجنيدلم يصرِّح به، ولكنَّ ظاهر كلامه ذلك، حيث قال: تلزم الصَّلاة عند كلِّ مخوفٍ سماوي، وكذا ابن زهرة، وأمَّا أبو الصَّلاح فلم يتعرَّض لغير الكسوفين، لنا فتوى الأصحاب، وصِحاح الأخبار...).

______

(1) الكافي ج3 باب غسل الأطفال والصبيان والصلاة علهيم ح7 ص208، والمحاسن: ص313، ح31.

(2) الوسائل باب1 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح3.

(3) الوسائل باب1 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح4.

 

أقول: لعلَّ استظهار اندارجها في المخوف السَّماوي باعتبار كون المراد خالق السَّماء، فهي بهذا المعنى كلّها سماويّة، أو منسوبة إلى خالق السَّماء.

وقد صرَّح الشَّيخ رحمه الله في الخلاف، والعلَّامة رحمه الله في التذكرة، بالإجماع على الوجوب فيها.

والإنصاف: أنَّه لا يوجد مخالف صريح فيها.

ومع ذلك، فقدِ استُدلّ للوجوب بجملة من الرِّوايات:

منها: رواية سُليمان الدَّيلمي (أنَّه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الزَّلْزَلة ما هي؟ قال: آية، فقال: وما سببها، فذَكَر سَبَبها -إلى أن قال:- قلتُ: فإذا كان ذلك فما أصنع؟ قال: صلّ صلاةَ الكسوف...)(1).

ورواها الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في العِلل عن أحمد بن محمَّد عن أبيه عن محمَّد بن أحمد عن إبراهيم بن إسحاق عن محمَّد بن سُليمان الدَّيلمي.

والرِّواية ضعيفة بكلا طريقَيْها:

أمَّا بطريق الفقيه: فبجهالة عبَّاد بن سليمان، ومحمَّد بن سُليمان، وأبيه سُليمان الدَّيلمي.

وأمَّا بطريق العِلَل: فبجهالة محمَّد بن سليمان، وإبراهيم بن إسحاق؛ وأمَّا أحمد بن محمَّد بن يحيى فهو من المعاريف.

ومنها: رواية بريد بن معاوية ومحمَّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام (قالا: إذا وقع الكسوف، أو بعض هذه الآيات، فصلِّها ما لم تتخوَّف أن يذهب وقتُ الفريضة، فإن تخوَّفتَ فابدأ بالفريضة، واقطع ما كنتَ فيه من صلاة الكسوف، فإذا فرغتَ من الفريضة فارجعْ إلى حيثُ كنتَ قطعتَ، واحتسب بما مضى)(2).

وجه الاستدلال بها: هو أنَّ بعض هذه الآيات يشمل الزَّلْزَلة أيضاً.

وقد أشكل عليها بعدَّة إشكالا:

الأوَّل: أنها ضعيفة سنداً، لأنَّ طريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله إلى بُرَيْد مجهول، باعتبار أنَّه لم يذكر طريقه إليه في المشيخة،كما أنَّ طريقه إلى محمَّد بن مسلم ضعيف بجهالة عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي، وأبيه.

الثاني: أنَّ الرِّواية مسوقة لبيان حكم آخر، وهو تقديم الفريضة عليها عند المزاحمة، وليست بصدد بيان الوجوب.

الثالث: أنَّ المتبادر من بعض هذه الآيات هي الآيات المعهود لديهم كونها -كالكُسُوف- موجبة للصَّلاة، وكون الزَّلْزَلة منها عندهم غير معلوم.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذا الإشكال غير وارد، إذِ لا إشكال في كون الزَّلْزَلة من الآيات المشار إليها في الرِّواية، إن لم تكن هي الأسبق المتبادر إليها من الآيات المشار إليها.

ومنها: صحيحة الفُضَلاء -وهم الفَضَيل وزُرَارة وبُرَيْد ومحمَّد بن مسلم- عن كليهما عليهما السلام ، ومن من رواه عن أحدهما عليه السلام (أنَّ صلاة كسوف الشَّمس والقمر والرَّجفة والزَّلْزَلة عشر ركعات وأربع سجدات، صلَّاها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والنَّاس خلفه، في كسوف الشَّمس، ففرغ حين فرغ وقدِ انجلى كُسُوفها...)(3).

_________

(1) الوسائل باب3 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح3.

(2) الوسائل باب5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح4.

(3) الوسائل باب7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح1.

 

ولكنَّ الإشكال الذي يرد على هذه الصَّحيحة أنَّها واردة في كيفيَّة الصَّلاة، كما يدلّ عليه باقي الرِّواية، وسنذكرها بتمامها -إن شاء الله تعالى- عند التعرُّض لكيفيَّة هذه الصَّلاة.

وعليه، فليست هي بصدد بيان الوجوب لهذه الآيات.

والمراد بقوله عليه السلام: (عشر ركعات)، أي عشر رُكُوعات، بقرينة الأربع سجدات، كما لا يخفى.

ومنها: رواية محمَّد بن عمارة عن أبيه عن الصَّادق عليه السلام عن أبيه عليهما السَّلام (قال: إنَّ الزلازل والكُسُوفَيْن والرِّياح الهائلة من علامات السَّاعة، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فتذكَّروا قِيام السَّاعة وافزعوا إلى مساجدكم)(1).

وفيها: أنَّها ضعيفة بجهالة محمَّد بن عمارة وأبيه.

وأمَّا الإشكال: بأنَّ الفزع إلى المساجد أعمّ من الصَّلاة.

ففيه: أنَّ المراد من (الفزع) إلى المساجد هو الكناية عن الصَّلاة ولو بقرينة ورود مثله في الكسوف.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ الرِّوايات وإن كانت ضعيفةً إلَّا أنَّها بمجموعها، مع عدمِ مخالفٍ صريح في المقام، تطمئنّ النَّفس بالوجوب، والله العالم.

______________

(1) الوسائل باب2 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح4

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo