< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/02/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة العيدَيْن(18)

قوله: (وتجب سجدتا السَّهو)

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (ويحتمل أيضاً وجوب سجدتي السَّهو، بناءً على تناول أدلَّة الوجوب في اليوميَّة لهذه الصُّورة، وهو قول ابن الجنيد).

أقول: بما أنَّ صلاة العيد في زمن الغيبة مستحبَّة فلا يجب السُّجود للسَّهو، لانصراف الأدلَّة عنه.

نعم، لو كانت واجبةً لالتزمنا بذلك.

والقول: بانصراف أدلَّة وجوب السُّجود للسَّهو إلى الفرائض اليوميَّة دون غيرها من الفرائض، في غير محله، والله العالم.

بقي في المقام أمران:

أحدهما: المعروف بين الأعلام أنَّ الإمام لا يتحمَّل هنا التكبير، ولا القنوت، وإنَّما يتحمَّل القراءة.

قال المصنِّف (رحمه الله): (ويحتمل تحمُّل الدعاء...).

ولكنَّه ضعيف، كما لا يخفى، إذ لا دليل عليه، بل عدم تحمُّل الإمام القنوت في اليوميَّة يدلّ بطريق أَولى على عدم تحمُّله هنا.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّه لا يجب على المأموم متابعة الإمام في الأدعية الخاصَّة، بل له أن يدعو بغير دعاءِ الإمام، كما هو الحال في مطلق الأذكار التي لا يتحمّلها الإمام في مطلق الجماعة.

الأمر الثاني: المعروف بين الأعلام أنَّه لو شكَّ في عدد التكبير أو القنوت بنى على الأقلّ، لأنَّه المتيقّن.

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (وفي انسحاب الخلاف في الشَّكّ في الأُوليين المبطِل للصَّلاة هنا احتمال إن قيل: بوجوبه)، أي بوجوب التكبير.

أقول: احتمال الانسحاب ضعيف جدًّا، لأنَّ الشَّكّ المبطل في الأولتين إنَّما هو الشَّك في عدد الرَّكعات، لا في سائر الواجبات.

قوله: (ولو وافق العيد الجمعة تخيَّر مصلِّي العيد في صلاة الجمعة وإن كان من أهل البلد، ويجب الحضور على الإمام، وأوجب الحضور الحلبي والقاضي مطلقاً، وابن الجنيد على غير قاصي المنزل)

في الحدائق: (لوِ اتَّفق العيد والجمعة فقدِ اختلف الأصحاب € في ذلك، فقال الشَّيخ في جملة من كتبه: أنَّه يتخيَّر من صلَّى العيد في حضور الجمعة وعدمه، ونحوه قال الشَّيخ المفيد في المقنعة، ورواه ابن بابويه في كتابه، واختاره ابن إدريس، وإليه ذهب أكثر المتأخِّرين، بل نسبه العلامة في المنتهى إلى مَنْ عدا أبي الصَّلاح، وفي الذكرى: إلى الأكثر، ونقل عن ابن الجنيد في ظاهر كلامه اختصاص الترخيص بمَنْ كان قاصي المنزل، واختاره العلَّامة في بعض كتبه، وقال أبو الصَّلاح: قد وردت الرِّواية إذا اجتمع عيد وجمعة أنَّ المكلَّف مخيَّر في حضور أيِّهما شاء؛ والظَّاهر في المسألة وجوب عقد الصَّلاتين؛ وحضورهما على مَنْ خوطب بذلك، وقريب منه كلام ابن البرَّاج وابن زهرة).

أقول: يدلّ على قول المشهور صحيحة الحلبي (أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفطر والأضحى إذا اجتمعا في يوم الجمعة، فقال: اجتمعا في زمان عليّ (عليه السلام)، فقال: مَنْ شاء أن يأتي إلى الجمعة فليأتِ، ومَنْ قعد فلا يضرُّه، وَلْيصلِّي الظُّهر، وخطب خطبتين جمع فيهما خطبة العيد وخطبة الجمعة)(1).

وأمَّا ما حُكِي عن ابن الجنيد (رحمه الله)، واختاره العلَّامة (رحمه الله) في بعض كتبه، فتدلّ عليه موثَّقة إسحاق بن عمَّار عن جعفر عن أبيه (أنَّ عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول: إذا اجتمع عيدان للنَّاس في يوم واحد فإنَّه ينبغي للإمام أَنْ يقول للنَّاس في خطبته الأُولى: إنَّه قدِ اجتمع لكم عيدان، فأنا أصلّيهما جميعاً، فمَنْ كان مكانه قاصياً فأحبّ أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له)(2).

_______

(1)و(2) الوسائل باب15 من أبواب صلاة العيد ح1و3.

 

والرِّواية موثَّقة، فإنَّ غياث بن كلوب ثقة، والحسن بن موسى الخشَّاب ممدوح.

وقدِ استُدل لهذا القول أيضاً: برواية سلمى عن أبي عبد الله (عليه السلام) (اِجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلى عَهْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، فَخَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ: هذَا يَوْمٌ اجْتَمَعَ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْمَعَ مَعَنَا فَلْيَفْعَلْ؛ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُ رُخْصَةً، يَعْنِي مَنْ كَانَ مُتَنَحِّياً)(1).

وفيه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بجهالة سلمى، وعدم وثاقة معلَّى بن محمَّد.

وثانياً -بعد تسليم كون التفسير من الإمام (عليه السلام)-: غايتها الإشعار بعدم الرُّخصة لغير النائي، فإنَّ قوله (عليه السلام): (فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْمَعَ مَعَنَا فَلْيَفْعَلْ)، توطئة لقوله (عليه السلام): (وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُ رُخْصَةً).

وقضيَّةُ التفسيرِ المزبور عدم إرادة العموم من كلمة الموصول في القضيتَيْن، بل خصوص النائي، فغير النائي غير مقصود بهذا الكلام، فلا تعرُّض فيه لحكمه.

ولكنَّ الإِنصاف: أنَّه لا يلتفت إلى مثل هذا الإشعار في مقابل صحيحة الحلبي التي وقع فيها التصريح بالعموم.

مع أنَّه لم يُعْلم كون التفسير في رواية سلمى من الإمام (عليه السلام)، فلعلَّه من الرَّواي أو الكليني.

والذي يهوِّن الخطب: أنَّها ضعيفة.

وعليه، فصحيحة الحلبي، وإن دلَّت بإطلاقها على السُّقوط عن كلِّ مَنْ حضر العيد من أهل المصر وغيرهم، إلَّا أنَّ موثَّقة إسحاق قد خصَّت الرُّخصة بالنائي من أهل القرى، فيجب حَمْل إطلاق الصَّحيحة على ما فصَّلته موثَّقة إسحاق حملاً للمطلق على المقيَّد.

وبهذا يتعيَّن قول ابن الجنيد (رحمه الله) ومَنْ وافقه.

وأمَّا ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى من: (أنَّ البُعْد والقرب من الأمور الإضافيَّة، فيصدق القاصي على مَنْ بعُد بأدنى بُعْد، فيدخل الجميع إلَّا مَنْ كان مجاوراً للمسجد)، وجعل هذا وجه جميع بين الأخبار.

ومن ثمَّ قال بالقول الأوَّل المشهور بين الأعلام.

ففيه: ما لا يخفى، فإنَّ المتبادر عرفاً من القاصي هنا إنَّما هو مَنْ كان خارجاً عن المِصْر، وهم أصحاب القرى.

وقدِ اعترف هو نفسه بذلك، حيث قال (رحمه الله) -بعد ذِكْر ما قدَّمنا نَقْله عنه-: (وربَّما صار بعض إلى تفسير القاصي بأهل القرى دون أهل البلد، لأنَّه المتعارف).

وبالجملة، فما ذكره المصنِّف (رحمه الله) غير تامّ.

وأمَّا ما حُكي عن القاضي والحلبيَيْن، من القول بوجوب الحضور على كلِّ مَنِ اجتمعت فيه شرائط التكليف، محتجِّين بأنَّ دليل وجوب الحضور في الصَّلاتين قطعيّ، وخبر الواحد المتضمن لسقوط الجمعة إنَّما يفيد الظّنّ فلا يعارض القطع.

ففيه: أنَّ هذا الكلام غير تامّ، لأنَّ خبر الواحد، وإنْ أفاد الظَّنّ، إلَّا أنَّه حجَّة بدليل قطعيّ.

وقد ذكرنا في علم الأصول أنَّ خبر الواحد يخصِّص عموم الكتاب وعموم السُّنّة المتواترة، والله العالم.

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى: (تنبيه: ظاهر كلام الشَّيخ في الخلاف تخيير الإمام أيضاً، وصرَّح المرتضى بوجوب الحضور عليه، وهو الأقرب، لوجود المقتضي مع عدم المنافي...).

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo