< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/02/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة العيدَيْن(16)

 

وأمَّا القول الثاني -أي الشَّمس في الأولى والغاشية في الثانية-: فقد ذكر المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى (أنَّه يشهد له صحيحتا جميل ومعاوية عن الصَّادق عليه السلام)، وذكر في المدارك (أنَّه يشهد له صحيحة جميل).

أقول: أمَّا رواية معاوية فهي تشهد له، حيث ورد فيها: (ثمَّ يقرأ فاتحة الكتاب، ثمَّ تقرأ والشَّمس وضحاها -إلى أن تقول:- ثمَّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب، وهل أتاك حديث الغاشية...)(1)، إلَّا أنها ضعيفة، كما عرفت بالإضمار، وليست مسندةً إلى الصَّادق عليه السلام.

وأمَّا صحيحة جميل بن دراج، حيث ورد فيها (وسألتُه: ما يقرأ فيهما؟ قال: والشَّمس وضحاها، وهل أتاك حديث الغاشية، وأشباههما)(2)، فغاية ما تدلّ عليه هو أنَّه يقرأ في صلاة العيدين هاتين السُّورتين وأشباههما في الطُّول، من غير تعرُّض لأفضليَّة هاتين السُّورتين على غيرهما، ولا تعرُّض لوظيفة الرّكعة الأولى والثانية من هذه السُّوَر.

وأمَّا قول ابن بابويه (رحمه الله) وقول ابن أبي عقيل (رحمه الله) فيشهد لهما ما في الفِقه الرَّضوي: (واقرأ في الرّكعة الأُولى: هل أتاك حديث الغاشية، وفي الثانية: والشَّمس وضحاها، أو سبِّح ربك الأعلى...)(3)، ولكنَّك عرفت أنَّ الأقرب كون الكتاب فتاوى لابن بابويه (رحمه الله) إلَّا ما كان بعنوان "روي"، فتكون روايةً مرسلةً.

والخلاصة إلى هنا: أنَّه لم يثبت بدليل معتبر أفضليَّة سورة على أخرى، ولا تعيين وظيفة الرِّكعة الأُولى والثانية.

والأمر سهل بعد كون الحكم ندبيّاً، والله العالم.

________

(1و2) الوسائل باب10 من أبواب صلاة العيد ح2و4.

(3) كتاب الفِقه الرَّضوي: ص131.

 

قوله: (ورفع اليدين بالتكبير)

كما ذكره جماعة من الأعلام، منهم المصنِّف (رحمه الله) حكما ذكره جماعة من الأعلام، منهم المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى، حيث قال: (يستحبّ رفع اليدين مع كلِّ تكبيرة، كما قلناه في تكبير الصَّلاة اليوميَّة...).

أقول: قدِ استُدلّ له بعموم استحبابه مع تكبير كلّ صلاة.

وقدِ استُدل أيضاً بخصوص رواية يونس (قال: سألته عن تكبير العيدين، أيرفع يده مع كلِّ تكبيرة، أم يجزيه أن يرفع يديه في أول التكبير؟ فقال: يرفع مع كلّ تكبيرة)(1)، ولكنَها ضعيفة بجهالة عليّ بن أحمد بن أشيم، وبالإضمار، وباشتراك يونس بين كونه بن عبد الرَّحمان الثقة، وبين يونس بن ظبيان الضّعيف، بل المظنون كونه الأخير.

قوله: (ويكره الخروج بالسَّلام إلَّا لِضرورة)

كما هو المعروف بين الأعلام، وقدِ استُدل له بمعتبرة السَّكوني عن جعفر عن أبيه (قال: نهى النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يُخرَج السَّلاح في العيدين، إلَّا أن يكون عدو حاضر)(2)؛ هكذا في نسخة الكليني، وفي نسخة التهذيب: (إلَّا أن يكون عدو ظاهر).

وهي، وإن كان ضعيفة بطريق الكليني بسهل بن زياد، إلَّا أنها معتبرة بطريق الشَّيخ (رحمه الله) في التهذيب.

قوله: (والتنفُّل قبلها وبعدها، إلَّا بمسجد النَّبيّ (صلى الله عليه وآله)، وألحق ابن الجنيد مسجد مكة، وكلّ مكان شريف يجتاز به، فإنَّه يصلِّي ركعتين فيه قبل خروجه، ومنع الحلبي من الصَّلاة تطوُّعاً، والقضاء قبله، وبعدها إلى الزَّوال إلَّا بمسجد النَّبيّ (صلى الله عليه وآله)، ولم يثبت)

المعروف بين الأعلام أنَّه يكره التنفُّل أداءً أو قضاءً، مبتدأةً أو ذات سبب، إماماً كان أو مأموماً، في يومي العيدين قبل الصَّلاة وبعدها، إلى الزَّوال، إلَّا بمسجد النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) بالمدينة، فإنَّه يستحبّ أن يصلّي فيه ركعتين قبل خروجه إلى صلاة العيد.

وفي الجواهر: (بلا خلاف معتدّ به أجده في شيء من ذلك نصّاً وفتوًى، بل في الخلاف وعن المنتهى وجامع المقاصد الإجماع على الكراهة في يوم العيد قبل الصَّلاة وبعدها، إلى الزوال، للإمام والمأموم).

ونقل المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى عن الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في المقنع، والشَّيخ في الخلاف، إطلاق الكراهة وعدم الاستثناء، ونقل أيضاً عن ابن زهرة وابن حمزة أنَّهما قالا: (لا يجوز التنفُّل قبلها ولا بعدها).

ثمَّ قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (وقال أبو الصَّلاح: لا يجوز التطوُّع ولا القضاء، قبل الصَّلاة ولا بعدها، حتَّى يزول الشَّمس وكأنَّه أراد به قضاء النافلة، كما قال الشَّيخ في المبسوط، إذ من المعلوم أنَّه لا منع من قضاء الفريضة).

أقول: ظاهر عبارتي ابن زهرة وابن حمزة (رحمهما الله) التحريم، وكذا ظاهر عبارة أبي الصَّلاح (رحمه الله)؛ ولكن مرادهما الكراهة، لِتعارف التعبير عن الكراهة بذلك.

ثمَّ إنَّه يدلّ على الكراهة -مضافاً إلى التسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار- جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قال: صلاة العيدين مع الإمام سنَّة، وليس قبلهما ولا بعدهما صلاة ذلك اليوم إلى الزَّوال)(3).

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى بعد ذكره لهذه الصَّحيحة والمطلق: (والمطلق يحمل على المقيد)، أي إطلاقها مقيّد بما دلّ على استثناء الرّكعتين في مسجد النّبيّ (صلى الله عليه وآله).

ومنها: صحيحته الثانية عن أبي جعفر عليه السلام (قال: لا تقضِ وِتْرَ ليلتك إنْ كان فاتك حتَّى تصلِّي الزَّوال في يوم العيدين)(4).

ومنها: حسنة محمد بن مسلم (قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الصَّلاة في الفطر والأضحى، قال: ليس فيهما أذان ولا إقامة، وليس بعد الرّكعتين، ولا قبلهما صلاة)(5).

وإنَّما جعلناها حسنةً لأنَّ الحسين بن الحسن بن أبان ممدوح، وليس موثَّقاً.

________

(1) الوسائل باب30 من أبواب صلاة العيد ح1.

(2) الوسائل باب16 من أبواب صلاة العيد ح1.

(3) الوسائل باب1 من أبواب صلاة العيد ح2.

(4) الوسائل باب7 من أبواب صلاة العيد ح9.

(5) الوسائل باب7 من أبواب صلاة العيد ح4.

 

وظاهر هذه الرِّوايات، وإن كان هو التحريم، إلَّا أنَّ المراد منها الكراهة، للتسالم بينهم على إرادة الكراهة.

ثمَّ إنَّ ظاهرة الرِّوايات المتقدّمة وغيرها ممَّا لم نذكره عدم اختصاص الكراهة بمن صلَّى صلاة العيد، كما ذكره جماعة من الأعلام.

وقد أشرنا في أكثر من مناسبة أنَّ المراد بالكراهة في هذه الموارد هو أقليَّة الثواب، لا المعنى المصطلح عليه، إذِ العبارة لا تكون مرجوحةً.

وأمَّا استثناء الرِّكعتين في مسجد النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فيدلّ عليه -مضافاً للتسالم بين الأعلام- رواية محمَّد بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: ركعتان من السّنة ليس تصلّيان في موضع إلَّا في المدينة، قال: تصلِّي في مسجد الرّسول (صلى الله عليه وآله) في العيد قبل أن يخرج إلى المصلَّى، ليس ذلك إلَّا بالمدينة، لأنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعله)(1)، ولكنَّها ضعيفة بجهالة محمَّد بن الفضل الهاشمي.

ويستفاد من رواية الهاشمي أنَّ استحباب الرِّكعتين في مسجد المدينة من الموظَّف في ذلك اليوم فيستحبّ حينئذٍ له القصد والصَّلاة، لا إذا اتَّفق اجتيازه.

ولكنَّك عرفت أنَّ الرِّواية ضعيفة، إلَّا بناءً على التسامح في أدلّة السُّنن، وفيها ما عرفته.

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (وألحق ابن الجنيد المسجد الحرام، وكلّ مكان شريف يجتاز به المصلِّي، وأنَّه لا يجب إخلاؤه من ركعتين قبل الصَّلاة وبعدها، قال: وقد روى عن أبي عبد الله عليه السلام: أنَّ رسول الله كان يفعل ذلك في البدأة والرَّجعة في مسجده؛ وهذا كأنَّه قياس، وهو مردود) .

ونقل عنه العلَّامة (رحمه الله) في المختلف (أنَّه احتجَّ بمساواة المسجد الحرام لمسجد الرَّسول (صلى الله عليه وآله) في أكثر الأحكام، فيساويه في هذا الحكم، والابتداء كالرُّجوع فيتساويان...).

أقول: ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) هو الصَّحيح، إذ لا دليل له إلَّا القياس الباطل.

وأمَّا الرِّواية المشار إليها فلا وجود لها.

أضف إلى ذلك: أنَّها مخالفة لما عليه الأعلام، إذِ المستحبّ هو الرِّكعتان قبل الخروج، وأمَّا بعد الرُّجوع فلا.

_________

(1) الوسائل باب7 من أبواب صلاة العيد ح10.

(2) صدره في الوسائل باب7 من أبواب صلاة العيد ح1.

وذيله في باب 33 من أبواب صلاة العيد ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo