< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/02/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة العيدَيْن(14)

الأمر الرَّابع: من المعلوم عند الأعلام أنَّه لا يتعيَّن في القنوت لفظ مخصوص، وذلك لِصحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) (قال: سألتُه عن الكلام الذي يتكلم به في ما بين التكبيرتين في العيدين، قال: ما شِئْت من الكلام الحَسَن)(1).

ومقتضى الجمع بين هذه الصَّحيحة وبين غيرها من الرِّوايات الواردة في الأدعية الخاصَّة هو حَمْل تلك الرِّوايات على الأفضليَّة.

ثمَّ إنَّه ربَّما ظهر من كلام أبي الصَّلاح (رحمه الله) وجوب الدُّعاء بالمرسوم، فيقول: (اللهم هذا الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت...)، وسنأتي على ذِكْره قريباً إن شاء الله تعالى.

وأجاب عن ذلك المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى، ونِعْم الجواب، حيث قال: (فإنْ أراد به الوجوب تخييراً والأفضليَّة فحقّ، وإنْ أراد به الوجوب عيناً فممنوع).

هذا، وقدِ اتضح ممَّا تقدَّم أنَّ الأَولى والأفضل ذِكْر المرسوم عن أهل البيت ﭺ، لأنَّهم أَعْرف من غيرهم بالخطاب.

ومن جملة الأدعية الواردة بالخصوص ما ورد في رواية محمَّد بن عيسى بن أبي منصور عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: تقول بين كلِّ تكبيرتَيْن في صلاة العيدين، اللّهمّ أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجُود والجبروت، وأهل العفو والرَّحمة، وأهل التَّقوى والمغفرة، أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً، ولمحمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) ذخراً ومزيداً، أن تصلِّي على محمَّد وآل محمَّد كأفضل ما صلَّيت على عبدٍ من عبادك، وصلِّ على ملائكته ورسلك، واغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللّهمَّ إنّي أسالك خير ما سألك عبادك الصَّالحون، وأعود بك من ما استعاذ بك منه عبادك المرسلون)(2)، ولكنَّها ضعيفة بجهالة بعض الأشخاص في إسناد الشَّيخ (رحمه الله) إلى عليّ بن حاتم، وبجهالة سُليمان الرَّازي، وبمحمَّد بن عيسى بن أبي منصور، فإنَّه مهمل.

______

(1)و(2) الوسائل باب26 من أبواب صلاة العيد ح1و2.

 

ومنها: ما ورد عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا كبَّر في العيدين قال: بين كلّ تكبيرتين: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، اللّهمّ أهل الكبرياء -وذكر الدُّعاء إلى آخره، مثله-)(1)، وهي ضعيفة بأبي جميلة.

ومنها: ما ورد عن بشر بن سعيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: تقول في دعاء العيدين بين كلّ تكبيرتين: الله ربي أبداً، والإسلام ديني أبداً، ومحمَّد نبيي أبداً، والقرآن كتابي أبداً، والأوصياء أئمتي أبداً، وتسميهم إلى آخرهم، ولا أحد إلَّا الله)(2)، وهي ضعيفة بجهالة عبد الرَّحمان بن حمَّاد، وبشر بن سعيد.

ومنها: ما ورد في رواية أبي الصُّباح الكناني (قال: قال سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن التكبير في العيدين...)(3)، وهي طويلة، ولكنَّها ضعيفة، لأنَّ محمَّد بن الفُضَيل الرَّاوي عن أبي الصُّباح مردَّد بين الكوفي الأزدي الضعيف، وعلي النَّهدي البصري الثقة، والله العالم.

قوله: (وسُنَنها: الإصحارُ بها، إلَّا بمكَّة، وقِيل: والمدينة)

قال في المدارك: (أجمع علماؤنا، وأكثر العامَّة، على استحباب الإصحار بهذه الصَّلاة، بمعنى فِعْلها في الصَّحراء، تأسيّاً بالنَّبيّ (صلى الله عليه وآله)، فإنَّه كان يصلّيها خارج المدينة، على ما نطقت به الأخبار...)، وفي الذِّكرى: (يستحبُّ الإصحار بها بها، إلَّا بمكة -زادها الله شرفاً- تأسيّاً بالنّبيّ (صلى الله عليه وآله) فإنَّه كان يصلّيها خارج المدينة...)، وفي الجواهر: (إجماعاً بقسمَيْه، بل المحكي منهما، إن لم يكن متواتراً، فهو مستفيض،كالنصوص...).

أقول: يدلّ على استحباب الإصحار بها إلَّا بمكة -مضافاً للتسالم بين جميع الأعلام، وأكثر العامَّة، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه، وصارات من الواضحات- جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): (أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يخرج حتَّى ينظر إلى آفاق السَّماء، وقال: لا تصلّين يومئذٍ على بساطٍ، ولا بارية)(4).

ومنها: صيحته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) -في حديث-: (أنَّه سأل عن صلاة العيدين، فقال: ركعتان -إلى أن قال:- ويخرج إلى البرّ، حيث ينظر إلى آفاق السَّماء، ولا يصلّي على حصير، ولا يسجد عليه، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج إلى البقيع، فيصلّي بالنَّاس)(5)، والرِّواية صحيحة، فإنَّ عليّ بن محمَّد الذي يروي عنه الكليني هو ابن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني، وهو ثقة.

كما أنَّ باقي رجال السَّند كلّهم ثقات، فالتعبير عنها بالرِّواية أو الخبر في غير محلِّه.

ومنها: صحيحة أبي بصير -يعني لَيْث المرادي- عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: لا ينبغي أن تصلِّي صلاة العيدين في مسجدٍ مسقَّف، ولا في بيت، إنَّما تصلِّي في الصَّحراء، أو في مكان بارز)(6).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) (أنَّه كان إذا خرج يوم الفطر والأضحى أبى أن يُؤتى بطنفسة يصلِّي عليها، ويقول: هذا يوم كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج فيه حتَّى يبرز لآفاق السَّماء، ثمَّ يضع جبهته على الأرض)(7).

_________

(1)و(2)و(3) الوسائل باب26 من أبواب صلاة العيد ح3و4و5.

(4)و(5)و(6)و(7) الوسال باب17 من أبواب صلاة العيد ح10و6و2و1.

 

ويدلّ على استثناء مكَّة المكرمة من الحكم المذكور -مضافاً للتسالم بين الأعلام- معتبرة حفص بن غياث عن جعفر بن محمد، عن أبيه (قال: السُّنّة على أهل الأمصار، أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين، إلَّا أهل مكَّة، فإنَّهم يصلّون في المسجد الحرام)(1).

وقد يستدلّ أيضاً بمرفوعة محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: السُّنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين، إلَّا أهل مكَّة، فإنَّهم يصلّون في المسجد الحرام)(2)، ولكنَّها ضعيفة بالرَّفع.

وألحق ابن الجنيد (رحمه الله) بها مسجد النَّبيّ (صلى الله عليه وآله)، قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (وقال ابن الجنيد ذلك -أي أهل مكَّة يصلّون في المسجد الحرام- لحرمة البيت، وكذلك استُحبَّ لأهل المدينة لحرمة رسول الله).

أقول: ما ذكره ابن الجنيد (رحمه الله) اجتهاد في مقابل النصّ المتضمن لفِعْله (صلى الله عليه وآله) خارج المسجد.

 

قوله: (ويسقط الإصحار بالمطر، وشبهه)

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى: (لو كان هناك عُذْر من مطر أو وَحْل أو خَوْف صُلّيت في البلد حذراً من المشقَّة الشَّديدة المنافية لليُسر في التكليف)، وذَكَر مثله صاحب المدارك (رحمه الله).

ولكن قد يقال: إنَّ المشقة الشَّديدة إنَّما ترفع الحكم الشَّرعي فيما إذا وصلت إلى حدّ الحرج؛ ولكنَّ ذلك فيما لو كان التكليف إلزاميّاً، فعمومات وإطلاقات أدلَّة نفي الحرج حاكمة على الأدلَّة الأوليَّة، ولكنَّها ليست حاكمةً على عموم أدلَّة المستحبَّات، لأنَّ نفي الحكم الترخيص يكون خلاف الامتنان، إذِ ارتكاب الحرج في تلك الحالة لم يكن ناشئاً من إلزام الشَّارع، بل العبد أقدم باختياره على ارتكابه.

والخلاصة: أنَّ المنفي بأدلَّة نفي الحرج هو الحكم الإلزامي الموجب لوقوع المكلَّف في الحرج دون الترخيص، إذ الترخيص في شيءٍ حرجي لا يكون سبباً لوقوع المكلَّف في الحرج، والله العالم.

قوله: (وخروج الإمام حافياً ماشياً بالسَّكينة والوقار ذاكراً لله تعالى، موصوفاً بما ذكرناه في الجمعة)

يدلّ على استحباب هذه الأمور حديث خروج الرِّضا (عليه السلام) إلى صلاة العيد بأمر المأمون، والرِّواية صحيحة في الكافي، حيث روى الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن ياسر الخادم والرَّيان بن الصَّلت جميعاً ، وياسر الخادم من مشايخ علي بن إبراهيم المباشرين الواقع في تفسيره، والرَّيان بن الصلت ثقة.

(...فحدثني ياسر، قال: لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرِّضا (عليه السلام) يسأله، أن يركب ويحضر العيد ويصلِّي ويخطب، فبعث إليه الرِّضا (عليه السلام): قد علمتَ ما كان بيني وبينك من الشُّروط في دخول هذا الأمر -إلى أن قال:- إنْ أعفيتني من ذلك فهو أحبّ إليَّ، وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين (عليه السَّلام)، فقال المأمون: اخرج كيف شئت -إلى أن قال:- واجتمع القُوَّاد والجُنْد على باب أبي الحسن (عليه السلام)، فلمَّا طلعت الشَّمس قام (عليه السلام) فاغتسل، وتعمَّم بعمامة بيضاء من قُطْن، ألقى طرفاً منها على صدره، وطرفاً بين كتفَيْه وتشمَّر، ثم قال لجميع مواليه: اِفعلوا مثل ما فعلت، ثمَّ أخذ بيده عكازاً، ثم خرج ونحن بين يديه، وهو حافٍ قد شمَّر سراويله إلى نصف السَّاق، وعليه ثياب مشمَّرة، فلمَّا مشى ومشينا بين يديه رفع رأسه إلى السَّماء، وكبَّر أربع تكبيرات، فخيَّل لنا أن السَّماء والحيطان تجاوبه، والقوَّاد والنَّاس على الباب، قد تهيّئوا ولبسوا السِّلاح، وتزينوا بأحسن الزِّينة، فلمَّا طلعنا عليهم بهذه الصُّورة، وطلع الرِّضا (عليه السلام) وقف على الباب وقفةً، ثمَّ قال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر على ما هدينا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا، نرفع بها أصواتنا، قال ياسر: فتزعزعت مرو بالبكاء والضَّجيج والصِّياح لمَّا نظروا إلى أبي الحسن (عليه السلام)، وسقط القوَّاد عن دوابهم، ورموا بخفافهم، لمَّا رأَوْا أبا الحسن (عليه السلام) حافياً، وكان يمشي ويقف في كلّ عشر خطوات، يكبِّر ثلاث (أربع) مرَّات، قال ياسر: فتخيّل لنا أنَّ السَّماوات والأرض والجبال تجاوبه، وصارت مَرُو ضجة واحدة بالبكاء، وبلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل بن سهل ذو الرّياستين: يا أمير المؤمنين! إنَّ بلغ الرّضا (عليه السلام) المصلّى على هذا السّبيل افتتن النّاس، والرأي أن تسأله أن يرجع، فبعث إليه المأمون فسأله الرجوع، فدعا أبو الحسن (عليه السلام) بخفّه فلبسه وركب ورجع)(1)

_________

(1) الوسائل باب19 من أبواب صلاة العيد ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo