< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/02/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة العيدَيْن(13)

وأجاب الشَّيخ (رحمه الله) في الاستبصار عن هذه الصَّحيحة، وما في معناها، بالحمل على التقيَّة، لموافقتها لمذهب كثير من العامَّة، وقال: (ولسنا نعمل به، وإجماع الفرقة المحقَّة على ما قدَّمناه...).

وفيه: أنَّ هذا الجواب لا يسمن ولا يغني من جوع، لأنَّ مخالفة العامَّة إنَّما توجب ترجيح الرِّواية إذا لم يمكن الجمع العرفي بين الرِّوايات.

وليس مجرد موافقة العامَّة يوجب طرح الرِّواية، وسقوطها عن الاعتبار، إذ كثير من الرِّوايات المعتبرة موافقة لمذهب كثير من العامَّة.

والإنصاف: أنَّه لا تعارض بين هذه الصَّحيحة والرِّوايات المتقدِّمة.

نعم، لا يمكننا العمل بهذه الصَّحيحة، لأنَّها لا تنفي وجوب الثلاث، ولا قائل به بالخصوص، كما أنَّه لا قائل بوجوب الخمس والثلاث.

وعليه، فيرد علمها إلى أهلها.

ويؤيِّد ذلك: إعراض المشهور عنها.

وقد يستدلّ للاستحباب أيضاً ببعض الرِّوايات :

منها: رواية عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جدِّه عن عليّ (عليه السلام) (قال: ما كان تكبير النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) في العيدين إلَّا تكبيرة واحدة، حتَّى أبطأ عليه لسان الحسين (عليه السلام)، فلمَّا كان ذات يوم عيدٍ ألبسته أمُّه وأرسلته مع جدِّه، فكبَّر النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) وكبَّر الحسين حتَّى كبَّر النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) سبعاً، ثمَّ قام في الثانية فكبَّر النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) وكبَّر الحسين حتَّى كبَّر خمساً، فجعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) سنةً، وثبتت السّنة إلى اليوم)(2).

وفيه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بجهالة عيسى وأبيه وجدِّه.

وثانياً: أنَّها، وإن كانت دالَّةً على الاستحباب بالأصل، إلَّا أنَّ الوجوب ثابت بالعارض، حيث قال: (فجعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) سنَّةً)، وليس المراد بالسُّنة الاستحباب، كما لا يخفى.

ومنها: هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سألتُه عن التكبير في الفطر والأضحى، فقال: خمس وأربع، ولا يضرُّك إذا انصرفتَ على وتر)(3)، وقد عرفت سابقاً أنَّ يزيد بن إسحاق شَعَر ممدوح جدًّا، إلَّا أنَّها لا تنافي الوجوب، إذ لا يستفاد منها إجزاء كلّ وتر، وإنَّما هي دالَّة على ذلك في الجملة.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ الأقوى هو وجوب التكبيرات التسع الزائدة.

الأمر الثالث: هل القنوت بعد التكبيرات الزائدة واجب أم مستحبّ، قال المصنِّف في الذِّكرى: (الأظهر أيضاً وجوب القنوت بين التكبيرات، نصَّ عليه المرتضى أنَّه انفراد الإماميَّة...).

_______

(1) الوسائل باب10 من أبواب صلاة العيد ح17.

(2)و(3) الوسائل باب10 من أبواب صلاة العيد ح15و14.

 

وفي المدارك : (اختلف الأصحاب في القنوت بعد التكبيرات الزَّائدة، فقال المرتضى وأكثر الأصحاب: إنَّه واجب، للأمر به في روايتي يعقوب بن يقطين وإسماعيل بن جابر، وقال الشَّيخ في الخلاف: أنَّه مستحبّ ، لأنَّ الأصل براءة الذّمَّة من الوجوب...).

أقول: مَنْ ذهب إلى الوجوب استدلّ بدليلين:

الأوَّل: الإجماع المنقول المدَّعى في الانتصار.

وفيه: ما ذكرناه مِنْ أنَّه يصلح للتأييد فقط.

الثاني: الأمر به في جملة من الرِّوايات المتقدِّمة، والأمر ظاهر في الوجوب؛ وهذا الدَّليل لا بأس به، ما لم تقم قرينة على الاستحباب.

وأمَّا مَنْ ذهب إلى الاستحباب، فقدِ استُدلّ له بالأصل، وبخلوِّ جملة من الرِّوايات الواردة في بيان الكيفيَّة عن القنوت، وعدم نُصُوصيَّة ما تعرض له في الوجوب، وخصوص موثَّقة سماعة التي وقع فيها التعبير بلفظ (ينبغي) الظَّاهر في الاستحباب.

وفيه: أنَّ هذه الأدلَّة كلّها ضعيفة إلَّا الدَّليل الأخير:

أمَّا الأصل، فهو منقطع بالَّدليل الذي عرفته.

وأمَّا خلوُّ جملة من الرِّوايات عن التعرُّض له، فلا ينافي وجود جملة من الرِّوايات آمرةً به، وقد تقدَّمت.

وأمَّا عدم النُّصُوصيَّة، فلا يضرّ، لأنّنا لا نحتاج إلى النصّ، ويكفينا الظُّهور، وهو حاصل للأمر به في جملة من الرِّوايات، كما عرفت.

نعم، الدَّليل الأخير قويّ، لأنَّ لفظة (ينبغي) في موثَّقة سماعة ظاهرة في الاستحباب، وهذا يكون قرينةً لِصَرْف الأمر عن الظُّهور في الوجوب.

وعليه، فمقتضى الصِّناعة العلميَّة، وإن كان هو استحباب القنوت بعد التكبيرات الزَّائدة، إلَّا أنَّ الأحوط وجوباً الإتيان بها، والله العالم.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo