< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/02/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة العيدَيْن(10)

 

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى: (قال كثير من الأصحاب يستحبّ الإفطار يوم الفطر على الحلو، لما رُوي أنَّ النَّبي (صلى الله عليه وآله) كان يأكل قبل خروجه في الفطر تمرات ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، أو أقلّ أو أكثر، ولو أفطر على التربة الحسينيَّة (صلوات الله على مشرفها) لعلَّةٍ به فحسن، وإلَّا فالأقرب التحريم، وعلى الجواز لا يتجاوز قدر الحمصة، والأفضل الإفطار على الحلاوة، وأفضلها السُّكَر؛ ورُوي: من تربة الحسين (عليه السلام)، والأوَّل أظهر، لشذوذ الرِّواية، وتحريم الطِّين على الإطلاق، إلَّا ما خرج بالدَّليل من التربة للاستشفاء).

أقول: ما ذكره الأعلام من الإفطار على مطلق الحلو لا دليل عليه.

وما استدلُّوا به، من أنَّه رُوي عن النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) (أنَّه كان يأكل قبل خروجه في الفطر ثمرات ثلاثاً...)(1)، وقد تقدَّمت الرِّواية.

ففيه أوَّلاً: أنَّها نبويَّة ضعيفة جدًّا لا يعوَّل عليها.

وثانياً: أنَّها ورادة في خصوص التّمر؛ واستفادةُ استحباب الإفطار بمطلق الحلو منها تحتاجُ إلى إلغاء خصوصيَّة الموضوع والعنوان، وهو التَّمر، وهذا يحتاج إلى دعوى علم الغيب.

نعم، رُويت هذه الرِّواية في الجعفريات بتغيير طفيف، حيث ورد فيها (أنَّ النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) كان إذا أراد أن يخرج إلى المصلَّى يوم الفطر كان يفطر على تمرات أو زُبَيبات)(2).

ولكن ذكرنا سابقاً أنَّ كتاب الجعفريات المعبَّر عنه بالأشعثيَّات فيه موسى بن إسماعيل بن الكاظم (عليه السلام) ، وموسى مجهول الحال، وكذا والده إسماعيل.

وأمَّا استحباب الإفطار يوم الفطر بالتَّمر، فقدِ استُدلّ له بما تقدَّم من النَّبوي، وما هو موجود في الجعفريَّات؛ وقد عرفت حالهما.

وبما ذكره ابن طاووس (رحمه الله) في الإقبال (قال: روى ابن أبي قرَّة بإسناده عن الرَّجل، قال: كُلْ تمرات يوم الفطر، فإن حضرك قوم من المؤمنين فأطعمهم مثل ذلك)(3)، وهي ضعيفة لأنَّ محمَّد بن أبي قرَّة، وإن كان ثقةً، إلَّا أنَّ ابن طاووس (رحمه الله) لم يذكر إسناده إليه، كما أنَّ إسناد محمَّد بن أبي قرَّة إلى الرَّجل غير معلوم، فتكون الرِّواية مرسلةً أو بحكم المرسلة من جهتين.

وورد أيضاً استحباب الإفطار على طين القبر الشَّريف والتمر، كما في رواية عليّ بن محمَّد النوفلي (قال: قلتُ لأبي الحسن (عليه السلام): إنِّي أفطرتُ يوم الفطر على طين وتمر، فقال لي: جمعتَ بركةً وسنةً)(4)، ولكنَّها ضعيفة بجهالة عليّ بن محمَّد النوفلي.

وأمَّا الحرَّاني الموجود في السَّند: فهو سلامة بن ذكار الممدوح جدًّا.

وفي الفِقه الرَّضوي: (والذي يستحبّ الإفطار عليه في يوم الفطر الزبيب والتَّمر، وأَروي عن العالِم (عليه السلام) الإفطار على السُّكر، ورُوي أفضل ما يفطر عليه طين قبر الحسين (عليه السلام))(5).

وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة أنَّ كتاب الفِقه الرَّضوي هو فتاوى لابن بابويه (رحمه الله) إلَّا ما كان بعنوان: أَروي عن العالم، أو بعنوان رُوي، فتكون روايةً مرسلةً.

والخلاصة: أنَّ الروايات في استحباب الإفطار على التَّمر، أو الزَّبيب، أو تربة الحسين (عليه السلام) ، أو السُّكر، كلّها ضعيفة السَّند.

فما تسالم عليه الأعلام من استحباب الإفطار عليه، وهو التَّمر، فيُعمَل به، وإلَّا فالحكم بالاستحباب في الباقي يحتاج إلى دليل، إلَّا على القول بالتَّسامح السُّنن، وقد عرفت ما فيه.

نعم، الإفطار على طين قبر الشَّريف لا يجوز إلَّا للاستشفاء.

_______

(1) المستدرك على الصحيحن: ج1، ص593، ح1130.

(2) مستدرك الوسائل باب10 من أبواب صلاة العيد ح1.

 

ومن هنا، يحتمل كون عليّ بن محمَّد النوفلي الذي أجابه الإمام (عليه السلام) بقوله: (جمعتَ بركةً وسنةً)، مريضاً قاصداً بالإفطار بها البركة، والاستشفاء.

ولقد أجاد ابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر، حيث قال: (وإنَّ هذه الرِّواية -أي رواية الإفطار على طين قبر الحسين (عليه السلام)- شاذَّة من أضعف أخبار الآحاد، لأنَّ أكل الطين على اختلاف ضروبه حرام بالإجماع، إلَّا ما خرج بالدَّليل، من أكل التربة الحسينيَّة (على متضمّنها أفضل الصَّلاة والسلام) للاستشفاء فحسب، القليل منها دون الكثير، للأمراض، وما عدا ذلك فهو باقٍ على أصل التحريم والإجماع).

______

(1) المستدرك على الصحيحن ج1، ص593، ح113.

(2) مستدرك الوسائل باب10 من أبواب صلاة العيد ح1.

(3و4) الوسائل باب13 من أبواب صلاة العيد ح2و1.

(5) مستدرك الوسائل باب10 من أبواب صلاة العيد ح2.

 

قوله: (ويحرم السَّفر بعد طلوع الشَّمس على المخاطب بها)

قال في المدارك: (وقد قطع الأصحاب تحريمه، لاستلزامه الإخلال بالواجب...)، وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده في شيء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه....).

أقول: ما ذكرناه في حرمة السَّفر يوم الجمعة بعد الزَّوال آت هنا، وقد بيّنا أنَّ المسألة متسالم عليها بين الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه، وأصبحت من الواضحات.

وبالجملة، فالكلام هنا هو الكلام هناك، فلا حاجة للإعادة.

 

قوله: (ويكره بعد طلوع الفجر)

أقول: قد تردّد بعض الأعلام في جواز السَّفر بعد طلوع الفجر.

وذكروا أنَّ منشأ التردُّد أصالة الجواز السالمة من معارضة الإخلال بالواجب، باعتبار أنَّ الوجوب غير حاصل، لِعدم حصول سببه.

ومن صحيح أبي بصير المرادي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: إذا أردتَ الشُّخوص في يوم عيد، فانفجر الصُّبح وأنت بالبلد، فلا تخرج حتَّى تشهد ذلك العيد)(1).

_________

(1) الوسائل باب27 من أبواب صلاة العيد ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo