< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/02/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة العيدَيْن(6)*

 

الثانية: مرفوعة محمَّد بن أحمد (قال: إذا أصبح النَّاس صياماً، ولم يرد الهلال، وجاء قوم عدول يشهدون على الرُّؤية، فَلْيفطروا وَلْيخرجوا من الغد أوَّل النَّهار إلى عيدهم)(1)، ولكنَّها ضعيفة بالرَّفع.

الثالثة: ما في دعائم الإسلام عن عليٍّ (عليه السلام) (أنَّه قال في القوم لا يرون الهلال فيصبحون صياماً حتَّى يمضي وقت صلاة العيد من أوَّل النَّهار، فيشهد شهود عدول أنَّهم رأَوه من ليلتهم الماضية، قال: يفطرون ويخرجون من غدٍ فيصلّون صلاة العيد في أوَّل النَّهار)(2)، وهي ضعيفة بالإرسال، وظاهر الكليني والصَّدوق (رحمهما الله) العمل بذلك.

_________

(1) الوسائل باب9 من أبواب صلاة العيد ح1و2.

(2) المستدرك باب6 من أبواب صلاة العيد ح1.

 

وبالجملة، فلا موجب لردّ صحيحة محمَّد بن قيس، إذ لا معارض لها.

ثمَّ إنَّه قد يقال: ما السَّبب في التأخير إلى الغد، ولم لا يقع في ذلك اليوم بعينه، فإنَّ القضاء لا يختص بوقت؟

وفيه: أنَّه لا علم لنا بالعلَّة، وإنَّما نلتزم بذلك للنصّ.

ولعلَّ الحكمة في ذلك هو تحصيل مثل الوقت الموظَّف الذي هو عبارة عن أوَّل النَّهار من اليوم الثاني، والله العالم.

 

قوله: (ويشترط فيها الاتِّحاد كالجمعة إذا كانتا واجبتين، فينعقد في الفرسخ الواجبة مع المندوبة، والمندوبتان فصاعداً)

هذا هو الشرط الثالث لوجوب صلاة العيدين، وهو الوحدة، قال في المدارك : (وظاهر الأصحاب اشتراطها، حيث أطلقوا مساواتها للجمعة في الشَّرائط؛ ونقل عن الحلبيين التصريح بذلك محتجّين بأنّه لم ينقل عن النَّبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أنّه صلّى في زمانه عِيدان في بلد، كما لم ينقل أنَّه صُلِّيت جمعتان).

 

وقال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: ( الظَّاهر أنَّ الوحدة المعتبرة في الجمعة معتبرة هنا بطريق الأولى، وصرَّح به أبو الصَّلاح وابن زهرة، لأن اجتماع النَّاس في موضع واحد في السَّنّة مرتين يكون أكثر غالباً من الجمعة، وليتوفَّر اجتماع القلوب في المكان الواحد -إلى أن قال:- نعم؛ لو لم تجتمع الشَّرائط، وصُلِّيت مستحبّاً جماعةً لم يمتنع التعدُّد، وكذا مَنْ كان له عذر عن الخروج يصلّيها في منزله ولو جماعةً وإن أقيمت فرضاً مع الإمام).

وبالجملة، فقدِ استُدلّ لاعتبار الوحدة -مضافاً لِما ذكره المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى، وما ذكره صاحب المدارك (رحمه الله)- ببعض الرِّوايات:

منها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال: قال النَّاس لأمير المؤمنين (عليه السلام): أَلَا تخلف رجلاً يصلي في العيدين؟ فقال: لا أخالف السّنة)(1).

ومنها: ما عن دعائم الإسلام عن علي (عليه السلام) (أنَّه قيل له: لو أمرتَ من يصلِّي بضعفاء النَّاس يوم العيد في المسجد؟ قال: أكره أنْ أسنَّ سنَّةً لم يسنَّها رسول الله (صلى الله عليه وآله))(2)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

ومنها: ما عن البحار نقلاً من كتاب عاصم بن حميد عن محمَّد بن مسلم (قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال النَّاس لعلّي (عليه السلام): ألَا تخلف رجلاً يصلِّي بضعفاء النَّاس في العيدين؟ قال: لا أخالف السُّنّة)(3)، وهي ضعيفة بالإرسال، لأنَّ صاحب البحار (رحمه الله) لم يذكر طريقه إلى كتاب عاصم بن حميد، وإن كان من المظنون جدًّا أن تكون هي نفسها الرِّواية السَّابقة التي رواها محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام).

ومنها: ما رُوي بهذا المضمون، وهو ما رواه في المحاسن عن رفاعة (قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول...)(4)، وهي ضعيفة أيضاً بالإرسال ، حيث لم يذكر البرقي إسناده إلى رفاعة.

وقد أُورِد على هذه الأدلَّة -مضافاً لِضعف الرِّوايات سنداً إلَّا صحيحة محمَّد بن مسلم-: بأنَها لا تدلّ على المنع.

ومن هنا توقَّف العلَّامة (رحمه الله) في التذكرة والنِّهاية في اشتراط ذلك، قال في المدارك: (وهو -أي التوقف- في محله ...).

أقول: لا ينبغي التوقُّف في هذا الشَّرط، لِما عرفت من التسالم بينهم على أنَّ شرائط العيدين هي شرائط الجمعة.

ومن هنا تعلم أنَّ سائر الأئمَّة (عليه السلام)، كالأمير (عليه السلام)، لم يخالفوا السّنة، فلم ينصبوا شخصَيْن لإقامتها في مكانين من بلد واحد، وبدونه ينتفي شرط الوجوب.

والمراد بقوله (عليه السلام): (لا أخالف السّنة)، أي: وحدة الصَّلاة في الفرسخ، فإنَّه واجب بالسّنّة النّبويَّة.

وإطلاق السُّنة على ما وجب السّنة معروف في الرِّوايات، وعند الأعلام .

وليس المراد بالسُّنّة المستحبّ، كما لا يخفى، والله العالم.

ثمَّ إنَّ ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) هنا وفي الذّكرى، من أنَّ هذا الشّرط إنّما يعتبر مع وجوب الصّلاتين، فلو كانتا مندوبتين أو إحداهما مندوبة والأخرى واجبة لم يمتنع التعدُّد، هو في محلّه، وذلك اقتصاراً في تقييد إطلاق الرِّوايات على المتيقّن، وهو ما لو كانتا واجبتين.

 

قوله: (ولا تقضى مع الفوات وجوبا وجوزه الشَّيخ واستحبه ابن إدريس ، وفصل ابن حمزة بقضاء مستمع الخطبة، دون غيره، لصحيحة زرارة عن الصَّادق (عليه السلام) ، ومنع الحلبي في القضاء مطلقاً)

ذكرنا هذه المسألة بالتفصيل قبل قليل عند قول المصنِّف (رحمه الله): (وظاهر الحسن والصّدوق سقوطها بفوات الإمام...)، فراجع.

 

قوله: (والعدد كالجمعة، وقال الحسن: سبعة هنا)

هذا هو الشرط الرَّابع لوجوب صلاة العيدين وهو العدد، وقال صاحب المدارك (رحمه الله): (العدد، وقد أجمع الأصحاب على اعتباره هنا حكاه في المنتهى...).

أقول: دعوى الإجماع مستفيضة إن لم تكن متواترةً.

ومهما يكن، فإنِّي لم أرَ مخالفاً في اعتبار العدد، ولذا كانت المسألة متسالماً عليها، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه.

_________

(1) الوسائل باب17 من أبواب صلاة العيد ح9.

(2) دعائم الإسلام: ج1، ص185و186.

(3) البحار: ج18، الصَّلاة ح863.

(4) البحار: ج18، الصَّلاة ح860.

 

ويدل عليه أيضاً صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (أنَّه قال في صلاة العيدين: إذا كان القوم خمسةً أو سبعةً فإنَّهم يجمعون الصَّلاة، كما يصنعون يوم الجمعة، وقال : تقنت في الرِّكعة الثانية، قال: قلتُ: يجوز بغير عمامة، قال: نعم، والعمامة أحبُّ إليَّ)(1).

وقدِ استُدلّ أيضاً بما عن كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمَّد (عليه السلام) (أنَّه قال -في صلاة العيدين إذا كان القول خمسة فصاعداً مع إمام في حضر-: فعليهم أن يجمعوا للجمعة والعيدين)(2)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

ثمَّ إنَّ المعروف بين الأعلام الاكتفاء في العدد بالخمسة لصحيحة الحلبي المتقدِّمة، خلافاً لابن أبي عقيل (رحمه الله)، حيث ذهب إلى أنَّ العيدين يشترط فيه سبعة، مع أنَّه اكتفى في الجمعة بالخمسة!

وقد أشكل عليه: بأنه لا دليل على اعتبار السَّبعة.

وأجاب بعض الأعلام: بوصول المستند إلى ابن أبي عقيل (رحمه الله)، وإن لم يصل إلينا، حيث قال -على ما نقله عند العلَّامة (رحمه الله) في المختلف-: (ولا عيد مع الإمام، ولا مع امرأة في الأمصار، بأقلّ من سبعة من المؤمنين فصاعداً، ولا جمعة بأقلّ من خمسة، ولو كان إلى القياس سبيل لكانا جميعاً سواء، ولكنَّه تعبُّد من الخالق سبحانه).

أقول: وإن كان ظاهر هذا الكلام وصول المستند إليه، ولكنَّه لم يصل إلينا حتَّى نرى صحّته من عدمه.

وبالتالي، فالعمل هو ما عليه الأعلام، من الاكتفاء بالخمسة.

مضافاً لصحيحة الحلبي المتقدِّمة، والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo