< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/02/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة العيدَيْن(1)

قوله: ((درس 48) تجب صلاة العيدَيْن بشرائط الجُمُعة)

في المدارك: (العيدان هما اليومان المعروفان، وأحدهما عيد وياؤه منقلبة عن واو، لأنَّه مأخوذ من العَوْد، وإمَّا لِكثرة عوائد الله تعالى فيه على عباده، وإمَّا لِعَوْد السرور والرحمة بعَوْده، والجمع أعياد، على غير القياس، لأنَّ حقّ الجمع ردّ الشَّيء إلى أصله، قيل: وإنَّما فعلوا ذلك للزوم الياء في مفرده، أو للفرق بين جمعه وبين جمع عُوْد الخشب).

أقول: يقع الكلام في أمرَيْن:

الأوَّل: في وجوب صلاة العيدين عيناً بالشَّرائط التي سنذكرها -إن شاء الله تعالى-.

وقدِ استُدل له بالأدلَّة الثلاثة: الإجماع، والكتاب العزيز، والسُّنة النبويَّة الشَّريفة.

أمَّا الإجماع فقد نقله جماعة كثيرة، قال صاحب المدارك: (أجمع علماؤنا كافة على وجوب صلاة العيدين على الأعيان على ما نقله جماعة منهم المصنف والعلامة في جملة من كتبه).

وفي الجواهر: (وهي واجبة على الأعيان إجماعا منا بقسمَيْه، بل لعل المحكي منه متواتر...).

وقال المصنِّف في الذِّكرى: (وهي واجبة بإجماعنا وفرض، وأنكر بعض العامَّة فرضها، ووافق على وجوبها بناءً على تمحُّل الفرق بين الواجب والفرض، ومنهم من ذهب إلى أنَّها فرض كفايةً، وأخرون ذهبوا إلى أنَّها سنَّة...).

وفي الانتصار: (وممَّا يظنّ انفراد الإماميَّة به القول: بأنَّ صلاة العيدَيْن واجبتان على كلّ مَنْ وجبت عليه صلاة الجمعة، وبتلك الشَّروط...دليلُنا على ما ذهبنا إليه الإجماع المتقدِّم...)..

أقول: هناك تسالم بين علماء الطائفة قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار على وجوبها عيناً، مع وجود الشَّرائط المعتبرة، بحيث لم يخالف في ذلك أحد على الإطلاق، بل هي واجبة أيضاً عند كثير من أبناء العامَّة.

وعليه، فخرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه.

وأمَّا الكتاب المجيد، فقدِ استُدل بالآيتَيْن الشَّريفتَيْن:

الأُولى: قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ}.

ففي تفسير عليّ بن إبراهيم في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ}، قال: (زكاة الفطرة، فإذا أخرجها قبل صلاة العيد)، وقوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}، قال: (صلاة الفطر والأضحى)(1).

ولكن هذا تفسير منه، وليس روايةً عن المعصوم ’.

وقول عليّ بن إبراهيم غير حجَّة؛ بل لو فرض أنَّها رواية فهي مرسلة غير حجّة.

نعم، أرسل في الفقيه عن الصَّادق ’ (أنَّه سُئل عن قول الله عزَّوجل: { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ}، قال: مَنْ أخرج الفطرة، فقيل له: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}؟ قال: خرج إلى الجبانة فصلَّى)(1)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

ورواها الشَّيخ (رحمه الله) في التهذيب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن أحمد بن محمَّد عن الحسين عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله ’، وهي أيضاً ضعيفة بجهالة الحسين، فإنَّه مشترك بين عدَّة أشخاص.

وأمَّا الآية الشَّريفة الثانية: فهي قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ}.

قال المصنِّف (رحمه الله) -في مقام الاستدلال-: (لنا قوله تعالى: {فصل لربك وانحر}، قال بعض المفسرين: هي صلاة العيد، ونحر البدن للأضحية).

_____

(1) المجلد الثاني: ص417.

(2) الوسائل باب17 من أبواب صلاة العيد ح4.

واستدلّ بها أيضاً صاحب المدارك (رحمه الله): (قال: قِيل هي صلاة العيد، ونحر البدن للأضحية)، وقال في المعتبر: (قال أكثر المفسرين: المراد صلاة العيد، وظاهر الأمر الوجوب).

أقول: قول المفسّرين غير حجّة، ولا يوجد في الرِّوايات ما يُفسّرها بهذا المعنى.

نعم، ورد فيها التفسير بمطلق الصَّلاة.

والمراد بالنحر رفع اليدين حال التكبير حذاء الوجه.

ومن جملة الرِّوايات الواردة في المقام صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ’ في قول الله عزَّوجل : {فصلّ لربِك وانحر}، قال: هو رفع يديك حذاء وجهك)(1).

ومنها: رواية الأصبغ بن نباتة عن عليّ بن بي طالب ’ (قال: لمَّا نزلت على النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) : {فصلّ لربّك وانحر}، قال: يا جبرائيل! ما هذه النحيرة التي أمر بها ربي؟ قال: يا محمَّد! إنَّها ليست نحيرة، ولكنَّها رفع الأيدي في الصَّلاة)(2)، وهي ضعيفة بجهالة أغلب رجالها.

ومنها: ثلاث مراسيل في مجمع البيان:

الأولى: عن عليٍّ ’ في قوله تعالى: {فصلّ لربِّك وانْحَر}: (أنَّ معناه: اِرفع يديك إلى النَّحر في الصَّلاة)(3).

الثانية: عن عمر بن يزيد في قوله تعالى: {فصلِّ لربِّك وانْحَر} (قال: هو رفع يديك حذاء وجهك)(4).

الثالثة: عن جميل (قال: سألتُ أبا عبد الله ’ في قوله عزَّوجل: {فصلِّ لربِّك وانْحَر}، (فقال بيده: هكذا، يعني استقبل بيدَيْه حذو وجهه القبلة في افتتاح الصَّلاة)(5).

وهذه الرِّوايات ضعيفة بالإرسال.

وأمَّا السّنة: فالرِّوايات الواردة في المسألة مستفيضة جدّاً، كادت أن تكون متواترةً:

منها: صحيحة جميل بن دراج عن الصَّادق ’ (أنَّه قال: صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة)(6).

ومنها: صحيحته الأخرى: (قال: سألتُ أبا عبد الله ’ عن التكبير في العيدين، قال: سبع وخمس، وقال: صلاة العيدين فريضة...)(7).

ومنها: رواية أبي أسامة عن أبي عبد الله ’ -قال في حديث- (صلاة العيدين فريضة، وصلاة الكسوف فريضة...)(7)، ولكنَّها ضعيفة بأبي جميلة المفضَّل بن صالح الأسدي النخَّاس، كان يبيع الرقيق.

ومنها: صحيحة أبي بصير المرادي عن أبي عبد الله ’ (قال: إذا أردت الشُّخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت بالبلد، فلا تخرج حتَّى تشهد ذلك العيد)(9).

وأمَّا ما ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر ’ (قال: صلاة العيدين مع الإمام سنَّة، وليس قبلهما، ولا بعدهما صلاة ذلك اليوم، إلَّا الزَّوال)(10).

فقد أجاب عنها المصنِّف في الذكرى، بقوله: (قلتُ: المراد أنَّها ثابتة بالسَّنّة، قاله الشَّيخ في التهذيب، فإن قلت: قد ذكرتَ أنَّ الكتاب دالّ عليها؟! قلتُ: ليست دلالةً قطعيَّةً، بل ظاهرةً، وبالسُّنة فعلاً وقولاً عُلِم القطع).

أقول: يحتمل أيضاً أن يكون المراد بالسُّنة في هذه الصَّحيحة هو أنَّ السّنة في فريض هذه الصَّلاة أن تكون مع الإمام، فمَنْ صلاها بدون الإمام معتقداً وجوبها فقد خالف السّنة، ويكون قد أتى بالبدعة.

ومهما يكن، فالأمر سهل.

والخلاصة: أنَّه لا إشكال في الوجوب.

بل قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى: (ولو امتنع قوم من فعلها قوتلوا عليها كما يقاتلون على بقيَّة الصَّلوات الواجبة؛ نعم، لا يكفَّر مستحلّ تركها، لتحقُّق الخلاف من العامَّة).

_______

(1)و(2)و(3)و(4)و(5) الوسائل باب9 من أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح ح4و13ح15ح16ح17.

(6) الوسائل باب1 من أبواب صلاة العيد ح1.

(7) الوسائل باب10 من أبواب العيد ح4.

(8) الوسائل باب1 من أبواب صلاة العيد ح4.

(10) الوسائل باب1 من أبواب صلاة العيد ح2.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo