< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/12/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجمعة وآدابها(31)*

وأمَّا القول الخامس -والذي ذهب إليه المجلسيان وصاحب الحدائق (رحمهم الله)-: فتدلّ عليه الرِّوايات الكثيرة الدَّالة على أنَّ وقت الظُّهر في سائر الأيام هو بعد القدمين أو الذّراع، وإنّ اختزال القدمين أو الذّراع من أوّل الظُّهر لمكان النافلة.

ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر ’ ©قال: سألتُه عن وقتِ الظُّهر، فقال: ذراع من زوال الشَّمس، ووقت العصر ذراعان(4) من وقت الظُّهر، فذاك أربعة أقدام من زوال الشَّمس -إلى أن قال:- أتدري لِمَ جعل الذّراع والذّراعان؟ قلتُ: لِمَ جعل ذلك؟ قال: لِمكان النافلة، لك أن تتنفَّل من زوال الشَّمس إلى أن يمضي ذراع، فإذا

بلغ فيئك (فيؤك خ ل) ذراعاً من الزَّوال بدأت بالفريضة، وتركت النافلة...®(1).

وفي صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله ’ ©أنَّهما قالا: وقت الظُّهر بعد الزَّوال قدمان، ووقت العصر بعد ذلك قدمان®(2)، وكذا غيرهما من الرِّوايات.

وعليه، فيستفاد من جَعْل وقت العصر يوم الجمعة وقت الظُّهر من سائر الأيام -كما في جملة من الرِّوايات تقدَّم بعضها- أنَّ الوقت الذي جعل في سائر الأيام وقتاً لنافلة الظُّهر -وهو الذِّراع أو القدمان- جُعِل في يوم الجمعة وقتاً لفريضتها، كما ذهب إليه المجلسيان وصاحب الحدائق (رحمهم الله).

لكن قد يشكل على هذا القول: بأنَّ تحديد وقت النافلة بذراع أو قدمين هو تحديد تقريبي، وهو لا ينافي الرِّوايات الدَّالة بظاهرها على أنَّ وقتها مضيَّق، لِما عرفت من أنَّ المراد التضييق العرفي.

وعليه، فالإتيان بالأذان بعد الزَّوال مع الخطبتين والرِّكعتين مع مستحباتهما يكون ذلك عرفاً مستوعباً للقدمين أو الذِّراع.

وأمَّا القول الثاني -والذي ذهب إليه ابن إدريس ¬، والمصنِّف ¬ هنا وفي البيان، من أنَّ وقتها وقت الظُّهر فضيلةً وإجزاءً، أي أنَّه يمتدّ إلى ما قبل الغروب بأربع ركعات-: فقد يستدلّ لهذا القول بالرِّوايات المتقدِّمة المستدلّ بها للقول الثالث الدَّالة على التضييق، باعتبار أنَّ المراد بصلاة يوم الجمعة في تلك الرِّوايات هو ما يشمل فريضة الظُّهر، لا خصوص الجمعة.

أُنظر إلى قوله ’ في رواية محمَّد بن أبي عمير المتقدِّمة، حيث ورد في ذَيْلها: ©أمَّا أنا فإذا زالتِ الشَّمس لم أبدأ بشيءٍ قبل المكتوبة®، فإنَّ المراد بالمكتوبة هي صلاة الظُّهر، لا الجمعة التي لم يكن الإمام في تلك الأعصار يصلّيها، ولا شيعته، إلَّا خلف العامَّة تقيَّةً.

وفي بعض الرِّوايات مساواة السَّفر للحضر في الوقت.

ومن المعلوم أنَّ الصَّلاة في السَّفر هي الظُّهر لا الجمعة، بل استفاضت النصوص في توقيت الظُّهر بذلك في يوم الجمعة:

__________

(1) و(2) الوسائل باب8 من أبواب المواقيت ح3و4و1و2.

 

منها: صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق ©قال: سألتُ أبا عبد الله ’ عن وقت الظُّهر، فقال: بعد الزَّوال بقدم، أو نحو ذلك، إلَّا يوم الجمعة، أو في السفر، فإنَّ وقتها حين تزول الشَّمس®(1).

ومنها: موثَّقة سماعة ©قال: قال: وقت الظُّهر يوم الجمعة حين تزول الشَّمس®(2)، ومضمرات سماعة مقبولة، كما عرفت، إلى غير ذلك من الرِّوايات الظَّاهرة في إرادة بيان مغايرة وقت الفضل للظُّهر والعصر يوم الجمعة لوقتهما في غيرها، باعتبار تقدَّم النوافل فيها على الزَّوال، وتأخّرها عنه في غير يوم الجمعة.

وظهور الرِّوايات، أو بعضها، بإرادة الظُّهر من يوم الجمعة، لا خصوص صلاة الجمعة، لا يتنافى مع التضييق فيها، إذ هو محمول على إرادة شدَّة التأكُّد الذي لا ينافي امتداد وقت الجمعة بامتداد وقت الظُّهر.

ويحتمل في بعض الرِّوايات المتقدِّمة أنَّها وردت لبيان ابتداء الوقت بالزَّوال، ردّاً على المحكي من فِعْل أبي بكر لها قبل الزَّوال، فلا يعارض إطلاق الأوامر بصلاة الجمعة الظَّاهر امتداد وقتها بامتداد وقت الظُّهر.

والخلاصة: أنَّه لأجل ظهور هذه الرِّوايات في كون المراد منها الأعمّ من الظُّهر وصلاة الجمعة ذهب ابن إدريس والمصنِّف (رحمهما الله) إلى امتداد وقتها بامتداد وقت الظهر فضيلةً وإجزاءً.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذه المعنى بعيد جدًّا عن الواقع، لِعدم معهوديَّته في الشَّريعة الإسلاميَّة، فلو جاز فِعْلها في آخر الوقت لاتّفق حصوله أو التصريح بجوازه عن المعصوم ’، ولو عند قدومهم من الأسفار، أو حدوث بعض الأعذار أو الأمراض المانعة للإمام ’ عن حضوره في أوَّل الوقت، ولوِ اتّفق لنُقِل، فهذا يدلّ على عدم مشروعيَّة التأخير.

وعليه، فيتعيَّن القول الثالث، ولا أقلّ من أنَّ الاحتياط يقتضي ذلك، والله العالم.

 

قوله: (فلو خرج وقد تلبّس بركعة أتمَّها، وقيل: يجزئ التحريم).

قال المصنِّف ¬ في الذِّكرى: ©لو خرج الوقت وهو متلبِّس بها أتمَّها جمعة إذا أدرك ركعةً في الوقت، سواء كان إماماً أو مأموماً، واعتبر بعض الأصحاب إدراك تكبيرة الإحرام، والأوَّل أنسب بأصولنا، لأنَّا لا نكتفي بالتكبير في غير هذه الصَّلاة، بخلاف العامَّة...®.

أقول: المعروف بين جملة من الأعلام أنَّه يكفي في إتمامها جمعةً التلبُّس بها في الوقت، ولو بتكبيرة الإحرام، لأنَّها استجمعت الشَّرائط، وانعقدت جمعةً بلا خلاف، فوجب إتمامها للنَّهي عن إبطال العمل.

ويرد عليهم: أنَّ التكليف بفِعْل موقَّت يستدعي زماناً يسعه، لامتناع التكليف بالمُحال، ولا يشرع فِعْله في خارج الوقت، إلَّا أَنْ يثبت من الشَّارع شرعيَّة فِعْله خارج الوقت.

والإنصاف: هو ما ذهب إليه المصنِّف ¬ في الذِّكرى من أنَّه يتمّها جمعةً إذا أدرك ركعةً في الوقت، بل ذهب إلى ذلك جماعة من الأعلام، بل في جامع المقاصد نسبته إلى المعظم.

_________

(1)و(2) الوسائل باب8 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح7و8.

 

وقد عرفت أنَّ المصنِّف ¬ قال في الذِّكرى: ©أنَّه أنسب بأصولنا®.

وقدِ استُدلّ المصنِّف ¬ في الذِّكرى وغيره في غيرها بالنَّبوي ©مَنْ أدرك ركعةً من الوقت فقد أدرك الوقت®(1).

وفيه: أنَّها لم ترد من طرقنا، وإنَّما هي عاميَّة.

وعليه، فلا يصحّ الاعتماد لِضعفها جدًّا.

 

نعم، قد يستدل: بما ورد من طرقنا، وهي موثَّقة عمَّار بن موسى السَّاباطي عن أبي عبد الله ’ -في حديث- ©قال: فإنْ صلّى ركعةً من الغداة، ثمَّ طلعتِ الشَّمس فَلْيتمّ، وقد جازت صلاته®(2)، وهي وإن كانت واردةً في صلاة الصُّبح إلَّا أنّنا ذكرنا سابقاً في بعض المناسبات أنَّ الأعلام عمّموها لكلِّ الأوقات، بحيث يظهر منهم التسالم على ذلك.

وقد يستدل أيضاً لوجوب إتمامها جمعةً بإدراك ركعة: بخصوص ما ورد في صلاة الجمعة، وهي كثيرة، منها صحيحة الفضل بن عبد الملك ©قال: قال أبو عبد الله ’ مَنْ أدرك ركعةً فقد أدرك الجمعة®(3).

قوله: (ويجب الدُّخول فيها إذا علم أو ظنّ أو شكّ في سِعَة الوقت للخطبتين وركعة؛ والمشهور: اعتبار ركعتين مع الخطبتين).

المعروف بين الأعلام أنَّه إذا تيقَّن المكلَّف بالجمعة أنَّ الوقت يتسع لأقلِّ الواجب من الخطبتين وركعتين خفيفتين وجبتِ الجمعة.

وفي الجواهر: ©بلا خلاف ولا إشكال، ضرورة عدم اعتبار المسنون ونحوه، بل في جامع المقاصد ينبغي الوجوب فيما لو شكّ في الإدراك وعدمه، لأصالة بقاء الوقت، واستصحاب وجوب الفعل...®.

وقدِ استشكل صاحب المدارك ¬ في الوجوب مع الشَّكّ في السِّعة، حيث قال: ©ويُشْكل بأنَّ الواجب الموقَّت يعتبر وقوعه في الوقت، فمع الشَّكّ فيه لا يحصل يقين البراءة بالفعل، والاستصحاب هنا إنَّما يفيد ظّن البقاء، وهو غير كافٍ في ذلك®.

وفيه: أنَّ الاستصحاب يجري في الزَّمان، كما ذكرنا ذلك في علم الأصول، فهو وإن كان غير قارّ الذَّات إلَّا أنَّ العرف يرى أنَّ الموضوع واحد، فتتحد القضيَّة المشكوكة مع القضيَّة المتيقّنة موضوعاً، فيجري الاستصحاب، وإن كان الموضوع بالدَّقة العقليَّة غير متَّحد، على الخلاف في المسألة.

وعليه، فجري استصحاب بقاء الوقت، ويكون حجَّةً.

نعم، لو منعنا جريانه في الأمور غير القارَّة الذَّات، فلا يمكن حينئذٍ إثبات الوقت.

ثمَّ إنَّه قد يشكل على المحقِّق الكركي ¬: بأنَّ استصحاب وجوب الفعل لا يجزي، لِما ذكرناه في محلِّه من أنَّ الاستصحاب لا يجري في الأحكام الكليَّة، لمعارضة استصحاب المجعول لاستصحاب عدم الجعل.

ثمَّ إنَّه لو علم بمقدار الوقت، وأنَّه عشر دقائق مثلاً، وشكّ في أنَّ هذا المقدار هل يسع للخطبتين مع الصَّلاة أم لا؟ فيجب عليه الدُّخول في الصَّلاة، لإطلاق الأدلَّة، فإذا انكشف عدم إدراك ركعة من الصَّلاة فينتقل إلى الظُّهر.

ولا يخفى أنَّ ما ذكرناه إنَّما هو فيما إذا علم أو ظنّ أو شكّ في سِعة الوقت للخطبتين وركعتين.

وأمَّا إذا علم أو ظنّ أو شكّ في سعة الوقت للخطبتين وركعة واحدة فالمشهور بين الأعلام أنَّه لا يدخل في الصَّلاة.

________

(1) و(2) الوسائل باب30 من أبواب المواقيت ح4و1.

(3) الوسائل باب26 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح6.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo