< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/12/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجمعة وآدابها(28)*

ثمَّ لو قطعنا النَّظر عن ضعف السَّند والدَّلالة فتُحْمل على الكراهة، جمعاً بينها وبين صحيح محمَّد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتَّى يفرغ الإمام من خطبته، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين تكلَّم ما بينه وبين أن يقام للصَّلاة، فإن سمع القرآن أو لم يسمع أجزأه)(1).

ولفظ (لا ينبغي) إن لم يكن صريحاً في الكراهة فهو ظاهر جدّاً فيها.

والخلاصة: أنَّ مقتضى الإنصاف هو كراهة الكلام للمستمعين.

وأمَّا القول: بتحريمه على الخطيب، فقد يستدلّ لذلك ببعض الرِّوايات أيضاً:

منها: صحيحة عبد الله بن سنان المتقدِّمة -حيث ورد في ذَيْلها- : (وإنَّما جُعلتِ الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهي صلاة حتَّى ينزل الإمام)(2).

ومنها: مرسلة الفقيه المتقدِّمة، حيث ورد فيها: (وإنَّما جعلتِ الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، جعلتا مكان الرِّكعتين الأخيرتين، فهما صلاة حتَّى ينزل الإمام)(2)، وهي ضعيفة بالإرسال.

ومنها: مرسلة دعائم الإسلام عن الصَّادق (عليه السلام) (قال: وإنَّما جعلتِ الخطبة عوضاً من الركعتين اللتين أُسْقطتا من صلاة الظُّهر، فهي كالصَّلاة، لا يحلّ فيها إلَّا ما يحلّ في الصَّلاة)(4)، وهي ضعيفة بالإرسال ايضاً.

والجواب عن هذه الرِّوايات -مع قطع النَّظر عن ضعف المرسلتين سنداً-: هو ما تقدَّم عند الكلام عن شرطيَّة الطَّهارة الحدثيَّة والخبثيَّة، حيث قلنا: إنَّ هذه الرِّوايات وشبهها لا تدلّ على أنَّ جميع ما يعتبر في الصَّلاة من الشَّرائط والأحكام فهي للخطبتين، فراجع ما ذكرنا.

وممَّا ذكرنا يظهر لك ضعف ما ذهب إليه السَّيد المرتضى (رحمه الله) في المصباح من أنَّه يحرم من الأفعال فيهما ما لا يجوز مثله في الصَّلاة، استناداً إلى هذه الرِّوايات وما شابهها.

والخلاصة: أنَّه لا دليل يعتدّ به على حرمة الكلام للخطيب، فمقتضى الأصل جواز التكلُّم له.

ويؤيِّده النبوي: (أنَّ رجلاً سأل النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) خاطباً يوم الجمعة، متى السَّاعة؟ فقال (صلى الله عليه وآله): ما أعددتَ لها، فقال: حبّ الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، فقال: إنَّك مع مَنْ أحببتَ)(5).

وإنَّما جعلناه مؤيداً لِضعف سنداً، حيث لم يرد من طرقنا، وإنَّما هو مذكور في كتب العامَّة.

هذا كلُّه لو كان الكلام في أثناء الخطبة، وأمَّا حال الجلوس بين الخطبتين فالأقوى: أيضاً عدم الحرمة على كلٍّ من السَّامعِين والخطيب، كما تقدَّم، والله العالم بحقائق أحكامه.

 

قوله: (ويستحبّ بلاغة الخطيب وفصاحته).

قال في الذكرى: (وسادسها: كونه بليغاً، بمعنى جمعه بين الفصاحة التي هي خلوص الكلام من التعقيد، وبين البلاغة وهي بلوغه بعبارته كُنْه ما في نفسه، مع الاحتراز عن الإيجاز المخلّ والتطويل المُملّ).

وبالجملة، ينبغي أن يكون مراعياً لما يقتضيه الحال بالعبارات الفصيحة الخالية عن التعقيد، وعن الابتذال، لتكون موعظته جاليةً للقلوب، مؤثرةً فيها، ويتوجّه النَّاس إلى الإصغاء إليها.

وعن نهاية الأحكام: (بحيث لا تكون مؤلفةً من الكلمات المبتذلة، لأنَّها لا تؤثِّر في القلوب، ولا من الكلمات الغريبة الوحشيَّة، لِعدم انتفاع أكثر النَّاس بها، بل تكون قريبةً من الإفهام، ناصَّةً على التخويف والإنذار).

 

________

(1) الوسائل باب14 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح1.

(2) الوسائل باب8 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح4.

(3) الوسائل باب14 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح2.

(4) دعائم الإسلام: ج1، ص183.

(5) ذكر صدره في سنن البيهقي: ج3، ص221، وتمامه في صحيح البخاري: ج8، ص49.

 

قوله: (واتصافه بما يأمر به، وانتهاؤه عمَّا نهى عنه، ومحافظته على أوَّل أوقات الصَّلوات).

وذلك ليكون له وَقْع في النُّفوس، فتكون موعظته أوقع في القلوب، وأبلغ في حصول ما هو الغرض من تشريع الجمعة.

وقد قيل: إنَّ ما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان، وما خرج من القلب فموقعه القلب.

 

قوله: (والتعمُّم ولو صيفاً والارتداء ببُرد يمنية).

المعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ للخطيب أنْ يتعمَّم شاتياً أو صائفاً، ويرتدي ببُرد يمنيَّة، كما في بعض الرِّوايات:

منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: إذا كانوا سبعةً يوم الجمعة فَلْيصلوا في جماعة، وَلْيلبس البُرْد والعمامة، ويتوكَّأ على قوس، أو عصا...)(1).

ومنها: موثَّقة سماعة (قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ينبغي للإمام الذي يخطب بالنَّاس يوم الجمعة أن يلبس عمامةً في الشِّتاء والصَّيف، ويرتدي ببُرد يمنيَّة أو عدني...)(2).

 

قوله: (وصعوده على عالٍ).

تدلّ عليه الرِّوايات الدَّالة على صعود المنبر، وهي كثيرة.

 

قوله: (والاعتماد على قوس أو سيف أو قضيب).

كما في صحيحة عمر بن يزيد المتقدِّمة وغيرها، ومنها النَّبوي، فقد رُوي: (أنَّه كان يخطب وفي يده قضيب)(3)، ولكنَّها ضعيفة، لِعدم ورودها من طرقنا، وإنَّما وردت في روايات العامَّة.

 

قوله: (والتسليم على النَّاس قبل جلوسه، فيجب عليهم الرد).

قدِ استدلّ لذلك برواية عَمْرو بن جميع رفعه عن عليٍّ (عليه السلام) (قال من السُنَّة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلِّم إذا استقبل النَّاس)(4).

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى بعد ذِكْره لهذه الرِّواية: (وعليه عمل النَّاس...).

أقول: الرِّواية ضعيفة بالرَّفع، وبعَمْرِو بن جميع، وبجهالة معاذ بن ثابت.

وقال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (وقال في الخلاف: لا يستحبّ التسليم، وكأنَّه لم يثبت عنده سند الحديث).

أقول: ما ذكره الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف، من عدم الاستحباب، هو الأقوى، لِضعف الرِّواية.

نعم، الاستحباب مبنيّ على التسامح في أدلَّة السنن.

ولكنَّك عرفت عدم ثبوت هذه القاعدة عندنا.

 

قوله: (واستقبالهم).

المعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ استقبال النَّاس بوجهه حال الخطبة، واستقبال النَّاس له.

ويدلّ عليه جملة من الرِّوايات:

منها: معتبرة السُّكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كلُّ

واعظٍ قبلة، يعني إذا خطب الإمام النَّاس يوم الجمعة ينبغي للنَّاس أن يستقبلوه)(5).

ومنها: صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه (ع) (قال: سألتُه عن القعود في العيدين والجمعة والإمام يخطب، كيف يصنع، يستقبل الإمام، أو يستقبل القِبلة؟ قال: يستقبل الإمام)(6)، وهي وإن كانت ضعيفةً في كتاب قُرْب الإسناد لأجل عبد الله بن الحسن، حيث إنَّه مهمل، إلَّا أنَّها صحيحة لوجودها في كتاب عليّ بن جعفر.

________

(1) الوسائل باب6 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح5.

(2) الوسائل باب24 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح1.

(3) سنن ابن ماجة: ج1، ص351- 352، ح1107.

(4) الوسائل باب28 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح1.

(5و6) الوسائل باب53 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح1و2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo