< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/11/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المعاملات/ المكاسب المحرَّمة | ما حرم لعينه،الغش.

قوله: (والغش الخفي كشَوْب اللبن بالماء)

من جملة ما حرم لعينه، وهو المعبر عنه بالحرم في نفسه: الغشُّ، ويقع الكلام فيه في ثلاثة أمور:

الأوَّل: في حكمه التكليفي.

الثاني: في بيان مفهومه، وأنَّه ما معنى الغشّ؟

الثالث: في الحكم الوضعي، من حيث الصحَّة والفساد.

وأمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام حرمة الغشِّ، بل هو متَّفق عليه بين الأعلام، في جميع الأعصار والأمصار.

وفي المستند للنراقي: (وهو حرام، بلا خلاف فيه ظاهرة...)، وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، كما أنَّ النصوص مستفيضة، أو متواترة فيه...).

وبالجملة، فحرمته متسالم عليها بين الأعلام، بل هو حرام عند المخالفين أيضاً، ففي الفِقه على المذاهب الأربعة: (نهى عن الغشِّ، والتدليس، ومدح السِّلعة بما ليس فيها، وكَتْم ما بها من عيب، ونحو ذلك...).

وأمَّا الرِّوايات الواردة في ذلك، فهي متواترة معنًى:

منها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام: (قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا)(1).

ومنها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌) لِرَجُلٍ يَبِيعُ التَّمْرَ: يَا فُلَانُ! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ غَشَّهُمْ؟!)(2).

ومنها: صحيحة هشام بن الحكم (قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ السَّابِرِيَّ فِي الظِّلَالِ، فَمَرَّ بِي أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام، فَقَالَ: يَا هِشَامُ! إِنَّ الْبَيْعَ فِي الظِّلَالِ غِشٌّ، وَالْغِشُّ لَا يَحِلُ‌)(3)، وهي صحيحة بطريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله وحسنة بطريق الكُلَيْني؛ والسَّابري: ثياب رقيقة جيِّدة.

ومنها: معتبرة السَّكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: (قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أَنْ يُشَابَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ؛ لِلْبَيْعِ)(4).

ومنها: مرسلة عُبَيْس بن هِشَام عن رجل من أصحابه عن أبي عبد الله (قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يَبِيعُ الدَّقِيقَ، فَقَالَ: إِيَّاكَ وَالْغِشَّ، فَإِنَّهُ مَنْ غَشَّ غُشَّ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غُشَّ فِي أَهْلِهِ)(5)، وهي ضعيفة بالإرسال.

ومنها: رواية سعد الأسكاف عن أبي جعفر عليه السلام (قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌) فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ بِطَعَامٍ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: مَا أَرى طَعَامَكَ إِلاَّ طَيِّباً، وَسَأَلَهُ عَنْ سِعْرِهِ، فَأَوْحَى اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-إِلَيْهِ: أَنْ يَدُسَّ يَدَيْهِ فِي الطَّعَامِ، فَفَعَلَ، فَأَخْرَجَ طَعَاماً رَدِيّاً، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: مَا أَرَاكَ إِلاَّ وَقَدْ جَمَعْتَ خِيَانَةً، وَغِشّاً، لِلْمُسْلِمِينَ)(6)، وهي ضعيفة بأبي جميلة، وعدم وثاقة سعد الأسكاف، وقول الشَّيخ: (إنَّه صحيح الحديث) لا يدلُّ على التوثيق، إذ هو أعمُّ من ذلك، لأنَّ صحَّة الحديث عند القدماء تختلف عن صحَّة الحديث عند المتأخِّرين، وبحثنا ذلك بالتفصيل في كتابنا علم الرِّجال.

ومنها: ما في حديث المناهي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنَّه قال: وَمَنْ غَشَّ مُسْلِماً فِي شِرَاءٍ، أَوْ بَيْعٍ، فَلَيْسَ مِنَّا، وَيُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْيَهُودِ؛ لِأَنَّهُمْ أَغَشُّ الْخَلْقِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ قال: وَقَالَ عليه السلام:‌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ مُسْلِماً)(7)، وهي ضعيفة جدًّا بجهالة الحسين بن زيد، وشعيب بن واقد، كما أنَّ إسناد الصَّدوق إلى شعيب فيه حمزة بن محمَّد العلويّ، وهو مهمل، وعبد العزيز بن محمَّد بن عيسى الأبهري، وهو مجهول؛ وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة.

وقد عرفت أنَّ الغش محرَّم لنفسه، كما عن جُلّ الأعلام، خلافاً للمحقِّق الإيرواني رحمه الله في حاشيته على المكاسب، حيث ذهب إلى أنَّه لا موضوعيَّة لعنوان الغشّ، وإنَّما حرم الغشّ لعناوين أخرى ثانويَّة، كلزوم الكذب بالغِشّ، أو أنَّه حرم لِمَا فيه من أكل أموال النَّاس بغير رضاهم، ونحو ذلك.

وما استدل به لما ذهب إليه، لا يُسْمِن، ولا يغني من جوع، فارتكاب خلاف الظَّاهر بلا مسوِّغ شرعي غير صحيح، وظاهر جميع الرِّوايات المتقدِّمة أنَّ المحرَّم هو عنوان الغشّ بما هو غشّ.

والإنصاف: أنَّ ما ذكره من بعض الأدلَّة على عدم حرمة الغِشّ بما هو غِشّ، وإنَّما يحرم للعنوان الثانوي؛ لا يخفى ما فيه من المغالطة؛ لأنَّ ما ذكره لا يسمَّى غِشّاً، لا أنَّه غِشّ، ويحرم للعنوان الثانوي؛ فراجع ما ذكره.

الأمر الثاني: المعروف عند أهل اللغة أنَّ الغِشّ هو خلاف النصح، وغَشَّه: أظهر له خلاف ما أضمره، وليس له في الشَّرع معنى خاصّ.

ومن هنا يعتبر في حقيقته الإخفاء، كشَوْب اللبن بالماء مثلاً، فلو كان المزج بما لا يخفى، كالتراب يجعله في الحنطة، أو أخبر بمزج ما يخفى، فلا غِشّ فيه.

وعليه، فيعتبر في مفهوم الغِشّ عِلم الغاشِّ وجهل المغشوش، فلو كان كلاهما عالمين بالواقع، أو جاهلين به، أو كان الغاشّ، جاهلاً، والمغشوش عالماً، انتفى مفهوم الغِشّ.

لا يخفى عليك أنَّه لا يعتبر في مفهوم الغِشّ قَصْد التلبيس على النَّاس، فإذا اختلط الجيِّد بالرديّ، أو امتزج اللبن بالماء بغير اختيار من صاحبه، وباعه بدون أن يخبر المشتري بذلك؛ كان غشاً.

ثمَّ إنَّه بقي شيء في المقام، وهو أنَّ الغِشّ المحرَّم ما كان في المعاملة، فلا إشكال حينئذٍ لو مزج اللبن بالماء، وقدَّمه للضيف وغيره، وكذا لو أطعم الطَّعام المغشوش، بل لعلَّه لا يصدق الغِشّ في هذه الأمور.

وقدِ اتضح ممَّا ذكرنا، أنَّ إخفاء العيب، وبعض الصِّفات الذميمة من الغِشِّ.

الأمر الثالث: المعروف بين الأعلام أنَّ المعاملة، وإن كانت محرَّمةً تكليفاً، إلَّا أنّها صحيحة، قال صاحب الجواهر: (والظَّاهر أنَّ الحرمة في الفعل نفسه، فلو باع مع ذلك كان البيع صحيحاً، وإنْ ثبت للمشتري خيار العيب، أو الوصف، أو التدليس...).

واحتمل صاحب الحدائق رحمه الله ظهور الرِّوايات الواردة في النَّهيّ عن الغِشّ في صيرورة المبيع معه،كالعذرة، ونحوها، ممَّا لا يجوز بيعها.

_______________

(1)و(2)و(3)و(4)و(5)و(6)و(7) الوسائل باب86 من أبواب ما يكتسب به ح1و2و3و4و7و8و10.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo