< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المعاملات/ المكاسب المحرَّمة(20)

نعم، الذي يَرِد على الرِّواية أنَّها قضيَّة شخصيَّة بالنسبة للمدينة، إذ يحتمل أن تكون التصاوير في المدينة أصناماً، فلذا ورد الأمر بمَحْوها، كما أنَّه يحتمل أن تكون الكلاب فيها مُؤذِيات.

ثمَّ إنَّه لو قطعنا النَّظر عن كونها قضيَّةً شخصيَّةً خارجيَّةً، وقلنا: بأنَّها قضيَّة حقيقيَّة، فيمكن القول: بأنَّها محمولة على الكراهة، بقرينة (ولا قبرا إلَّا سويته)، فإنَّه لا يجب تسوية القبور بالأرض حتَّى لو كانت مستحبَّات، لأنَّ تسنيم القبور مكروه، وليس محرَّماً.

ومنها: ما رواه صاحب المحاسن البرقي عن موسى بن قاسم عن عليِّ بن جعفر عن أخيه موسى (أنَّه سألا أباه عن التماثيل، فقال: لَاْ يَصْلُحُ أنْ يُلْعَبُ بِهَا)(1)، وهي صحيحة لأنَّ موسى بن قاسم هو البَجَلِيّ الثقة.

وهناك رواية أخرى عن عليِّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قال: سألته عن التماثيل، هل يصلح أن يلعب بها؟ قال: لا)(2)، وهي مرويَّة في قرب الإسناد، ولكنَّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل.

وهناك رواية ثالثة رواها صاحب المحاسن رحمه الله عن أبيه عمَّنْ ذَكَره عن مثنَّى رفعه (قَاْلَ: التَّمَاْثِيْلُ لَاْ يَصْلُحُ أَنْ يُلْعَبَ بِهَا)(3)، وهي ضعيفة بالإرسال، أو بالرَفع، وبجهالة مثنَّى.

والعجب من جماعة من الأعلام أنَّهم اقتصروا على الرِّوايتين، ولم يذكروا الصَّحيحة، مع أنَّها بمرأى منهم ومسمع، والعصمة لأهلها.

ومهما يكن، فقد يجاب عن هذه الرِّوايات أوَّلاً: أنَّ أقصى ما تدلّ عليه هذه الرِّوايات هو عدم صلاحيَّة اللعب، وعدم الصَّلاحية أعمُّ من الحرمة.

وثانياً: أنَّه على تقدير حرمة اللعب، إلَّا أنَّ حرمة اللعب أعمُّ من حرمة الاقتناء.

هذا كلُّه مع غضّ النَّظر عن ضعف الرِّوايتين الأخيرتين سنداً.

ومنها: صحيحة البَقْبَاق المتقدِّمة عن أبي عبد الله عليه السلام (فِي قَوْلِ اللهِ -عَزَّوَجَلَّ-: {يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ}، فَقَالَ: وَاللهِ! مَا هِيَ تَمَاثِيلَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلكِنَّهَا الشَّجَرُ وَشِبْهُهُ‌)(4)، بتقريب أنَّ الإنكار إنَّما يرجع إلى مشيئة سُلَيمان عليه السلام للمعمول لا العمل، وحيث إنَّه عليه السلام أنكر مشيئة سُليمان عليه السلام لوجود تماثيل الرِّجال والنِّساء فيدلّ على أنَّ وجودها من المنكرات.

وفيه: ما تقدم أنَّ الصَّحيحة ظاهرة في حرمة نفس التصاوير، أي عَمَل الصُّور، بمعنى تجسيم ذي الرُّوح، ولا ظهور لها في حرمة الاقتناء، كما لا يخفى.

ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة أيضاً (قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشَّجر والشَّمس والقمر، فقال: لا بأس، ما لم يكن شيئاً من الحيوان)(5).

ووجه الاستدلال بها مبنيّ على كون السُّؤال عن حكم الفعل المتعارف المتعلِّق بالتماثيل، وهو الاقتناء.

وفيه: أنَّ عمل التصاوير -أي تجسيمها- أيضاً متعارف، ومركوز في الأذهان.

ومن هنا قلنا سابقاً: إنَّ هذه الصَّحيحة دالَّة على حرمة التصوير بالمعنى المصدري، أي نفس عملها، فهذا هو المقدَّر في السُّؤال، وليس المقدَّر الفعل المتعلِّق بالتماثيل بعد وجودها، كالاقتناء، حتَّى تدلّ على حرمة الاقتناء.

وأمَّا القول: بأنَّ المقدَّر هو الأعمُّ من العمل والاقتناء، فهو بعيد، إذ يحتاج إلى تصوير جامع بينهما، وهو مفقود على فرض وجوده، فهو خلاف الظَّاهر.

كما أنَّ إرادة العمل والاقتناء بدون تصوير الجامع على أنْ يكون اللفظ مستعملاً في كلٍّ منهما، فهو غير صحيح، لِمَا عرفت من عدم صحة استعمال اللفظ في أكثر من معنى.

ومنها: حسنة زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام (قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ تَكُونَ التَّمَاثِيلُ فِي الْبُيُوتِ إِذَا غُيِّرَتْ رُؤُوسُهَا مِنْهَا، وَتُرِكَ مَا سِوى ذلِكَ)(6)، ورواها صاحب المحاسن رحمه الله بطريق صحيح عن محمَّد بن مسلم.

ووجه الاستدلال بهذه الصَّحيحة هو ثبوت البأس إذا لم يُغيَّر الرأس، وذلك بمقتضى مفهوم الشَّرط.

وقد ذكر جماعة من الأعلام -منهم الشَّيخ الأنصاري رحمه الله- أنَّ البأس فيها محمول على الكراهة للصَّلاة، أي إذا كانت في بيت يصلَّى فيه.

وعليه، فتكون هذه الصَّحيحة دالَّة على جواز الاقتناء بلا كراهة إذا لم يكن للصَّلاة.

وقد تُؤيِّد الحَمْل على جواز الاقتناء على كراهة إذا كان للصَّلاة: روايةُ عليِّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قال: سألته عن رجل كان في بيته تماثيل، أو في سِتْر ولم يعلم بها -وهو يصلِّي في ذلك البيت- ثمَّ عَلِم، ما عليه؟ فقال: ليس عليه فيما لا يعلم شيء، فإذا علم فَلْينزع السِّتْر، وليكسر رؤوس التماثيل)(7)، فإنَّها ظاهرة في أنَّ الأمر بالكسر لأجل كون البيت ممَّا يصلَّى فيه، ولذلك لم يأمر عليه السلام بتغيير ما على السِّتر، واكتفى بنزعه.

وإنَّما جعلناها مؤيِّدةً لأنَّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل.

وإن أبيت عن ذلك، وقلت: إنَّ صحيحة زرارة ظاهرة في ثبوت البأس في وجود التماثيل في البيت وإن لم يكن البيت ممَّا يصلَّى فيه، فأقول: إنَّها محمولة على الكراهة، جمعاً بينها وبين ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- من الرِّوايات الدَّالَّة بالصَّراحة على جواز الاقتناء.

ومنها: ما رواه المثنَّى عن أبي عبد الله عليه السلام (أنَّ عليّاً عليه السلام كَرِه الصُّوَرَ فِيْ البُيُوتِ)(8)، بضميمة ما ورد من أنَّ علياً عليه السلام لم يكن يكره الحلال، كصحيحة أبي بصير عن سَيْف التمَّار (قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي بَصِيرٍ: أُحِبُّ أَنْ تَسْأَلَ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ اسْتَبْدَلَ قَوْصَرَّتَيْنِ فِيهِمَا بُسْرٌ مَطْبُوخٌ بِقَوْصَرَّةٍ فِيهَا تَمْرٌ مُشَقَّقٌ، قَالَ : فَسَأَلَهُ أَبُو بَصِيرٍ عَنْ ذلِكَ، فَقَالَ عليه السلام: هذَا مَكْرُوهٌ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: وَلِمَ يُكْرَهُ؟ فَقَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَكْرَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ وَسْقاً مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ بِوَسْقَيْنِ مِنْ تَمْرِ خَيْبَرَ؛ لِأَنَّ تَمْرَ الْمَدِينَةِ أَدْوَنُهُمَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ عليه السلام يَكْرَهُ الْحَلَالَ)(9).

والرِّواية صحيحة، لأنَّ سَيْف التمَّار متَّحد مع سَيْف بن سليمان التمَّار، وهو ثقة بلا إشكال.

_________

(1)و(3) الوسائل باب3 من أبواب أحكام المساكن ح15و16.

(2) الوسائل باب94 من أبواب ما يكتسب به ح10.

(4) الوسائل باب94 من أبواب ما يكتسب به ح1.

(5) الوسائل باب3 من أبواب ما يكتسب به ح17.

(6) الوسائل باب4 من أبواب أحكام المساكن ح3.

(7) الوسائل باب45 من أبواب لِباس المصلِّي ح20.

(8) الوسائل باب3 من أبواب أحكام المساكن ح3.

(9) الوسائل باب15 من أبواب أحكام الرِّبا ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo