< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/10/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المكاسب المحرَّمة(8)

الآية الثانية: قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}، بضميمة الأخبار المفسِّرة لها بالغناء:

منها: حسنة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال: سمعته يقول: الغناء ممَّا وعد الله عليه النَّار، وتلا هذه الآية: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ...})(1).

ومنها: رواية مهران بن محمَّد عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( قال: سمعتُه يقول: الغناء ممَّا قال الله عزَّوجل: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ...})(2)، ولكنَّها ضعيفة بجهالة مهران بن محمَّد.

ومنها: رواية الوشَّا (قال: سمعتُ أبا الحسن الرِّضا (عليه السلام) يقول: سُئِل أبو عبد الله (عليه السلام) (يسأل عن الغناء خ ل) فقال: هو قول الله عزَّوجل: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ...})(3)، وهي ضعيفة أيضاً بسهل بن زياد.

ومنها: رواية الحسن بن هارون (قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الغناء مجلس لا ينظر إلى أهله، وهو ممَّا قال الله عزَّوجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ...)(4)، وهي ضعيفة بجهالة مهران بن محمَّد، والحسن بن هارون.

ومنها: ما في مجمع البيان (قال: روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن الرضا (عليهم السَّلام) في قول الله عزَّوجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} أنَّهم قالوا: منه الغناء)(5)، وهي ضعيفة بالإرسال.

وقدِ استُشكل على الاستدلال بهذه الآية بإشكالَيْن:

أحدهما: أنَّ مدلول هذه الآية الشَّريفة حرمة الغناء الذي يشترى ليضلّ عن سبيل الله ويتخذها هزواً، ولا تدلّ على حرمة غير ذلك ممَّا يتّخذه صاحب القلب الرقيق لِذكر الجنَّة، وتهييج الشَّوق إلى العالم الأعلى، وتأثّر القرآن والدَّعاء في القلوب.

والإنصاف: أنَّ هذا الإشكال لا يخلو من وجه.

ثانيهما: أنَّ هذه الرِّوايات الواردة في تفسير الآية الشَّريفة معارضة بروايتين:

الأُولى: ما في مجمع البيان، حيث قال: (ورُوي أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: هو -أي لهو الحديث- الطعن بالحقّ والاستهزاء به...)(6)، فهو تفسير للآية الشَّريفة بغير الغناء، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

 

__________

(1)و(2)و(3)و(4)و(5) الوسائل باب 99 من أبواب ما يكتسب به ح6و7و11و16و25.

(6) مجمع البيان: مجلد السابع والثامن سورة القمان ، ص313.

الرِّواية الثانية: رواية أبي بصير (قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن كسب المغنِّيات، فقال: التي يدخل عليها الرَّجل حرام، والتي تُدعى إلى الأعراس ليس به بأس، وهو قول الله عزَّوجل: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ...})(1)، حيث إنَّها تدلّ على أنَّ لهو الحديث هو غناء المغنّيات التي يدخل عليهم الرَّجال لا مطلقاً، ولكنَّها ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة.

ويَرِد على القول بأنَّ هاتين الرِّوايتين معارضتان للرِّوايات السَّابقة:

أوَّلاً: أنَّهما ضعيفتا السَّند، فلا تصلحان للمعارضة.

وثانياً: ما ذكرناه في الآية الأُولى أنَّ أغلب الرِّوايات الواردة في تفسير الآيات الشَّريفة إنّما هي لبيان المصداق للآية، وليست لانحصار الآية الشَّريفة بموردها، فلا معارضة حتَّى لو سلّمنا بصحّة السَّند.

الآية الثالثة: هي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}، بضميمة ما ورد في تفسير القمي {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}: (الغناء والملاهي)(2)، وهذا تطبيق منه؛ ويحتمل أنَّه رواية عن الصَّادق (عليه السلام).

الآية الرَّابعة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}، بضميمة ما ورد في الرِّوايات في تفسيرها بالغناء:

منها: صحيحة أبي الصُّباح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عزَّوجل: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}، قال: الغناء)(3).

ومنها: حسنة ابن مسلم وأبي الصُّباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزَّوجل: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}، قال: هو الغناء)(4).

وفيه: أمَّا الاستدلال بالآية الثالثة، فيرد عليه أنَّ تفسيرها بالغناء هو رأي القمّي (رحمه الله)، وهو ليس بحجَّة.

ولو فرضنا أنَّها رواية عن الصَّادق (عليه السلام) إلَّا أنها مرسلة.

أضف إلى ذلك: أنَّه مع قطع النظر عمَّا ذكرناه، فإنَّ الدَّلالة غير تامَّة، لأنَّ فلاح المؤمن -في الآية الشَّريفة التي قبلها: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}- بالإعراض عن الغناء لا يستلزم التحريم.

وأمَّا الآية الرابعة: فقد يستشكل أيضاً في دلالتها، لأنَّ الآية الشَّريفة في مقام مدح المؤمن، وأنَّه لا يشهد الزُّور، أي لا يشهد الغناء، وعدم شهادته الغناء أعمّ من التحريم.

_______

(1) الوسائل باب15 من أبواب ما يكتسب به ح1.

(2) تفسير القمي: ج2/ 88، ط: دار السُّرور.

(3)و(4) الوسائل باب9 من أبواب ما يكتسب به ح3و5.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo