< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/10/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المكاسب المحرَّمة(2)

قول الشَّهيد الأوَّل في كتابه الدروس: (وقال (صلى الله عليه وآله): أَلَا إنَّ الرُّوح الأمين نفث في رُوعي: أنَّه لا تموت نفس حتَّى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطَّلب، ويراد به عدم المبالغة في الطَّلب، أو الطَّلب من وجه جميل).

المعروف: هو استحباب الإجمال في الطَّلب، أي لا يصرف أكثر أوقاته فيه.

ويدلّ على ذلك جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: أَلَا إِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّه لَا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّه عَزَّ وجَلَّ، وأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، ولَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ شَيْءٍ مِنَ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوه بمَعْصِيَةِ اللَّه، فَإِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى قَسَمَ الأَرْزَاقَ بَيْنَ خَلْقِه حَلَالاً، ولَمْ يَقْسِمْهَا حَرَاماً، فَمَنِ اتَّقَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ وصَبَرَ أَتَاه اللَّه بِرِزْقِه مِنْ حِلِّه، ومَنْ هَتَكَ حِجَابَ السِّتْرِ وعَجَّلَ فَأَخَذَه مِنْ غَيْرِ حِلِّه قُصَّ بِه مِنْ رِزْقِه الْحَلَالِ، وحُوسِبَ عَلَيْه يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(1).

(نَفَثَ فِي رُوعِي): أي نفخ، والرُّوع -بالضّمّ-: القلب، والعقل؛ والمراد أنَّه ألقى في قلبي، وأوقع في بالي.

(وأجملوا في الطَّلب): أي لا يصرف أكثر أوقاته فيه.

وقوله: (ولا يحملنّكم): أي لا يبعثكم استبطاء الرِّزق على طلبه بالمعصية.

(وهتك حجاب السّتر): أي فرّقه وخرقه.

ثمَّ الرِّزق عند الأشاعرة: كلّ ما انتفع به حيّ، سواء كان بالتغذّي أو بغيره، مباحا كان أو حراماً.

وعند المعتزلة: هو كلّ ما يصحّ انتفاع الحيوان به التغذّي أو غيره، وليس لأحد منعه منه، فليس الحرام رزقاً عندهم.

وهذه الصحيحة دليل قويّ على قول المعتزلي.

ومن جملة الرِّوايات الدَّالة على استحباب الإجمال في الطَّلب صحيحة أبي خديجة (قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لو كان العبد في جحر لأتاه رزقه، فأجملوا في الطّلب)(2)، وعبد الرّحمان بن أبي هاشم الموجود في السَّند متِّحد مع عبد الرّحمان بن محمّد بن أبي هاشم، فيكون الثقة.

 

قوله: (كما رُوي عن الصَّادق(عليه السلام): لِيَكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيِّع، ودون طلب الحريص)

هذه من جملة الرِّوايات الدَّالة على استحباب الإجمال في الطلب، وهي مرسلة ابن فضَّال عمَّن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيِّع، ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئنّ إليها، ولكن أنزل نفسك من ذلك بمنزلة المنصف (النصف) المتعفِّف ترفع نفسك عن منزلة الواهي الضعيف، وتكسب ما لا بدّ للمؤمن منه، إنَّ الذي أعطوا المال ثمَّ لم يشكروا لا مال لهم)(1)، وهي ضعيفة بالإرسال.

وقوله: (لا مال لهم)، أي يسلبون المال، ولا ينفعهم مالهم.

ولعلّ الغرض الحثّ على ترك الحِرص في جميع المال، فإنَّ المال الكثير يلزمه غالباً تَرْك الشُّكر.

ولا يخفى أنَّ المال القليل مع توفيق الشُّكر يكون أحسن، والله العالم.

____

(1) الوسائل باب12 من أبواب مقدمات التجارة ح1.

(2) الوسائل باب12 من أبواب مقدمات التجارة ح5.

 

قوله: (وقال(عليه السلام): أنّ في حكمة آل داود: ينبغي للمسلم العاقل أن لا يُرى ظاعناً، إلَّا في ثلاثٍ: مرمة لمعاش، أو تزوُّد لمعاد، أو لذّة في غير ذات محرم)

قدِ استُدلّ بهذه الرِّواية على استحباب مرمة المعاش، أي قصده، وهي رواية محمَّد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قَالَ: إِنَّ فِي حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ: يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ أَنْ لَا يُرَى ظَاعِناً إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ ذَاتِ مُحَرَّمٍ، ويَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ لَه: سَاعَةٌ يُفْضِي بِهَا إِلَى عَمَلِه فِيمَا بَيْنَه وبَيْنَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ، وسَاعَةٌ يُلَاقِي إِخْوَانَه الَّذِينَ يُفَاوِضُهُمْ ويُفَاوِضُونَه فِي أَمْرِ آخِرَتِه، وسَاعَةٌ يُخَلِّي بَيْنَ نَفْسِه ولَذَّاتِهَا فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ، فَإِنَّهَا عَوْنٌ عَلَى تِلْكَ السَّاعَتَيْنِ )(2) وهي ضعيفة باشتراك محمَّد بن مروان، واحتمال كونه الذّهلي وإن كان وارداً إلَّا أنَّه غير موثَّق أيضاً، ووجوده في كامل الزيارات لا ينفع، لعدم كونه من المشايخ المباشرين.

وقوله : (ظاعناً)، أي مسافراً، والمعاوضة هي المحاداثة، والمذاكرة.

 

قوله: (وقال (عليه السلام): الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله)

قدِ استُدلّ بهذه الرِّواية على وجوب الكدّ على العيال فيما لو اضطرّ إليه في إبقاء مهجة عياله، وإذا لم يضطرّ إليه يكون الكدّ مستحبّاً، فيما لو كان للتوسعة على العيال، وهذه الرِّواية هي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله)(3).

 

قوله: (وقال الكاظم (عليه السلام): إيّاك والكسل والضَّجر، فإنّهما يمنعانك حظَّك من الدُّنيا والآخرة)

قدِ استُدل بهذه الرِّواية على كراهيَّة الكسل والضَّجر في أمور الدُّنيا والآخرة، وهي صحيحة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (قدس سره)، أي صحيحة سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) (قال: قال أبي لبعض ولده: إياك والكسل والضَّجر، فإنَّهما يمنعانك من حظِّك من الدُّنيا والآخرة)(4).

لا يقال: كيف تكون صحيحة ومحمَّد بن موسى بن المتوكِّل الذي هو شيخ الصَّدوق (قدس سره) غير موثَّق؟!

فإنَّه يُقال: إنَّ الرَّجل من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته.

نعم، الرِّواية بطريق الكليني ضعيفة بسهل بن زياد.

_______

    1. الوسائل باب13 من أبواب مقدّمات التِّجارة ح3.

    2. الوسائل باب21 من أبواب مقدّمات التِّجارة ح1.

    3. الوسائل باب22 من أبواب مقدّمات التِّجارة ح1.

    4. الوسائل باب18 من أبواب مقدّمات التِّجارة ح5.

    5. الوسائل باب12 من أبواب مقدّمات التِّجارة ح3.

 

قوله: (وعن الباقر -عليه السَّلام-: من تناول شيئاً من الحرام قاصّه الله به من الحلال)

وذلك عقوبةً له، ففي رواية إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال: ليس من نفسٍ إلَّا وقد فرض الله لها رزقها حلالاً يأتيها في عافية، وعرض لها بالحرام من وجه آخر، فإنْ هي تناولت شيئاً من الحرام قاصَّها من الحلال الذي يفرض لها، وعند الله سواهما فضل كثير، وهو قوله عزوجل: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ})(5)، وهي ضعيفة بأبي البلاد الذي هو والد إبراهيم، واسمه يحيى بن سليمان.

وفي رواية إسحاق بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: إنَّ الله عزَّوجل خلق الخَلْق، وخلق معهم أرازقهم حلالاً، فمَنْ تناول شيئاً منها حراماً قُصّ به من ذلك الحلال)(1)، وهي ضعيفة أيضاً لِعدم وثاقة صالح بن السِّندي، وعمر بن أبي زياد.

ولكن ورد في صحيحة أبي حمزة الثمالي المتقدِّمة: (ومَنْ هتك حجاب السِّتر، وعجَّل فأخذه من غير حِلّه قُصّ به من رزقه الحلال...)(2).

 

_______________________________

(1)الوسائل باب 12 من أبواب مقدمات التجارة ح6.

    1. الوسائل باب 12 من أبواب مقدمات التجارة ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo